يبدو أن المصائب لا تأتي فرادى فعلًا، ففضلًا عن مشاكلها الأمنية والتدخلات الأجنبية، تعيش منطقة القرن الإفريقي هذه الفترة أحلك أيامها في مواجهة فيروس كورونا المستجد الذي بدأ في الانتشار في المنطقة، وكذلك في مواجهة كارثة الجراد الصحراوي التي تُنبئ بتبعات إنسانية خطيرة على المنطقة المضطربة بطبعها.
كورونا يواصل الانتشار
وصل عدد الإصابات في منطقة القرن الإفريقي بفيروس كورونا المستجد في تمام الساعة العاشرة بتوقيت غرينيتش من يوم السبت، إلى 533 حالة موزعة على دول المنطقة الثمانية، فيما بلغ عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بهذا الفيروس في المنطقة 17 حالة (3 دول فقط لم يسجل فيهم حالات وفات وهم جنوب السودان وأوغندا وإيريتريا).
ويقصد بمنطقة القرن الأفريقي -جغرافيًا- ذلك الجزء الممتد على اليابسة الواقع غرب البحر الأحمر وخليج عدن على شكل قرن، وهو بهذا المفهوم يشمل أربع دول هي الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، بينما تتسع المنطقة أكثر عند النظر لها من زاوية سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.
توجد مخاوف كبيرة من حدوث أزمات اجتماعية واقتصادية وإنسانية في دول المنطقة، ذلك أنه لا تتوافر فيها معدات طبية حديثة لمواجهة أزمة كورونا
تمّ تسجيل أولى حالات الإصابة بالمرض في كل من إثيوبيا وكينيا والسودان في الـ 13 من شهر مارس/آذار الماضي، وترتبط معظم الحالات المرصودة بأجانب أو بأفراد سافروا إلى الخارج، لكن يتزايد القلق بشأن قدرة المنطقة على التعامل مع هذا الفيروس.
لمواجهة هذه الجائحة، أقدمت دول المنطقة على اتخاذ عديد الإجراءات الاحترازية، حيث علّقت الحكومة الكينية سفر جميع الأشخاص القادمين إلى البلاد من أي دولة ظهرت فيها حالات إصابة بفيروس كورونا، واشترطت على القادمين إليها تطبيق الحجر الصحي الذاتي، كما أعلنت فرض حظر تجوال يشمل العاصمة والمناطق المتضررة من الوباء المستجد، وأغلقت المدارس والجامعات.
فيما أوقفت جيبوتي جميع الأنشطة التجارية وعلقت الدراسة وصلاة الجماعة كما منعت جميع منسوب القواعد الأجنبية من الخروج منها العاصمة، فضلًا عن إغلاق المجال الجوي أمام المسافرين، كما أغلقت السلطات أحياء بأكملها بعد تسجيل حالات عدوى كوفيد 19 منعًا لانتقال الفيروس منها إلى الأحياء الجيبوتية الأخرى.
اتخذت دول المنطقة اجراءات كبيرة لمكافحة انتشار كورونا
بدورها، علَّقت سلطات الصومال رحلاتها الدولية والمحلية القادمة والمغادرة من مطار مقديشو وجميع المطارات في الولايات الفيدرالية، كما عُلِّقت الدراسة في المدارس والجامعات الصومالية حتى إشعار آخر، كما أصدر الرئيس محمد عبد الله فرماجو، مرسوما رئاسيا تضمن العفو عن 148 سجينا، في إطار التدابير الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا.
نفس الشيء في باقي الدول، فقد تم تعليق الرحلات الجوية واغلاق الحدود وتعليق الدراسة وصلاة الجماعة وفرض الحظر الصحي، بهدف التوقي من انتشار فيروس كورونا في دول المنطقة، خاصة وأن هذه الدول تعاني أزمات عدّة في المجال الصحي والاقتصادي.
مخاوف إنسانية واقتصادية كبيرة
رغم هذه الاجراءات، توجد مخاوف كبيرة من حدوث أزمات اجتماعية واقتصادية وإنسانية في دول المنطقة، ذلك أنه لا تتوافر فيها معدات طبية حديثة لمواجهة أزمة كورونا، فأغلب مستشفياتها مريضة والطاقم الطبي وشبه الطبي فيها قليل العدد ومحدود الخبرة.
ومن المعروف أنّ منطقة القرن الإفريقي بؤرة لكثير من المشاكل الصحية، بما في ذلك الكوليرا والإسهال والملاريا وداء الشيغيلات وحمى الصادع والحصبة والتهاب السحايا وسوء التغذية، وهو ما يبعث على القلق أنّ كثيرا من المؤشّرات الصحية، باتت في مستوى منخفض جدا وتنبؤ بكارثة قادمة.
ليس هذا فحسب، ففضلا عن ضعف المنظومة الصحية، تعاني دول المنطقة من تراجع اقتصادي كبير، فمعظم دول القرن الإفريقي تعتمد على المنح والمساعدات، فإريتريا مثلا واحدة من أكثر دول العالم اعتمادا على الدول المانحة للمساعدات، وكذلك الأمر في الصومال التي يعيش سكانها في فقر مدقع.
انتشار الجراد الصحراوي بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا وتراجع الدعم العالمي لدول منطقة القرن الإفريقي، من شأنه أن يزيد الأوضع في المنطقة تعقيدا، وأن يعرّض حياة الملايين من البشر هناك إلى خطر الموت والمجاعة
من شأن التدابير الاحترازية التي تم اعتمادها للحيلولة دون اتساع رقعة انتشار فيروس كورونا، أن تزيد من تدهور الوضع الاقتصادي في بلدان المنطقة، ذلك أن هذه الإجراءات ستشل القطاعات الحيوية الاقتصادية في دول المنطقة، دون أن يوجد خطط لمواجهة هذا الأمر.
الجراد الصحراوي يهدد حياة ملايين البشر
مشاكل المنطقة لا تتوقف هنا، فدول القرن الإفريقي تعاني أيضا من مشكلة انتشار الجراد. فرغم تجنيب محاصيل الحبوب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي خطر الجراد وتمكن المجتمعات الريفية من تخزينها، تستعدّ دول المنطقة الآن لخوض المعركة الثانية التي من المنظر أن تبدأ خلال أيام.
وتعتبر الأحوال الجوية (الحرارة والأمطار وفيرة) في منطقة القرن الإفريقي مواتية للغاية لانتشار الجراد مجدّدا والانقضاض على المحاصيل الزراعية التي ينتظرها المزارعين في هذه الفترة من السنة (تقدر الفاو أن عدد الجراد يمكن أن يزيد 20 مرة خلال موسم الأمطار)، ما سيؤثر على غذائهم ومداخلهم اليومية، فالزراعة أهم مصدر رزق عندهم.
ومن أسباب تفشي ظاهرة الجراد الصحراوي، وفقاً للأمم المتحدة “حدوث إعصاريْن في المحيط الهندي في أيار/مايو وتشرين الأول/أكتوبر 2018، وهو ما تسبب برطوبة عالية في المنطقة الواقعة بين اليمن وعُمان والسعودية التي يُطلق عليها “الربع الخالي” وهي منطقة لا يمكن الوصول إليها بسبب طبيعتها. وقد انتعش الجراد هناك وتكاثر بكثرة.، وبعد أن شهدت اليمن موسم جفاف انتقل الجراد إلى شمال شرق إثيوبيا وشمال الصومال وعادة ما ينخفض تأثير الجراد مع ارتفاع الحرارة والجفاف.
تنتظر المنطقة موجة ثانية من الجراد
يمكن للجراد الصحراوي السفر لمسافة 150 كم في اليوم واستهلاك ما يعادل وزنه – حوالي 2 غرام في اليوم، أي أن سربا واحدا من الجراد على مساحة 1 كيلومتر مربع (80 مليون جرادة) قادر على ابتلاع الحصة اليومية لـ 35000 شخص، ما ينذر بعواقب وخيمة إن لم يتم السيطرة على الأمر في أقرب وقت.
ولا تزال موجة الجراد الصحراوي منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، تشكل مصدراً للقلق، لا سيما في إثيوبيا وكينيا والصومال، حيث تشكل تهديداً غير مسبوق على الأمن الغذائي وسبل العيش. ويعاني حوالي 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في دول شرق أفريقيا الست الأكثر تضرراً أو عرضة لخطر الجراد، وهي إثيوبيا وكينيا والصومال وجنوب السودان وأوغندا وتنزانيا، يضاف إليهم 15 مليون آخرين في اليمن، المتأثرة أيضاً بالآفة.
وفي الـ 10 من شهر فبراير/ شباط الماضي، أطلقت الأمم المتحدة، تحذيرا من أن إثيوبيا والصومال يواجهان أزمة هي الأكبر منذ ربع قرن، كما تواجه كينيا أزمة مماثلة لم تشهدها منذ 70 عاماً، فيما يمتد الخطر أيضا إلى جنوب السودان وأوغندا. وقالت المنظمة إن “ثمّة قلق بشأن تكوّن أسراب جديدة في إريتريا وجيبوتي والسعودية والسودان واليمن مع استمرار انتشار الجراد على جانبي البحر الأحمر”. وأشارت المنظمة الأممية حينها، إلى أن 13 مليون شخص في إثيوبيا وكينيا والصومال يتعرض أمنهم الغذائي للتهديد وأن 10 ملايين منهم يعيشون في المناطق المتضررة بسبب الجراد”.
انتشار الجراد الصحراوي بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا وتراجع الدعم العالمي لدول منطقة القرن الإفريقي، من شأنه أن يزيد الأوضع في المنطقة تعقيدا، وأن يعرّض حياة الملايين من البشر هناك إلى خطر الموت والمجاعة، ما يستدعي ضرورة التدخّل العاجل لإنقاذ المنطقة.