بدأ الحديث يتصاعد في موريتانيا، عن ضرورة محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ومحاسبته على ما اقترفه بحق البلاد طيلة السنوات العشرة الماضية، حيث تبخرت في “عشرية عزيز” المليارات وأفلست شركات موريتانية وأوشكت أخرى على الإفلاس ورُهنت سيادة البلاد لبعض القوى الإقليمية التي لا تريد خيرًا بموريتانيا، فهل يحاكم الرئيس ولد الغزواني سلفه؟
ولد عبد العزيز أمام التحقيق
تستعد لجنة التحقيق البرلمانية في موريتانيا لتوجيه رسالة استدعاء إلى رئيس البلاد السابق محمد ولد عبد العزيز من أجل المثول أمامها لسماع وجهة نظره في بعض ملفات الفساد التي تحقق بها، وفق مواقع إخبارية محلية في موريتانيا، ومن المنتظر وفق هذه المواقع أن توجه اللجنة الرسالة إلى ولد عبد العزيز في غضون أيام.
وصل ولد عبد العزيز إلى السلطة في انقلاب عسكري أغسطس/آب 2008، ضد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي يعتبر أول رئيس مدني في موريتانيا يصل إلى الحكم بأصوات الشعب في أول انتخابات دعمه خلالها العسكر، وانتخب ولد عبد العزيز مرتين رئيسًا للبلاد في 2009 و2013، غير أنه لم يترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في يونيو/حزيران 2019، وفاز بها ولد الغزواني.
ونهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، شكل البرلمان الموريتاني بضغوط من المعارضة وبالإجماع، لجنة كلفت بالتحقيق في السنوات العشرة التي حكمها الرئيس السابق الجنرال محمد ولد عبد العزيز، ووقع طلب تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، 24 نائبًا جميعهم من المعارضة، باستثناء النائبين الدان ولد عثمان ومحمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل المنتميين للموالاة.
سبق أن اتهم الرئيس السابق بتهريب أموال موريتانية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة
استجوبت لجنة التحقيق البرلمانية في سنوات حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز منذ بدء نشاطها، عشرات الشخصيات من قطاعات مختلفة بينها وزراء في الحكومة الحاليّة ووزراء في حكومات سابقة، على أن تقدم تقريرها النهائي بعد خمسة أشهر من الآن إلى الجمعية الوطنية.
وتعتبر هذه اللجنة البرلمانية، سابقة في تاريخ موريتانيا الحديث، حيث لم يسبق للبرلمان القيام بمهمة التفتيش والرقابة التي يخولها له الدستور والنصوص الداخلية له، كما لم يسبق أن شهدت البلاد فتح تحقيق في مرحلة من مراحل حكم أحد الرؤساء سواء المباشرين أم المنتهية ولايتهم أو المُنقلب عليهم.
ملفات فساد في انتظاره
هذه اللجنة شُكلت للتحقيق في سبعة ملفات حصلت خلال حكم محمد ولد عبد العزيز، هي: اختفاء أموال من صندوق العائدات النفطية وإفلاس الشركة الوطنية للإيراد والتصدير “سونمكس وتسيير الهيئة الخيرية للشركة الموريتانية للصناعة والمناجم “أسنيم” وعقارات الدولة التي بيعت في نواكشوط وصفقة الإنارة العامة بالطاقة الشمسية وصفقة تشغيل رصيف حاويات ميناء نواكشوط المستقل وملف الشركة الصينية “بولي هوندونغ” العاملة في مجال الصيد البحري.
وتعتبر اتفاقية الصيد البحري مع شركة “بولي هوندونغ” الصينية، من بين أكثر الصفقات التي أبرمها ولد عبد العزيز إثارة للجدل، فقد مُنحت رخصة الصيد لهذه الشركة في المياه الموريتانية من دون إذن البرلمان ولمدة 50 سنة وليس 25 سنة كما أعلنت السلطات، على مساحة 90 ألف كيلومتر مربع وليس 30 ألف كيلومتر مربع كما سبق أن أُعلن.
وتبلغ القيمة الإجمالية لهذه الصفقة 300 مليون دولار طيلة 50 سنة، تصدر الشركة الصينية بموجب هذه الاتفاقية 2500 طن من الأسماك أسبوعيًا، فيما يدفع الاتحاد الأوروبي 50 مليون دولار سنويًا مقابل الصيد في مساحة أقل وتصدير كمية لا تتجاوز نصف ما تصدره الشركة الصينية.
يتهم ولد عبد العزيز بقضايا فساد
كما يتهم ولد عبد العزيز بالمحاباة وذلك في صفقة حاويات “ميناء نواكشوط المستقل“، فوفقًا لتقارير عديدة فإن هذه الصفقة منحت لشركة على صلة بصهر الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لفترة تربو على ثلاثين سنة، مقابل استثمار يصل إلى 390 مليون دولار فقط.
وسبق أن أصدرت محكمة الحسابات الموريتانية (هيئة عليا للرقابة على الأموال العمومية حسب الشروط المحددة في الدستور الموريتاني لعملها ومهامها) في ديسمبر/كانون الأول الماضي 4 تقارير عن تسيير المال العمومي من 2007 إلى 2017، كشفت فيها وجود فساد في التسيير والاختلاس والتحايل على عشرات ملايين الدولارات الأمريكية، وصفقات مشبوهة تمس مستقبل اقتصاد البلد.
ومن أهم القطاعات التي اتهمتها المحكمة المذكورة قطاع الطاقة، حيث تقول التقارير إن في إدارة المحروقات على سبيل المثال اختفت 30 مليون دولار من 2007 إلى 2009، وفي الإدارة نفسها تظهر التقارير تعويضًا لعدة شهور لصالح مدرس لغة إنجليزية بمعدل 2300 دولار يوميًا.
يرى ولد الغزواني ضرورة إبعاد سلفه من الساحة السياسية، حتى لا يقلقه ويعرقل برامجه في هذه الفترة الانتقالية التي تشهدها البلاد
يتساءل موريتانيون عن مصدر الثروة التي يمتلكها محمد ولد عبد العزيز التي تقدر بالمليارات، حيث سبق أن اتهم الرئيس السابق بتهريب أموال موريتانية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وتقدر هذه الأموال بملياري دولار أمريكي من الأموال العمومية الموريتانية تم إيداعها سرًا بأحد بنوك دبي، قبل أن يكشفها قرار بتجميد الحساب الذي أودعت فيه بأمر من وزارة الخزانة الأمريكية.
ويعد الفساد من المعوقات الخطيرة التي تعرقل جهود تنموية داخل موريتانيا، حيث تعاني غالبية القطاعات من تفشي هذه الظاهرة الخطيرة، ذلك أن المشهد السياسي العام في موريتانيا يقع تحت سيطرة “لوبيات” تشترك في المنافع الاقتصادية التي تجنيها هذه الطبقة السياسية المتنفذة.
ومن المنتظر – إذا اتضح أن التقرير الذي ستقدمه لجنة التحقيق يتضمن قضايا تستوجب المحاكمة -، أن يتم تشكيل محكمة سامية لمحاكمة الرئيس السابق لكونها الهيئة القضائية الوحيدة التي يمكن أن تحاكم الرؤساء في تهم الخيانة العظمى.
إبعاد خصم عن الساحة
فتح ملفات الفساد، الغاية منه وفق العديد من المتابعين للشأن الموريتاني، دفع الرئيس السابق إلى الابتعاد عن الساحة السياسية، فالرئيس الجديد للبلاد يحاول إرغام سلفه على ترك العمل السياسي بفتح ملفات قديمة يشتبه في أنها شابها فساد.
ويرى الباحث الموريتاني في العلوم السياسية الشيخ يب ولد أعليات أن بوادر الأزمة التي ظهرت مؤخرًا بين الرئيس الحاليّ محمد ولد العزيز وخلفه محمد ولد الغزواني توحي أن الأخير لن يكون ضد محاكمة الرئيس السابق.
يسعى الغزواني لإبعاد خصمه عن الساحة السياسية
يسعى محمد ولد عبد العزيز منذ فترة إلى العودة للساحة السياسية في موريتانيا، وتجريد الرئيس الحاليّ من كل قواه السياسية حبًا في السلطة، فقد تبين أكثر من مرة رغبته في الاحتفاظ بأدوار سياسية له بعد خروجه من الحكم منتصف السنة الماضية، وذلك من خلال حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
ويعتبر الرئيس ولد الغزواني رفيق درب محمد ولد عبد العزيز، فقد سبق أن أطاح ولد الغزواني إلى جانب ولد عبد العزيز بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في الـ6 من أغسطس/آب 2008، وسبق أن عملا معًا طيلة سنوات عدة لكن من الواضح أن السلطة لا مكان فيها لصديقين.
ويرى ولد الغزواني ضرورة إبعاد سلفه عن الساحة السياسية، حتى لا يقلقه ويعرقل برامجه في هذه الفترة الانتقالية التي تشهدها البلاد، وفاز محمد ولد الغزواني الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، برئاسة موريتانيا بعد حصوله على 52% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.