ترجمة وتحرير نون بوست
منذ فترة طويلة تسببت فيروسات كورونا في مشكلات كبيرة للبشرية، وبينما تسبب عدة نسخ منها أعراض برد شائعة، فقد تفشى نوعان مؤخرًا كان لهما أعراض مميتة: متلازمة الجهاز التنفسي الحادة “سارس” ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس”.
لكن تأثيرهما يعد متوسطًا مقارنة بالأزمة العالمية التي سببها آخر نسخة من الفيروس “كوفيد-19″، ففي خلال عدة أشهر قليلة تسبب الفيروس في إغلاق عشرات الدول وأودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص وما زال مستمرًا في الانتشار.
إنه إنجاز استثنائي لكرة جينية صغيرة مغطاة بمواد كيميائية دهنية يبلغ قطرها 80 مليار جزء من المتر، لقد تأثرت البشرية كثيرًا بسبب مهاجم وضيع للغاية.
من ناحية أخرى فإن معرفتنا بفيروس “Sars-CoV-2” المسبب لكوفيد-19 أصبحت بارزة، فهذا الكائن الصغير الذي لم يكن معروفًا للعلماء قبل 5 أشهر، أصبح اليوم مادة للدراسة بشكل غير مسبوق، لقد انتشرت مشاريع صنع لقاح وتجارب لأدوية مضادة للفيروس، كما أظهرت اختبارات تشخيصية جديدة.
والسؤال الآن: ما الذي تعلمناه خلال الـ5 أشهر الماضية؟ وكيف يمكن أن تضع هذه المعرفة نهاية للجائحة؟
من أين جاء الفيرس؟ وكيف أصاب البشر لأول مرة؟
اكتشف العلماء بشكل شبه مؤكد أن الفيروس نشأ في الخفافيش لأول مرة، مما أدى إلى استجابات مناعية شرسة ضد الفيروس، هذه الدفاعات دفعت الفيروس للانتشار بشكل أسرع ليتجاوز مناعة الخفافيش.
أدى ذلك بدوره إلى أن يصبح الخفاش مخزنًا للفيروسات سريعة التكاثر، عندما انتقل الفيروس إلى الثدييات الأخرى التي تفتقر لجهاز مناعي ذي استجابة سريعة، انتشر بشكل كبير، وتشير معظم الأدلة إلى أنه بدأ في إصابة البشر عن طريق حيوان آكل النمل القشري.
يقول عالم الفيروسات إدوارد هولمز من جامعة سيدني: “يبدو أن الفيروس انتقل من الخفاش لحيوان آخر الذي صادف أنه كان قريبًا من البشر ربما في أحد الأسواق، وبالتالي إذا أصيب حيوان بري بفيروس انتقل له من خفاش ثم تفاعلنا نحن معه فهناك فرصة كبيرة لانتقال الفيروس للشخص الذي يتعامل مع هذا الحيوان، هذا الشخص سيذهب إلى المنزل وينشر المرض لأشخاص آخرين وهكذا يتفشى المرض”.
تنتشر عدوى كوفيد-19 عند خروج قطرات ماء محملة بالفيروس من الشخص المريض عن طريق السعال والعطس.
كيف ينتشر الفيروس؟ وكيف يؤثر على الناس؟
عندما يستنشق الآخرون الجسيمات المحملة بالفيروس تتلامس مع خلايا الحلق والحنجرة، هذه الخلايا تضم عددًا ضخمًا من المستقبلات على سطحها التي تلعب دورًا كبيرًا في نقل المواد الكيميائية للخلايا وتحفيز الإشارات بين الخلايا.
عادة ما تستطيع الأجسام المضادة التي يولدها الجهاز المناعي للجسم استهداف الفيروس وإيقاف تقدمه
يقول عالم الفيروسات البروفيسور جوناثان بول في جامعة نوتينغهام: “يمتلك الفيروس سطحًا بروتينيًا معدًا لإغلاق هذا المستقبل وإدخال حمضه النووي الريبي للخلية”، يدخل الحمض النووي الريبي نفسه في آلة نسخ الخلية ليصنع من نفسه عدة نسخ، التي تزداد حتى تخرج من الخلية وتنشر العدوى، عادة ما تستطيع الأجسام المضادة التي يولدها الجهاز المناعي للجسم استهداف الفيروس وإيقاف تقدمه.
يضيف بول “تعد عدوى كوفيد-19 خفيفة بشكل عام وهذا سر نجاح الفيروس، فالكثير من الناس لا يلاحظون أنهم أصيبوا بالعدوى ويذهبون إلى عملهم ومنازلهم والأسواق وينشرون العدوى”، على النقيض منذ ذلك نجد أن فيروس سارس يسبب المرض الشديد ويقتل 1 من كل 10 مصابين، وفي أغلب الحالات يجب نقل المريض للمستشفى للعلاج وبالتالي يتوقف انتشار المرض.
لماذا يسبب الفيروس الموت في بعض الأحيان؟
في بعض الأحيان قد يسبب الفيروس مشكلات خطيرة، يحدث ذلك عندما ينتقل أسفل الجهاز التنفسي ويصيب الرئتين، حيث تنتشر المستقبلات بشكل مكثف، فتتعرض بعض الخلايا للتدمير وتصبح الرئة ممتلئة بالخلايا المكسورة، وفي تلك الحالة يحتاج المريض للعلاج في العناية المركزة.
الأسوأ من ذلك أنه في بعض الحالات يزداد نشاط الجهاز المناعي للشخص، فيجذب الخلايا للرئتين من أجل مهاجمة الفيروس مما يتسبب في الالتهابات، وقد تخرج هذه العملية عن السيطرة وتتدفق المزيد من الخلايا المناعية فتزداد العدوى سوءًا، يُعرف ذلك بعاصفة السيتوكين.
لكن سبب حدوث تلك العاصفة لبعض الناس دونًا عن الغالبية ليس واضحًا، هناك احتمالية أن بعض الناس يملكون نسخًا من المستقبلات تكون أكثر عرضة للهجوم الفيروسي عن الآخرين.
هل نحصل على حماية مدى الحياة إذا أصبنا بالعدوى؟
عندما فحص الأطباء المرضى المتعافين من كوفيد-19 وجدوا أن لديهم مستوى عاليًا من الأجسام المناعية المحايدة في دمهم، هذه الأجسام المناعية صنعها الجهاز المناعي حيث تغطي الفيروسات المهاجمة عند نقطة معينة وتشل قدرتها على اختراق الخلايا.
يقول عالم الفيروسات مايك سكينر في جامعة إمبيرال كوليدج لندن: “من الواضح أن هذه الاستجابة المناعية ركبها الجسم ضد كوفيد-19 في الأشخاص المرضى، هذه الأجسام المضادة ستوفر حماية ضد العدوى في المستقبل لكنها قد لا تدوم مدى الحياة”.
بدلًا من ذلك يعتقد معظم علماء الفيروسات أن هذه المناعة ستدوم لمدة عام أو اثنين فقط، يقول سكينر: “يتفق ذلك مع فيروسات كورونا الأخرى التي تصيب البشر، هذا يعني أنه حتى لو تعرض غالبية الناس للعدوى فهناك إمكانية أن يتوطن المرض، مما يعني أن نرى ذروات موسمية للمرضى وهذا يعني أننا وصلنا لمرحلة الاستقرار في كوفيد-19”.
سيستمر الفيروس غالبًا لفترة من الوقت، فهل يعني ذلك أن تتغير ضراوته؟ يعتقد بعض الباحثين أن يصبح أقل فتكًا، بينما يرى آخرون أنه قد يتحول ويصبح أشد فتكًا، لكن سكينر يشك في ذلك حيث يقول: “علينا أن نفكر من وجهة نظر الفيروس، إنه ينتشر الآن حول العالم بكل سلاسة ويؤدي دوره، لذا فالتغيير لن يعود عليه بأي نفع”، في النهاية، لن يحررنا من تهديد الفيروس إلا تطوير لقاح فعال.
اقترح بعض العلماء طريقة لرفع سرعة العملية وذلك بتعريض المتطوعين عمدًا للفيروس لتحديد مدى كفاءة اللقاح
متى سنحصل على لقاح؟
نشرت مجلة “Nature” يوم الجمعة أن هناك 78 مشروع لقاح حول العالم، من بين هذه المشاريع الجارية تحت برنامج اللقاح، هناك تجارب في المرحلة الأولى بجماعة أوكسفورد واثنان في شركات التكنولوجيا الحيوية في أمريكا وثلاثة في المجموعات العلمية الصينية، بينما يخطط مطورو اللقاح إلى بدء الاختبارات البشرية هذا العام.
هذه الاستجابات الرائعة تمنحنا أملًا بأن يتم تطوير اللقاح في وقت قصير، على كل حال تتطلب اللقاحات مساحة سلامة واسعة ودراسات فعالة، سيحصل آلاف الناس على اللقاح نفسه أو اللقاح الوهمي لتحديد مدى فاعلية اللقاح في منع العدوى التي سيتعرض لها الناس بشكل طبيعي، إنها عملية طويلة للغاية.
نتيجة لذلك، اقترح بعض العلماء طريقة لرفع سرعة العملية وذلك بتعريض المتطوعين عمدًا للفيروس لتحديد مدى كفاءة اللقاح، يقول مير إيال أستاذ أخلاقيات البيولوجيا في جامعة روتجيرز: “هذه العملية لا تخلو من المخاطر، لكنها تستطيع زيادة سرعة اختبار اللقاح لعدة أشهر”.
يضيف إيال: “يجب أن يكون المتطوعون من الشباب ويتمتعون بصحة جيدة، سيتم مراقبة صحتهم عن كثب كما سيمكنهم الحصول على رعاية مركزة وأي عقار سيحتاجونه، سينتج عن ذلك لقاح ينقذ ملايين الناس عندما يصبح جاهزًا للاستخدام في وقت أقل من المفترض”.
لكن هذه العدوى المتعمدة للناس خاصة المتطوعين الذين سيحصلون على علاج وهمي كجزء من التجربة، أمر مثير للجدل، يقول بروفيسور آدم فين من جامعة بريستول: “يجب التفكير في هذا الأمر بعناية فائقة، قد يود بعض الشباب الحصول على فرصة الانضمام لتلك التجربة لكن الفيروس تمكن من قتل بعض الشباب، ولا نعلم حتى الآن سبب ذلك، على كل حال ما زالت المرحلة الثالثة للتجارب بعيدة نوعًا ما، لذا ما زال لدينا الوقت لنفكر في ذلك بعناية”.
المصدر: الغادريان