تتسم العلاقات العراقية الأمريكية بعدم الثقة والوضوح، وذلك بعد تنامي نفوذ وقوة إيران وحلفائها في العراق مع دخول قوى السلاح إلى الانتخابات في 2018 ودائرة التأثير المباشر على المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
في هذا العام 2020 سيدخل العراق المرحلة الثالثة من العلاقة مع الولايات المتحدة، إذا صنفنا المرحلة الأولى بين عامي 2003 – 2011 والمرحلة الثانية 2014 – 2020 والمرحلة الثالثة ستبدأ في منتصف يونيو وإطلاق “الحوار الإستراتيجي الشامل” بين بغداد وواشنطن، وستتضمن جميع الملفات بما فيها مسألة صيغة الوجود الأمريكي في العراق.
تنظر واشنطن إلى العراق من نافذة تقويض النفوذ الإيراني، ورئيس حكومة تصريف الأمور اليومية الحاليّ عادل عبد المهدي غير قادر ولا يملك الصلاحيات لذلك، لذا الهدف الأمريكي كمرحلة أولى يتمثل في تثبيت العلاقة مع بغداد وإعادتها إلى التوازن مع إيران، الذي اختل كثيرًا بعد أن تغولت إيران والحرس الثوري وحلفاؤها وازداد تأثيرهم على قرارات الدولة العراقية بشكل كبير، ما تمخض عنه قرار البرلمان غير الملزم بإخراج القوات الأمريكية من العراق وانفلات الميليشيات ومعاداتها للوجود الأمريكي والقيام بهجمات أودت بحياة عسكريين أمريكيين وبريطاني، ما فتح الباب للحديث عن مراجعة صيغة الوجود الأمريكي بعد اتهامات بانتهاك السيادة بالقيام بتكتيكات وهجمات وطيران غير مرخص.
تراجع الشرعية
تتراجع شرعية الحكومة العراقية على المستوى الداخلي والدولي، ويتراجع معها دعم الولايات المتحدة، وتجري عملية إعادة النظر بدعمها، وذلك لميلها نحو إيران وعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها في حماية مقر البعثة الدبلوماسية وحماية القواعد التي توجد فيها قوات التحالف الدولي والعجز عن وضع حد للميليشيات المنفلتة التي تهدد الوجود الدولي وعدم التزامها بأي قرارات متفق عليها.
الكاظمي والحوار المنتظر
ترغب الولايات المتحدة بعقد صفقة في منتصف يونيو 2020 أي مع حكومة الكاظمي، كونه رجلًا براغماتيًا ولا يعادي أحدًا وممكن أن يساهم بتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، فهو يُجيد عقد الصفقات – بحسب مقربين منه – ويُصنف على أنه موثوق أمريكيًا وغير متعارض مع الإيرانيين، فهو رجل كُلِف بتشكيل الحكومة بناءً على التوافق الداخلي الذي حصل إثر التوافق الأمريكي الإيراني، كما أن لديه صلات بالتحالف الدولي والمجتمع الدولي ودول الخليج بحكم عمله في جهاز المخابرات العراقي والحرب الاستخبارية ضد داعش، ما قد يُسهل هكذا خيارات والدفع بالعراق ليكون بعيدًا عن الصراع الأمريكي الإيراني.
تحديات منتظرة
ستجلس حكومة الكاظمي على طاولة الحوار الإستراتيجي مع واشنطن وهي مثقلة بالأزمات، فمن جهة انخفضت أسعار النفط على وقع جائحة كورونا وقد لا تستطيع الحكومة العراقية تقديم خدماتها الأساسية ومنح رواتب الموظفين، وستكون بحاجة ماسة لدعم واشنطن، لوجود مخاطر انهيار الاقتصاد العراقي الريعي الذي يعتمد على النفط.
من جهة أخرى، بدأ تنظيم داعش باستئناف نشاطه بعد إعادة التموضع الأمريكي في عدد من المعسكرات غير المحصنة في القيارة جنوب الموصل وقاعدة كي1 في كركوك والقائم والحبانية في الأنبار، وذلك بعد الهجمات المتكررة للميليشيات الولائية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
من جانب آخر، سحبت الولايات المتحدة بعثتها الدبلوماسية من العراق وربطت السبب بانتشار فيروس كورونا وليس عجز الحكومة عن حمايتها ووضع حد للميليشيات، بينما لم تسحب واشنطن بعثاتها من الدول التي انتشر فيها المرض وشكل خطورة أكبر من العراق كإيطاليا أو إسبانيا أو ألمانيا، ما يفسر على أنه نوع من الضغط الدبلوماسي مع الضغط العسكري بإعادة التموضع قبل انطلاق الحوار الإستراتيجي مع بغداد التي تحتاج الدعم الأمريكي بشدة في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها.
أخيرًا، إن من ضمن الحوار المزمع عقده في بغداد، إعادة النظر بحماية واشنطن لأرصدة العراق في الولايات المتحدة التي تحميها بموجب اتفاقية لحصانة الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية، فإذا رفعت واشنطن الحماية عنها سيكون بمقدور الدول المطالبة بمستحقاتها التي من بينها ديون العراق لشركات ودول ومصارف دولية تقدر بـ28 ملياردولار وديون لدول الخليج تقدر بـ41 ملياردولار، وإذا ما فُتح الملف الآن فإن الدولة العراقية سيكون نهايتها الإفلاس الحتمي أو تقديم التنازلات تلو التنازلات لواشنطن والمضي بشروطها وتقويض النفوذ الإيراني والاعتراف بالوجود الأمريكي والدعم المقدم من قبلها، ما يعني أن عنوان المفاوضات القادمة هو “الحوار الإستراتيجي” لكنه يتضمن خضوعًا إستراتيجيًا لقرارات الولايات المتحدة.