يتوقع أن تحوّل أزمة انتشار جائحة فيروس كورونا نمو الاقتصادي العالمي إلى “سلبي بشكل حاد”، خلال العام الحاليّ، حيث يتوقع أن يتقلص الاقتصاد العالمي هذه السنة بنسبة 3-%، ما يجعله في حالة هي الأسوأ منذ “الكساد الكبير” في الثلاثينيات من القرن الماضي، وفق صندوق النقد الدولي.
هذا الكساد سيشمل اقتصادات الدول العربية التي تعتمد على صادرات النفط أيضًا، إلا أن التوقعات أكثر سلبية، نتيجة انهيار أسعار الخام الناجم عن تراجع الطلب على النفط، وكذلك بسبب المعركة على الحصص السوقية بين عملاقي النفط السعودية وروسيا.
الأزمة الأسوأ منذ عقود
صندوق النقد الدولي يتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط بنسبة 4.2% العام الحاليّ، فيما كانت توقعات الصندوق قبل الأزمة تشير إلى نمو بمعدل 2.1%، لتكون الأزمة الأكبر لهذه الدول في السنوات الأخيرة، وكانت الدول النفطية العربية قد تضررت في 2008 بفعل الأزمة المالية العالمية وسنة 2015 نتيجة صدمة أسعار النفط.
يتوقع صندوق النقد أن تتأثر اقتصادات دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط بشكل يفوق ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 وصدمة أسعار النفط في 2015، وذلك بسبب الانعكاسات الاقتصادية السلبية للإجراءات المتخذة عبر العالم ضد فيروس كورونا.
هذا الانكماش الحاد ناتج عن انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية بسبب تراجع الطلب عليه إثر انتشار فيروس كورونا المستجد في أغلب دول العالم، وكذلك بسبب حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا التي هدأت مؤخرًا.
ووفقًا لصندوق النقد، تتعرض البلدان المصدرة للنفط لصدمة مزدوجة يتزامن فيها انخفاض الطلب العالمي وانخفاض أسعار النفط، حيث يتوقع تراجع الصادرات النفطية بأكثر من 250 مليار دولار في أنحاء المنطقة، ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تتحول أرصدة المالية العامة إلى السالب، متجاوزة 10% من إجمالي الناتج المحلي في معظم البلدان.
توقَع تقرير صندوق النقد أن ينكمش اقتصاد المملكة العربية السعودية بنسبة 2.3-% في العام الحاليّ، بعد أن كان الصندوق يتوقع نموًا بنسبة 2.2% للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام
أدى الانخفاض الكبير في أسعار النفط الذي يشكل 65% من حجم التجارة العالمية إلى تراجع أسعار الكثير من المشتقات والسلع الاقتصادية العالمية، وهو ما يفسر الهبوط الحاد في العديد من البورصات العالمية، خاصة في الدول العربية المصدرة للنفط.
وصلت أسعار النفط في السوق الدولية مطلع يناير/كانون الثاني 2020، 66.2 دولار لبرميل خام برنت، و61.1 دولار للبرميل من الخام الأمريكي، ووصلت أمس الأربعاء الأسعار إلى 28.4 دولار للبرميل خام برنت، كما واصلت أسعار الخام الأمريكي التراجع لتبلغ في تعاملات أمس 19.20 دولار، وهو أدنى مستوى منذ العام 2002.
وتعتبر هذه الأسعار غير اقتصادية في ظل تقديرات موازنات الدول العربية النفطية، التي تضم دول الخليج بالإضافة إلى العراق وليبيا والجزائر، فمن شأن أسعار النفط الرخيصة في السوق العالمية، أن تجر البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط إلى الانهيار، خاصة أن اقتصاداتها تعتمد بشكل كبير على إنتاج النفط الخام وصادراته.
ورغم إعلان عدة دول نفطية في تحالف (أوبك+)، الأحد، إتمام اتفاق لأكبر خفض تاريخي مدروس لإنتاج النفط الخام بواقع 10 ملايين برميل يوميًا، يتحمل منها التحالف 9.7 مليون برميل يوميًا، فإن أسعار النفط ستواصل الانهيار، ذلك أن تأثير هذا الاتفاق لن يظهر بسرعة.
في هذا الشأن يقول صندوق النقد الدولي “اتفاق الخفض القياسي بين كبار المنتجين الدوليين قد يقدم بعض الدعم لأسعار الخام، ولكن الانخفاضات في أسعار النفط كبيرة لدرجة أنه من المتوقع أن تنخفض الإيرادات المالية وحصيلة الصادرات في جميع دول المنطقة المصدِرة للخام وضمن ذلك التي قد تتمكن من كسب حصة في السوق من منتجين أعلى تكلفة”.
السعودية.. انكماش كبير
تحتاج السعودية، صاحبة الوزن الثقيل في “أوبك”، وأكبر مصدر للنفط الخام في العالم، إلى سعر 91 دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانياتها، وتحقيق نقطة تعادل في الأرباح والخسائر، إلا أن ذلك غير متوقع هذه السنة، ما يعني حدوث تراجع كبير في اقتصاد المملكة.
وتوقَع تقرير صندوق النقد أن ينكمش اقتصاد المملكة العربية السعودية بنسبة 2.3-% في العام الحاليّ، بعد أن كان الصندوق يتوقع نموًا بنسبة 2.2% للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام، قبل أن تغير الجائحة جميع توقعات النمو، وكانت المملكة قد حققت نسبة نمو 0.3% في 2019، و2.43% في 2018.
تراجع أسعار النفط أثر على اقتصادات دول عديدة
بشأن القطاع الاقتصادي غير النفطي في البلاد، توقع التقرير انكماشًا بنسبة 4% في العام الحاليّ، وهو ما يعني مزيدًا من الضغوط التي من شأنها أن تعطل مشاريع ولي العهد محمد بن سلمان الاقتصادية التي اعتمد عليها لتبييض صورته في الخارج وللحصول على شعبية في الداخل.
وسبق أن أعلنت السعودية نهاية مارس/آذار الماضي، حزمة تدابير اقتصادية بقيمة تقارب 32 مليار دولار، للحد من تداعيات هبوط أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا، التي تهدد الرؤية الإستراتيجية للمملكة العربية السعودية “رؤية 2030” التي تسعى إلى إخراج السعودية من وضعية الاعتماد التام على صادرات النفط من خلال إعادة استثمار الثروة النفطية في الصناعات المستدامة.
الإمارات.. تراجع رغم التنويع الاقتصادي
أما فيما يتعلق بالإمارات فقد توقع تقرير الصندوق انكماشًا بنحو 3.5%، بفعل تداعيات الوباء وإجراءات الوقاية والإغلاق الاقتصادي، بعد أن كان الصندوق يتوقع أن تصل نسبة نمو اقتصاد البلاد في السنة الحاليّة إلى 3.3%.
أجبر انتشار فيروس كورونا محليًا ودوليًا، الحكومة الإماراتية على التقدم رسميًا، إلى المكتب الدولي للمعارض بطلب تأجيل معرض “إكسبو 2020 دبي” الذي كان يمثل فرصة كبيرة لدفع النمو الاقتصادي للعام الحاليّ، إلى أكتوبر/تشرين الأول 2021.
تترقب الجزائر، سنة اقتصادية صعبة لم تعرفها منذ سنوات عدة، نتيجة التراجع الحاد في أسعار النفط بالأسواق الدولية لتبلغ أدنى مستوياتها منذ عقود وتفشي جائحة كورونا بالبلاد
رغم أن الإمارات لم تعد تعتمد بصفة كبيرة على النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة ولجأت إلى التنويع الاقتصادي، فإن هذا التنويع جاء في زاوية الاعتماد على قطاعات الصناعة والسفر والسياحة وتجارة التجزئة والتشييد والعقارات، التي ضخت فيهم الإمارات مئات المليارات من الدراهم ووظفت فيهم ملايين العمال، وكلها قطاعات تعاني الآن بشدة بسبب التأثيرات السلبية لانتشار فيروس كورونا.
وتحتاج الإمارات إلى أن يكون سعر برميل النفط 65 دولارًا لتحقيق توازن في ميزانيتها هذا العام، وفي غياب هذا الأمر وتراجع الأنشطة غير النفطية، أقر المصرف المركزي الإماراتي زيادة الدعم بحزمة 34 مليار دولار، وتضم السماح للبنوك بتقديم مساعدات للشركات وأصحاب شركات التجزئة من الفائدة والمدفوعات الأساسية.
الجزائر.. إجراءات حكومية لتخفيف وقع الأزمة
حتى الجزائر لن تسلم من هذا التراجع، حيث تترقب البلاد، سنة اقتصادية صعبة لم تعرفها منذ سنوات عدة، نتيجة التراجع الحاد في أسعار النفط بالأسواق الدولية لتبلغ أدنى مستوياتها منذ عقود وتفشي جائحة كورونا بالبلاد وتعطيلها لأغلب مرافق الحياة.
أثرت كورونا كثيرا على اقتصادات الدول النفطية
توقعت الجزائر في سنة 2020 مداخيل بحدود 35 مليار دولار بسعر مرجعي في الميزانية العامة قدر بـ50 دولارًا للبرميل، لكن مع تراجع أسعار النفط ستتغير الأرقام، فمن المنتظر أن تخسر الجزائر ما يعادل 15 دولارًا في البرميل وهي قيمة مرتفعة وإذا تواصلت الأسعار على ما هي عليه فإن الخسائر السنوية قد تصل إلى حدود 15 مليار دولار.
ومن شأن هذا التراجع الحاد في أسعار النفط، أن يؤدي إلى تراجع اقتصاد البلاد، ذلك أن الاقتصاد الجزائري يعتمد بالكامل على عائدات النفط والغاز، وتمثل هذه العائدات 98% من تمويل موازنة الدولة، ما يجعل الاقتصاد مرتبطًا بالكامل بالنفط وأسعاره.
لمواجهة هذا الوضع المتأزم، أعلنت الحكومة الجزائرية إجراءات استثنائية منها تخفيض بنسبة 30% في الميزانية الإدارية دون التعرض لرواتب الموظفين، بالإضافة إلى تخفيض فاتورة الواردات من 38 إلى 28 مليار يورو، كما قررت عدم اللجوء إلى شركات الخبرة الأجنبية بهدف توفير 6.5 مليار يورو سنويًا، بينما قررت شركة النفط والغاز سوناطراك، بناءً على طلب الحكومة، تخفيض ميزانيتها لعام 2020 بنسبة 50% أي ما يعادل 6.5 مليار يورو.
الصندوق أشار إلى أن ثلاث دول عربية استفادت من تمويله خلال الجائحة، هي تونس والأردن والمغرب، وهي دول غير نفطية، وأوصى بأن توفر السياسات الاقتصادية للدول التي تأثرت بالجائحة الحماية الكافية لمحركات النمو، مع تخفيف الأثر الواقع على الأسر، والقطاعات الأشد تضررًا، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كمرحلة تلي مرحلة الإنفاق الأساسي على الصحة وأولوية الحفاظ على الأرواح “بصرف النظر عن الحيز المالي”.