شهد الاقتصاد السوري بعد الاستقلال عن فرنسا نموًا سريعًا وملحوظًا، وبالتوازي مع بناء النظام الديمقراطي كان العمل جاريًا على إنشاء اقتصاد حر لبناء البلاد ونهضتها، فسوريا وخلال فترة الانتداب الفرنسي عانت من أزمات اقتصادية كبيرة، ولعل من أكبر الأزمات التي مرت عليها الأزمة الخانقة نتيجة الحرب العالمية الثانية وتوقف الاستيراد.
توقف الاستيراد جعل سوريا تستند إلى بدائل محلية، فتعززت فيها الصناعة والزراعة، في الوقت الذي ساهم إنفاق جيوش الحلفاء المال على البضائع والخدمات لتموين قواتهم وعناصرهم الموجودة في سوريا، باستثمارهم في البنى التحتية لخدمة مجهودهم العسكري، هذا كله كان بعد عام 1941، وجاء بالفائدة على سوريا بشكل كبير، كما جاء في كتاب تطور المجتمع السوري لكاتبه نشوان الأتاسي.
كانت الفترة التي تلت الاستقلال مفصلية لبناء اقتصاد حر ومستقل للبلاد، يكون غير مرتبط بالخارج، وكانت المحاولات لتسخير مجهود البلاد وخيراتها للبناء والتنمية والنهوض بها، كما أن سوريا أنجبت عقولًا اقتصاديةً كبيرةً حاولت جاهدةً العمل لخدمة البلاد والشعب الخارج حديثًا من حروب عدّة ويحاول بناء جمهوريته ودولته المستقلة، وكانت السنوات التي تلت فترة الجلاء الفرنسي زاخمةً بالأحداث والتطورات فما تلبث تحاول الوقوف إلا وتتعثر بالأحداث السياسية المتلاحقة.
في هذا التقرير نحاول قدر الإمكان تسليط الضوء على الحالة الاقتصادية التي مرت بها سوريا في سنوات ما بعد الاستقلال حتى انقلاب البعث واستيلائه على كل شيء من مقدرات البلاد.
الدخل الوطني
بعد النمو الذي شهدته سوريا عقب الاستقلال ازداد الدخل الوطني من 488 مليون دولار عام 1953 إلى 632 مليون دولار عام 1957 بمعدل نمو سنوي وسطي 4.7، وتفيد الإحصاءات أن نصيب الفرد من الدخل الوطني عام 1950 كان 102 دولار، ليرتفع إلى 134 دولارًا عام 1953 ومن ثم ازداد حتى 152 دولارًا عام 1957 بمعدل سنوي وسطي 4.3%.
تصدرت سوريا البلدان في منطقة الشرق الأوسط في تلك الفترة من حيث مستوى المعيشة، وكان قطاع الزراعة يعتبر اللبنة الأساسية في تكوين الدخل الوطني حينها بنحو 44% في معظم سنوات الخمسينيات.
حل قطاع التجارة والمالية ثانيًا بعد الزراعة في تكوين الدخل الوطني بنسبة 16% في منتصف الخمسينيات، في الوقت الذي احتل قطاع الصناعة التحويلية المرتبة الثالثة بنسبة 7.15%، وبالنسبة لقطاع المواصلات فكان رابعًا والإنشاءات تحل بعده، وأيضًا ساهمت القطاعات الخدمية في ذات المدخول الوطني وكل الحديث عن سنوات الخمسينيات بتفاوت بين ترتيب الأعوام.
وبحسب نشوان الأتاسي في كتابه تطور المجتمع السوري، فإن الانقلابات المتتالية والوضع السياسي غير المستقر لم تلق بظلالها على الوضع الاقتصادي، بل كان النمو الاقتصادي في ازدياد وكان التوسع في الاستثمار بالبنى التحتية مستمرًا، بحكم أن أيًا من الحكومات العسكرية المتعاقبة لم يكن في برنامجها طرح أي بديل اقتصادي، وكان يوجد اطمئنان بين الاقتصاديين السوريين إلى أن الحياة الديمقراطية ستعود بعد كل انقلاب ولن يحدث أي تبدلات أساسية تضر بعملهم وصناعتهم وتجارتهم.
الاقتصاد زمن الوحدة
دخلت الأفكار الاشتراكية إلى سوريا مع دخول عهد الوحدة مع مصر، ودخل مع الوحدة أيضًا مفهوم سيطرة الدولة على الاقتصاد، وكان عصر جمال عبد الناصر عهد التأميم الذي غير الواقع الاقتصادي والمعاشي للسوريين، وبحسب المحللين والخبراء فإن تلك المرحلة تعد أولى خطوات تخريب الاقتصاد السوري، وربما كان كتاب “عبد الناصر والتأميم/ وقائع الانقلاب الاقتصادي في سورية” لمؤلفه سامي مبيض يوثق تلك النظرية.
يقول المبيض في مصنفه هذا: “استقلال سورية كان أشبه بالمستحيل لولا الأموال التي ضخت بشرايين الحركة الوطنية، بشقيها السياسي والعسكري، وأن البرجوازية السورية، أدت دورًا محوريًا في جلاء قوات الاحتلال عن سورية عام 1946 وهؤلاء نحتوا في الصخر لكي يشيدوا مصانع كانت مفخرة، لكن المصانع تحولت بشطبة قلم إلى سراب”، ويقصد بذلك التأميم الذي قام به عبد الناصر.
لا يغفل المبيض أن ذلك التأميم كان مبهجًا لطبقات العمال والفلاحين، لكن سرعان ما بدأ مؤيدو عبد الناصر يفقدون ثقتهم به بعد ما رأوه من تراجع في المعيشة، وطغيان للعنصر المصري على السوري في المناحي كافة، وبهذا السياق فقد خلق عبد الناصر حينها نظرة عدائية من المواطن السوري تجاه المصري، لأن الامتيازات التي أعطيت للأعمال المصرية لم تكن لتعطى لنظيرتها السورية.
قرار التأميم عزل سوريا عن دول المنطقة بعد أن كانت رائدة، كما أن المنتجات السورية فقدت أسواقها الكبرى في لبنان والأردن والعراق والسعودية، ويروي المبيض “كيف احتكرت مصر تصدير أهم المحاصيل السورية كالحبوب والقطن، وفرض رسم 7% على المنتجات السورية المتجهة إلى مصر وأعفيت المنتجات المصرية من أي ضريبة مماثلة، ومنعت المصارف السورية من العمل في القاهرة، وكذلك الخطوط الجوية السورية”.
يوافق ما كتبه نشوان الأتاسي صفحات المبيض في أن تأثير القرارات الخاطئة في عهد الوحدة امتد إلى سائر قطاعات الاقتصاد السوري كما أنه أثر على قطاعات النقد والمال، وتقلص إنتاج التعاونيات الزراعية التي نشأت بمساهمة التجار ومالكي الأراضي في منطقة الجزيرة السورية، وكان الميزان التجاري السوري يعتمد عليها بشكل كبير.
يقول الأتاسي في كتابه: “لقد كان التشخيص المصري لاقتصاد دولة الوحدة على درجة كبيرة من السطحية وانطلق من عدم إدراك تام بأن فرص التكامل بين البلدين كانت شبه معدومة، لأن الاقتصاد المصري كان مركزيًا ويتطور باتجاه خاص به، فيما كان الاقتصاد السوري يشبه كثيرًا الاقتصاد اللبناني من حيث انتشار المبادرات الفردية والنمط الليبرالي وسطوة رجال الأعمال”.
حاول المصرف المركزي المصري سحب احتياطات الذهب والعملات الصعبة من نظيره السوري، والعمل على توحيد الجنيه الذي كان ضعيفًا بالليرة السورية القوية، الأمر الذي جعل العديد من رجال الأعمال السوريين يهربون أموالهم، كما أن الكثير من رجال الأعمال تركوا البلاد ليأسسوا أعمالهم في الدول التي رحلوا إليها، فضلًا عن أن دولة الوحدة عينت العسكريين المبعدين عن الجيش لأسباب سياسية بمناصب إدارية في المصانع والشركات دون أي خبرة أو معرفة بتلك الشؤون، لتزيد معدلات الإفلاس وتتدهور الشركات وتتوقف عشرات المشاريع الاقتصادية التي كانت قيد التنفيذ، وفقًا للأتاسي.
الزراعة.. الركيزة الأساسية
لا غرابة بأن آلاف السوريين تركوا مدنهم واتجهوا نحو الريف بعد سنة 1941، فقد كان القطاع الزراعي في تحسن، كما أن أسعار القمح والأغذية زادت 12 ضعفًا، وهو الأمر الذي زاد الأرباح والثروة للفلاحين وأصحاب الأراضي، وبعد ذلك بدأ استصلاح الأراضي يزيد وتكبر الرقعة المزروعة، الأمر الذي جعل الحكومة تسمح باستيراد الجرارات الزراعية والمعدات، وذلك أثر إيجابًا على النمو الإنتاجي الزراعي.
كانت سوريا في الأربعينيات وحتى منتصف الخمسينيات رائدة العمل الزراعي العربي وتعتبر أول دولة عملت بمكننة العمل الزراعي، ويذكر نشوان الأتاسي أن “نمو الزراعة فاق نسبة زيادة السكان”، حتى إن القطاع الزراعي غدا مؤشرًا مهمًا على أي اتجاه اقتصادي ستنحو سوريا به في المستقبل، هذا التطور الزراعي ساهم بتطوير الشبكة الطرقية، كون المناطق المزروعة بعيدة عن مراكز المدن، فقد شقت الطرق واستقدمت وسائل النقل الحديثة، وفقًا للأتاسي.
يقول الأتاسي: “زادت مساحات القطن ثلاثة أضعاف واستفادت سوريا من المحصول الوافر في التصدير وفي تنشيط صناعة النسيج والألبسة، وقد شجعت هذه النهضة الزراعية على الاستثمار في معدات وأجهزة الري الحديث”، وهذه المعدات والأجهزة وضعت على ضفاف الفرات والخابور في منطقة الجزيرة السورية، الأمر الذي جعل تلك المنطقة تتطور ويزيد عدد سكانها بنسبة 50%.
لكن هذا كله تراجع في عهد الوحدة بين سوريا ومصر، فسوريا كانت قد وقعت مع الاتحاد السوفييتي عقودًا لاستصلاح الأراضي وتجفيف المستنقعات وتوفير مياه الري، كما أنها وقعت أيضًا على مشاريع اقتصادية في المجال الزراعي مثل مشروع الغاب وبناء السدود على نهر الفرات، إلا أن عبد الناصر ألغى تلك المشاريع ووقع بناء سد الفرات مع ألمانيا الغربية، الذي بدوره تعطل أيضًا مع انتهاء الوحدة.
كان القلق يساور السوريين من أن مصر تسعى لتنفيذ المشاريع الزراعية وإصلاح الأراضي لتوطين مليوني فلاح مصري، كما يذكر كتاب تطور المجتمع السوري، وكان العمل جاريًا على جعل سوريا بلدًا زراعيًا فقط، ما أثار غضب الصناعيين السوريين، الأمر المجحف بحق سوريا وقدراتها الاقتصادية.
كانت بلدان كلبنان وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، تعتبر سوقًا للبضائع السورية، وفي أواخر الخمسينيات أصبحت دول الاتحاد السوفيتي من بين الدول التي تستورد المنتجات من سوريا
النهضة الصناعية
يتحدث نشوان الأتاسي في كتابه تطور المجتمع السوري، عن تأثير ارتفاع سعر القطن الأمريكي في خمسينيات القرن الماضي إيجابيًا على صناعة النسيج والألبسة السورية، حيث زادت المساحة المزروعة من القطن 3 أضعاف، وبشكل عام شهد القطاع الصناعي تطورًا بشكل ملحوظ، وفي السياق شكل الحرفيون وأصحاب الصناعات اليدوية نسبة كبيرة من الصناعة السورية، إلا أنها كانت تتضاءل شيئًا فشيئًا نتيجة لافتتاح المصانع ودخول الماكينات.
تضررت صناعة النسيج في ذلك الوقت نتيجةً للوحدة الجمركية بين لبنان وسوريا واتباع نظام الاقتصاد الحر، الأمر الذي جعل الصناعيين السوريين يضغطون على الحكومة التي عملت بدورها على “لجم الاقتصاد الحر”، حسب تعبير الأتاسي، وعلى إثر ذلك ارتاحت الصناعة السورية نسبيًا مع وجود تطور ضعيف، وأصبحت سوريا تصدر للدول العربية.
ازداد دخل الصناعة في سوريا بين عامي 1953 و1957، بنسبة 25%، وشكلت الصادرات من المواد المصنعة، وخاصة المواد النسيجية 15% من الصادرات السورية عام 1953 وكان قطاع الغزل والنسيج إلى جانب الصناعات الغذائية والإسمنت والزجاج. وازداد عدد الشركات الصناعية من 5 شركات عام 1945 إلى 24 شركة عام 1950 ليرتفع العدد إلى 46 عام 1956، وكانت الشركات عائلية ونفذت سياسة صناعية حكومية تعتمد على الحماية والدعم والتشجيع.
صادرات وواردات
قبل الانفصال الجمركي بين سوريا ولبنان ازدادت صادرات البلدين عام 1945 وعام 1949 بمعدل نمو 38% واستمرت الصادرات السورية بالازدياد بعد الانفصال الجمركي بين البلدين، لتتصاعد الزيادة عام 1951 وحتى عام 1957 بمعدل نمو 16%، وكانت أهم صادرات البلاد في تلك الفترة تعتمد على المنتجات الزراعية، النباتية والحيوانية والمواد النسيجية والصناعات الغذائية.
كانت بلدان كلبنان وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، تعتبر سوقًا للبضائع السورية، وفي أواخر الخمسينيات أصبحت دول الاتحاد السوفيتي من بين الدول التي تستورد المنتجات من سوريا، أما بالنسبة للاستيراد فقد كان يزداد قبل الانفصال الجمركي بين سوريا ولبنان إلى معدل وسطي 73%، وبعد الانفصال ظلت الواردات في سوريا تتصاعد حتى عام 1956وكانت سوريا تستورد في معظم سنوات الخمسينيات: الآلات والأجهزة ثم المعادن والسيارات ثم الأجهزة الكهربائية. وظل الميزان التجاري خاسرًا طيلة الفترة، منذ الاستقلال حتى أواخر الخمسينيات، وسيطرت على التجارة الخارجية مجموعة من العائلات الغنية كما كان الحال في كل قطاع، وبعضها كان يعمل في الصناعة إلى جانب التجارة.
بدأ تدمير بذور النهضة الاقتصادية على يد حفنة من العسكريين البعثيين بتشكيل 9 حكومات ما بين 1963 إلى عام 1970 وتم خلالها عسكرة الاقتصاد عن طريق قرارات التأميم التي بدأت مع الوحدة
العملة السورية
خلال فترة الاستقلال في سوريا تم إصدار عملة ورقية من الفئات الصغيرة 5 – 10 – 25 – 50 قرشًا تحمل اسم “الجمهورية السورية” بقيت في التداول حتى عام 1949، وبعد الاستقلال وفي عام 1953 تم إصدار أوراق نقدية حتى عام 1955، كما تقرر إنشاء مصرف سوريا المركزي عام 1953، ويحق لهذا المصرف إصدار النقد السوري وتسمية حاكم المصرف ومديره وإحداث مجلس للنقد والتسليف بالتعاون مع مصرف بلجيكا الوطني بخبرائه ومستشاريه تحت إدارة مصرف سورية المركزي ومراقبة المصارف وتوجيه فعالياتها لتصل إلى صورتها النهائية، استقل المصرف بأحكامه وقراراته كاستعمال شعار الدولة وتوقيع وزير المال وحاكم المصرف على النقد الورقي، كما مارس صلاحياته بتحديد شكل العملة الورقية ولونها ورسومها وقياساتها وطريقة طرحها للتداول في عام 1957 لفئات مختلفة.
بعد هذا السرد السريع وتسليط الضوء على الحالة الاقتصادية في سوريا زمن الاستقلال حتى انقلاب البعث، توجهنا إلى الدكتور أسامة القاضي رئيس مجموعة اقتصاد سوريا، لنسأله عن تلك الحقبة والسمات التي طغت على الاقتصاد السوري، وكيف تطور الاقتصاد وكيف أثرت الوحدة على ذلك الشأن، فيجيب الدكتور القاضي: “نضوج نهج اقتصادي لدولة ما مرهون باستقرارها السياسي وهذا ما لم يتح لسوريا منذ الاستقلال، حيث تم تشكيل 22 حكومة ما بين 1945 إلى عام 1958 وبعدها جاءت الوحدة ومن ثم الانفصال وبعدها البعث فعبث بنهضة سوريا الاقتصادية، ولكن النهج الاقتصادي السوري كان ليبراليًا اقتصاديًا يُؤْمِن بحرية الأسواق من نوع الرأسمالي الرحيم بأهله”.
يتحدث القاضي أيضًا عن الطبقة الوسطى التي كانت هي “الغالبة على المجتمع السوري التي ساهمت في نهضة سوريا إلى أن تتابعت قرارات التأميم الكريهة منذ زمن الوحدة، ذلك العهد الذي وضع رجل مخابرات عبد الحميد السراج على رأس الحكومة في 20 من سبتمبر/أيلول 1960، وما بين1961 إلى 1970 تشكلت 14 حكومة منها مرتين على يد أمين الحافظ أغبى شخصية عسكرية وأكثرها شراسة”.
لقد عبث العسكر والإيديولوجيات الدوغمائية التي تؤمن بعبادة الأشخاص على حساب النهضة الاقتصادية الوطنية ولا يمكن أن يقوم للاقتصاد السوري قائمة بعد أن تنقشع غمة الحرب في سوريا وبعد الوصول لحل سياسي إلا بحكومة تكنوقراط
بحسب القاضي: “بدأ تدمير بذور النهضة الاقتصادية على يد حفنة من العسكريين البعثيين بتشكيل 9 حكومات ما بين 1963 إلى عام 1970 وتم خلالها عسكرة الاقتصاد عن طريق قرارات التأميم التي بدأت مع الوحدة مثل قرار117 لعام 1961 ومن ثم توالت الضربات المميتة للاقتصاد السوري على يد انقلابين بعثيين واحد في 8 من مارس/آذار 1963 المشؤوم وتتالت قرارات التأميم والبلاهة الاقتصادية والفشل الإداري على يد أمين الحافظ مثل قرار التأميم في 4 من مارس/آذار 1965 حيث كان أمين الحافظ واجهة الجناح العسكري للبعث ثم تلاه انقلاب 17 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1970 على يد حافظ الأسد”.
مع انقلاب الأسد تم دخول نهج التحول الاشتراكي الذي استكمل تدمير الاقتصاد السوري ونفر المستثمرون الوطنيون قبل الأجانب وباتت تدار عجلة الاقتصاد بطريقة عبثية سخيفة عسكرية وخرج الاقتصاد من ثوبه المتمدن الراقي الذي كانت فيه بذور نهضة صناعية وتجارية قل مثيلها في الشرق الأوسط وسبقت النمور الآسيوية في نهضتها، فلقد كان ناتج الدخل القومي لسنغافورة 1962 أقل من مليار دولار وهو أقل من سوريا في نفس العام (1.2 مليار دولار)، وقريب من ماليزيا ملياري دولار، وبينما وصل ناتج دخل ماليزيا عام 2011، 259 مليار دولار وسنغافورة 250 مليار ولم يتجاوز ناتج الدخل القومي السوري 60 مليار عام 2011 قبل الثورة، وفقًا للقاضي.
أخيرًا وبحسب القاضي أيضًا: لقد عبث العسكر والإيديولوجيات الدوغمائية التي تؤمن بعبادة الأشخاص على حساب النهضة الاقتصادية الوطنية ولا يمكن أن يقوم للاقتصاد السوري قائمة بعد أن تنقشع غمة الحرب في سوريا وبعد الوصول لحل سياسي إلا بحكومة تكنوقراط تعيد وضع الاقتصاد على السكة الحقيقية بعيدًا عن التحزبات والعسكر، فقد أضاع السوريون 70 عامًا فوتوا فيها فرصًا عظيمة كان يمكن أن تسهل تموضع سوريا في مكان أفضل من أي دولة من دول النمور الآسيوية أو الدول الناهضة.
اليوم، في شهر يوينو/ حزيران 2020، يحلم السوريون أن تستعيد بلادهم بعض نهضتها ونمو الاقتصادي الذي تلا فترة الاستقلال، فيما يرزحون هم تحت نير الفقر وسط انهيار ساحق لليرة السورية التي وصل سعر صرفها أمام الدولار إلى 3800 ليرة، في أخطر انخفاض في تاريخها، مع توقعات بتراجع أكبر في الأيام والأشهر المقبلة.