ترجمة وتحرير نون بوست
كتب حمزة مصطفى وجوناثان فينتون هارفي
وسط الذعر العالمي الناجم عن جائحة فيروس كورونا، أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مكالمة هاتفية مهمة مع الرئيس السوري بشار الأسد في أواخر الشهر الماضي، وتعهد “بالوقوف” إلى جانب الشعب السوري خلال تفشي الفيروس في البلاد. في الحقيقة، يمثل هذا القرار فرصة ذهبية لدولة الإمارات العربية المتحدة لدعم الأسد في الوقت الذي تحاول فيه هزيمة تركيا، العدو الإماراتي الرئيسي الذي أصبح راسخًا بشكل متزايد في سوريا، والذي تواجهه الإمارات أيضا في ليبيا والصومال.
كتب محمد بن زايد تغريدة على تويتر قال فيها: “أكدت له [الأسد] دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”. مع ذلك، وقبل اتخاذ هذه الخطوة، كشف موقع “ميدل إيست آي” أن الإمارات عرضت على الأسد ثلاثة مليارات دولار لإنهاء وقف إطلاق النار في الخامس من آذار/ مارس في إدلب بين تركيا وروسيا، واستئناف هجومه لاستعادة البلاد وطرد القوات التركية.
يهدف ذلك أيضًا إلى إبقاء تركيا مشتتة الانتباه عن الصراع الليبي، حيث تدعم كل من أبوظبي وأنقرة أطرافا متعارضة، مما يوضح كيف أن دعم الأسد يخدم المصالح الإقليمية الأوسع لدولة الإمارات العربية المتحدة.
هواجس مفبركة حول الإنسانية
اتخذت الإمارات العربية المتحدة موقفًا إقليميًا استباقيًا تحت حكم محمد بن زايد، تبرره هواجس مفبركة حول الإنسانية والاستقرار. يمكّن تهديد فيروس كورونا أبوظبي من دعم هذا القناع المؤيد للإنسانية أثناء تأمين نفوذ إقليمي أكبر، خاصة بعد أن أرسلت المساعدات إلى دول أخرى بما في ذلك إيران التي تعاني من تفشي الفيروس بشكل خطير.
تسعى الإمارات أيضا إلى التعاون مع نظام الأسد الاستبدادي باعتباره حصنًا ضد الحركات الديمقراطية والإسلامية، وذلك تماشيًا مع أهدافها الأوسع لسحق مثل هذه التحولات الإقليمية، التي يمكن أن تشجع في نهاية المطاف على الدعوة إلى إجراء إصلاحات داخل النظام الاستبدادي الإماراتي. وعلى الرغم من أن محمد بن زايد احتضن الأسد علنا وأعاد فتح سفارة الإمارات العربية المتحدة في دمشق في كانون الأول/ ديسمبر في 2018، إلا أن الإمارات عملت بذكاء طوال الحرب السورية لبسط سلطتها في البلاد.
تحت ذريعة تقديم المساعدة الإنسانية، ركّزت أبوظبي على جنوب سوريا في البداية عن طريق الأعمال الخيرية
في بادئ الأمر، اتبعت الإمارات إلى حد كبير خط مجلس التعاون لدول الخليج بشأن سوريا، حيث علّقت جامعة الدول العربية رسميًا عضوية سوريا في سنة 2011 بعد حملة القمع الوحشية التي شنها الأسد على المتظاهرين. وفي مؤشر مبكر للسياسة الخارجية الحازمة التي تنتهجها إمارة أبوظبي، انتقد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة في تموز/ يوليو 2012، بينما حثّ المجتمع الدولي على معارضة البطش الذي يمارسه الأسد على الشعب السوري.
تشاطر أبوظبي دول مجلس التعاون الخليجي نفس الشواغل المتعلقة بالتواجد الإيراني المتنامي في سوريا منذ سنة 2013، عندما همّت طهران بدعم حليفها الأسد. لكن في الخفاء، كانت الإمارات تنظر إلى ديكتاتورية الأسد كمكسب طويل الأمد لتأمين رؤيتها الإقليمية. وقد انتظرت الفرصة المناسبة لفترة طويلة بينما كان نفوذها محدودًا نسبيًا آنذاك.
السيطرة على قوات المعارضة
تحت ذريعة تقديم المساعدة الإنسانية، ركّزت أبوظبي على جنوب سوريا في البداية عن طريق الأعمال الخيرية، مثل مساعدة مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن ومنطقة ريف درعا السورية. وقد سلطت الإمارات الضوء على تبرّعاتها التي فاقت 530 مليون دولار سعيا منها “لتخفيف معاناة الشعب السوري”. ثم اتبعت بعد ذلك استراتيجية عسكرية لتدفع الأموال لأعداد كبيرة من المقاتلين المسلحين في جنوب سوريا مع تفاقم النزاع مرة أخرى، بعد فشل مفاوضات السلام في شباط/ فبراير 2014.
سيارة عسكرية روسية تسير في مدينة القامشلي، سوريا، 24 تشرين الأول/ أكتوبر.
مع ذلك، تجنبت أبوظبي الطوائف الإسلامية، ووحدت مجموعاتها المفضلة تحت قيادة الجبهة الجنوبية التي تضم أكثر من 30 ألف مقاتل متصلين بمركز العمليات العسكرية في الأردن. وقد استخدمت هذه القوات لموازنة القوى الإسلامية، على غرار الإخوان المسلمين والفصائل المتشددة مثل أحرار الشام. وبيّن هذا اختلافها الأصلي عن السعودية التي دعمت أحرار الشام.
على عكس الرياض، لم تدعم أبوظبي المعارضين بقصد الإطاحة بالأسد بل لمواجهة تركيا وقطر بالأساس، بينما تستبعد الفصائل الإسلامية. وقد سعت الإمارات للسيطرة على قوات المعارضة الجنوبية لإنهاء الكفاح المسلح ضد الحكومة السورية، مع توجيه النفوذ بعيدًا عن منافسيها. بعد التدخل العسكري الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015 لإعادة تأمين سيطرة الأسد على سوريا وهزيمة قوات المعارضة، تكيفت الإمارات بشكل أكبر ساعية إلى تعزيز العلاقات مع موسكو. حتى أن وزير الخارجية الإماراتي ندد بعملية إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 واعتبره “عملا إرهابيا”.
مواجهة أنقرة والدوحة
على الرغم من أن موسكو تعرضت لانتقادات لاستعمالها حق النقض المتكرر لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا، إلا أن الإمارات رحبت بالعكس بدور روسيا مُتخلية في نفس الوقت عن مساعدتها للمعارضة الجنوبية – الأمر الذي أنهى بشكل فعلي المقاومة هناك.
حيال هذا الشأن، أعربت الإمارات عن أملها في أن تضغط روسيا على حليفتها إيران حتى تحد من وجودها في سوريا. وبما أن روسيا لم تفعل ذلك، وجّهت الإمارات تركيزها نحو شمال سوريا من خلال دعم قوات البشمركة الكردية، أي حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، المصنفة من قبل أنقرة منظمةً إرهابية نظرًا لعلاقاتها مع حزب العمال الكردستاني المحظور. وقد ازداد هذا الدعم مع قيام تركيا بشن عمليات عسكرية ضد وحدات حماية الشعب.
ستستمر أبوظبي في دعم الأسد لأنها تعتبر وجوده أكبر عائق ضد تنامي النفوذ التركي
في الوقت الراهن، تعطي أبوظبي الأولوية لمواجهة أنقرة والدوحة على طهران، خاصة بعد أن قرّبت أزمة الخليج سنة 2017 بين تركيا وقطر. وأصبحت الإمارات الآن تُعوّل على إنشاء علاقة دبلوماسية أكبر مع إيران. إلى جانب روسيا، دعمت الإمارات هجوم الجنرال خليفة حفتر على طرابلس منذ نيسان/ أبريل 2019. وتسعى أبوظبي حاليًا إلى ضمان سيطرة حفتر على البلد بأكمله، أو على الأقل على الجزء الأكبر منه، معطلّة في نفس الوقت الانتقال الديمقراطي في هذا البلد. وقد هدد التدخل العسكري التركي الداعم لحكومة الوفاق الوطني المنافسة في كانون الثاني/ يناير، مصالح الإمارات في ليبيا.
محور مناهض لتركيا
أظهر الأسد وحفتر بشكل ملحوظ علاقة ودية بينهما معتبرين بذلك تركيا عدوًا مشتركًا. وفي أوائل آذار/ مارس، تبادل الرجلان البعثات الدبلوماسية وقد التقى الوفد وزير الخارجية السوري وليد المعلم باعتباره تمثيلا دبلوماسيا لحفتر.
في الوقت الذي تقوم فيه الإمارات بتوطيد علاقاتها مع موسكو، فإنها تسعى في نهاية المطاف إلى إقحام هذه الجهة الفاعلة في محور مناهض لتركيا. لكن التعاون التركي والروسي بشأن سوريا يشكل حاجزًا أمام المصالح الإماراتية، خاصة أن بوتين يعمل مع أنقرة محافظا في نفس الوقت على توازن العلاقات التي تجمع موسكو بكل من الأسد وأردوغان. وقد ظهر سيناريو مشابه في ليبيا بعد أن اتفقت موسكو وأنقرة على وقف إطلاق النار في كانون الثاني/ يناير. فكيف ستكون ردة فعل الإمارات تجاه هذه العقبة الأخيرة؟
سرعان ما تأقلمت الإمارات مع سياسة الولايات المتحدة الغامضة تجاه سوريا. فبعد أن أعلنت واشنطن انسحاب قواتها من سوريا خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2019، ما دفع تركيا إلى التقدم نحو شمال شرق سوريا، سارعت أبوظبي نحو أحضان روسيا وسوريا باعتبارهما حلفاء رئيسيين لها.
ستستمر أبوظبي في دعم الأسد لأنها تعتبر وجوده أكبر عائق ضد تنامي النفوذ التركي، لاسيما بعد أن أصبحت إدلب النقطة الساخنة للصراع السوري. في هذا السياق، صرّح العديد من النشطاء السوريين خلال حوار أجروه مع موقع “ميدل إيست آي” بأن “اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب الذي كان بوساطة روسية تركية قيّد نفوذ أنقرة في سوريا، حتى أنه أجبر أنقرة على الاعتراف بقوات سوريا الديمقراطية كشرط للدعم العسكري الإضافي من قبل واشنطن”.
من الواضح أن الإمارات العربية المتحدة اضطلعت بدور مرن من أجل تعظيم نفوذها في سوريا
عدو مشترك
في حين أن أبوظبي قد تستمر في دعم حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب باعتبار أنهما يمثلان “حاجزا” مناهضا لتركيا في شمال شرق سوريا، فإن ذلك سيصبح أقل أهمية بينما توجه تركيا أنظارها بعيدًا عن هذه المنطقة. بدلاً من ذلك، تبدو الإمارات العربية المتحدة مهيأة لإعطاء الأولوية لتعزيز قوة الأسد.
من شأن أي تدهور إضافي للعلاقات بين تركيا وروسيا أن يخدم مصالح الإمارات، مما يمنحها فرصة لإضفاء الشرعية على النظام السوري على الساحة الدولية، بينما تتحدى تركيا على المستوى الإقليمي. ومن المحتمل أن تستمر الإمارات في دفع موسكو لاعتبار أنقرة عدوًا مشتركًا بالنسبة لكليهما.
من الواضح أن الإمارات العربية المتحدة اضطلعت بدور مرن من أجل تعظيم نفوذها في سوريا، التي تعد بمثابة منصّة رئيسية لطموحات أبوظبي لبسط نفوذها الإقليمي. وعلى الرغم من تقديم جهودها على أنها ذات طابع إنساني بحت، إلا أنه من الواضح أن أولوية الإمارات العربية المتحدة ليست مساعدة الشعب السوري.
المصدر: ميدل إيست آي