تكليف الكاظمي.. بين التوافق وكسر الإرادات

يواجه أي مرشح لرئاسة الوزراء في العراق مجموعة من الحواجز والعقبات والتوافقات للوصول إلى مرحلة التكليف، قبل نيل الثقة في مجلس النواب، فأولى المراحل هي التوافق داخل البيت الشيعي الذي يعبر عن مصالح شخصية وحزبية واعتبارات خاصة بالخط الأول من القيادات السياسية التي لا تقبل المنافسة وصعود شخصيات جديدة إلى الواجهة، ناهيك عن رضا المرجعية الدينية المباشر أو غير المباشر.
التوافق الإيراني الأمريكي يعد من أهم بطاقات التمرير التي لا بد أن يحصل عليها المرشح، فمنذ 2005 تتوافق واشنطن وطهران على شخصية محددة تكون مقبولة أمريكيًا وموالية لإيران بشكل أو بآخر، وقد حصل عدم اتفاق في تولي عادل عبد المهدي بعد انتخابات 2018، مما أدى للإخلال بهذا التوافق وعدم استمراره في منصبه ولم يحصل على المساندة الأمريكية بما يكفي واستقال على وقع التظاهرات، لعدم إمساك عصا التوازن من المنتصف ومال إلى الطرف الإيراني بالضد من الأمريكي.
واكبت فترتا المكلفين توفيق علاوي وعدنان الزرفي، مرحلة التصعيد الأمريكي الإيراني وعدم التوافق منذ اغتيال سليماني، ما أدى إلى اعتراض حلفاء واشنطن على الأول واعتراض حلفاء إيران على الثاني، إلا أن هناك انفراجة على ما يبدو في مرحلة تكليف مصطفى الكاظمي بعد ترحيب واشنطن وطهران بتكليفه مع توافق معظم القوى الرئيسية داخل البيت الشيعي، وتأييد ومقبولية من القوى الكردية والسنية.
إن المرحلة الأخيرة من الحواجز التي تعترض المكلف قبل مرحلة نيل الثقة وتمريره في البرلمان هي الحصص من كعكة السلطة وتقاسم الوزارات والمناصب بين الكتل والأحزاب وفق ما يسمى “الاستحقاق الانتخابي” لكل قوة من القوى الفائزة التي تعتبر ممثلة عن المكون، ومن هي هذه القوى التي سيعتبرها الفريق التفاوضي للمكلف الممثل الحقيقي عن مكونها لتنال المكاسب، وهذه المرحلة لا تخلو من المساومات وكسر الإرادات والخلافات على توزيع المكاسب، التي تفكك أقوى الكتل المكوناتية والحزبية وتطيح بأكثر المكلفين مقبولية.
“إن ما ذُكر، ينقسم بين ما هو دستوري وما هو عرفي، ويمارس في العملية السياسية بشكل مستمر ولا يمكن تجاوزه، وقد أصبحت هذه الأعراف من الأمور الضرورية الأهم حتى من الدستور، وقد ثبت انتهاك الدستور ومدده المحددة لكن لا يقبل أي طرف انتهاك العرف السياسي”.
ينظر حلفاء إيران إلى اعتذارعدنان الزرفي وتكليف مصطفى الكاظمي على أنه انتصار على رئيس الجمهورية وكسر لإرادته، لأنه كلف الزرفي دون ترشيحه من الكتل الرئيسية داخل البيت الشيعي، ما اعتبروه تجاوزًا على العرف، رغم أن الكاظمي رشحه رئيس الجمهورية أيضًا ويحمل توجهًا قريبًا من عدنان الزرفي الذي رفضوه وأطلقوا الصواريخ على المربع الرئاسي ليلة تكليفه.
إن إصرار الزرفي على المضي بحكومته إلى البرلمان لنيل الثقة وتأكيده عدم الاعتذار حتى آخر لحظة، عبد الطريق للكاظمي لدى الأطراف المختلفة، خاصة أن الأطراف المؤيدة للزرفي تبلورت لديها قناعة من أن الكتل الرافضة ترغب بالاطاحة بالزرفي عن طريق ترشيح الكاظمي لكسب الوقت، ما دفع الكاظمي لطلب تواقيع قادة الكتل بتأييده قبل اعتذار الزرفي وهو ما وضعهم في مسار دعمه الإجباري والرضا به رغم رفضه في فترة سابقة واتهامه بالميول الأمريكية.
أخيرًا، إن الجهة الوحيدة المعارضة بوضوح لمصطفى الكاظمي هي الميليشيات الولائية التي ترى في تكليفه خيانةً لدماء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، فقد سبق واتهمته بالتعاون مع واشنطن في اغتيالهما، فالإيمان بالحد الأدنى من فكرة الدولة التي يحملها الكاظمي تقلق الميليشيات لأنها تعمل في ظل غياب الدولة وأي خطوة لحصر السلاح بيد الدولة ستخلق صدامًا بينها وبين الأجهزة الأمنية الرسمية، لكن يميل الكاظمي لحل المسائل سلميًا ولا يميل إلى الصدام كالمكلف السابق عدنان الزرفي، لذلك رفضته القوى السياسية وقبلت الكاظمي على مضض بعد تقبله إيرانيًا.