ترجمة وتحرير: نون بوست
تعرّض المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية للخطر نتيجة تضارب المصالح الذي أصبح واضحا مع اندلاع حرب أسعار النفط الأخيرة. ويظل هذا الأمر صحيحًا حتى لو كانت الحرب غير مستدامة في خضم الجائحة المدمرة.
حتى الآن، كانت المملكة العربية السعودية محور غضب الولايات المتحدة على خلفية لا مبالاتها وتهورها، بينما تمكنت الإمارات من الإفلات من الرادار الأمريكي على الرغم من أنها أعلنت أيضا أنها ستزيد من الإنتاج لدعم حرب الأسعار مع روسيا. ويبقى السؤال المطروح: إلى متى يمكن للإمارات الإفلات من غضب الولايات المتحدة؟
وقع تفادي أزمة فورية باتفاق يوم الأحد 12 نيسان/ أبريل بين أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط والمنتجين من خارج أوبك لخفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل في اليوم. لكن بعد يوم واحد من الاتفاق، حذّر 13 نائبا جمهوريا في الكونغرس يمثلون الولايات المنتجة للنفط المملكة العربية السعودية من خلال مكالمة هاتفية دامت لمدة ساعتين مع وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان.
في هذا الصدد، قال السيناتور عن ولاية داكوتا الشمالية، كيفن كرامر: “بينما نقدر اتخاذ السعوديين الخطوة الأولى نحو حل المشكلة التي ساهموا في افتعالها، فإنهم أمضوا أكثر من شهر في شن حرب على منتجي النفط الأمريكيين، وكل ذلك في الوقت الذي كانت فيه قواتنا تحميهم. هذه ليست الطريقة التي يتعامل بها الأصدقاء مع بعضهم البعض. كانت أفعالهم غير مبررة ولن تُنسى أبدا. إن خطوة القادمة التي ستتخذها المملكة العربية السعودية ستحدد ما إذا كانت شراكتنا الاستراتيجية قابلة للإنقاذ”.
عَكَس إشعار أعضاء الكونغرس تدهور علاقات المملكة مع الكونغرس على مدى السنتين الماضيتين، وغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حرب الأسعار السعودية. ولكن هناك بصيص أمل في الصِدام الأمريكي السعودي حول أسعار النفط حتى لو وقع تعليقه بسبب اتفاقية خفض الإنتاج. في الواقع، يوضح الصِدام معالم العلاقة طويلة الأمد بين البلدين.
انهيار الطلب وانخفاض الأسعار والانحدار الاقتصادي العالمي يزيد من أهمية الحصة السوقية
مع حرصها على ضرب صناعة الصخر الزيتي الأمريكية، التي توفر حوالي 10 ملايين وظيفة، بينت المملكة العربية السعودية أنها ستواصل العمل على تحقيق مصالحها بغض النظر عن مخاوف الولايات المتحدة أو ما إذا كان العالم يمر بانتكاسة اقتصادية هائلة نتيجة الوباء.
حسب علي شهابي، المحلل السياسي والمصرفي السابق الذي غالبا ما يعكس وجهة النظر السعودية: “سيكون على المملكة التقليل من نفقات الميزانية مع تقييم احتياطاتها المالية للإنفاق الأساسي لأنها تخوض معركة طويلة الأمد البقاء فيها للأقوى من أجل الاستحواذ على حصة من سوق الطاقة العالمية”. في سياق متصل، قال المستشار الاقتصادي ناصر سعيدي وشركاؤه في مذكرة بحثية، إنه لاستيعاب انخفاض الإيرادات بشكل حاد، أمرت وزارة المالية السعودية الهيئات الحكومية بتقديم مقترحات لخفض الإنفاق هذه السنة بنسبة تصل إلى 30 بالمئة.
لقد كشف الصِّدام الأمريكي السعودي عن ضعف صناعة الصخر الزيتي في وقت حرج. فقدرة الولايات المتحدة على الترويج لنفسها كأكبر منتج ومصدر في العالم في تدهور متزايد في ظل تراجع مصداقية الولايات المتحدة التي عززها عجزها عن السيطرة على أزمة فيروس كورونا.
تكمن المفارقة في أنه كان من الممكن للولايات المتحدة توجيه غضبها أيضا نحو الإمارات العربية المتحدة، التي سرعان ما أعلنت دعمها للتحرك السعودي لدفع الأسعار إلى ما دون نقطة التعادل مقارنة بأسعار الصخر الزيتي الأمريكي، عن طريق إغراق السوق بالنفط. وقال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، في الحادي عشر من آذار/ مارس: “إن هناك طاقة إنتاجية وفيرة سيقع توظيفها بسرعة في ظل الظروف الحالية”.
من خلال تحذير المملكة العربية السعودية مع احتمال أن تليها الإمارات العربية المتحدة، كان أعضاء الكونغرس يرسمون خطوط معركة لصدام متجدد في المستقبل ربما أصبح أكثر حتمية نتيجة للوباء وتداعياته الاقتصادية. ومع انخفاض محتمل في قيمة احتياطات النفط ومخزون الغاز الجديد المحدود خلال العقود القادمة بسبب الظهور البارز للصخر الزيتي ومصادر الطاقة المتجددة، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى تأمين حصتها في السوق من خلال الاستفادة من التكاليف المنخفضة، علما بأنها تمتلك واحدة من أدنى تكاليف الإنتاج في العالم.
إدارة التوقعات العامة المتزايدة للقيادة ستكون حاسمة في الحفاظ على الدعم العام لمحمد بن سلمان عندما يتراجع الوباء
إن انهيار الطلب وانخفاض الأسعار والانحدار الاقتصادي العالمي يزيد من أهمية الحصة السوقية. من المرجح أن تضطر المملكة العربية السعودية إلى التقليص من المشاريع المغرية مثل مشروع نيوم – المدينة المستقبلية على البحر الأحمر – والتركيز على الإيرادات والقطاعات التي تولد فرص العمل. في هذا الصدد، قال خبير اقتصادي مقيم في الخليج: “هناك احتمال كبير أن يصبح (مشروع نيوم) طي النسيان… ويتلاشى الزخم الذي اكتسبه، حيث سيتطلب إعادة بنائه الكثير من الوقت”.
يُذكر أن شركة “جي بي مورجان” تسعى إلى البيع بقروض مخفضة وقع جمعها من قبل صناديق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بينما تستعد البنوك للاقتراض في الخليج بسبب انخفاض أسعار النفط. ويقترح بعض الاقتصاديين أن المملكة العربية السعودية وغيرها من منتجي النفط قد تسعى إلى خلق فرص عمل وأسواق محلية وإقليمية للبتروكيماويات عن طريق دفع تطوير صناعة البلاستيك والمواد الكيمياوية.
كما تشير بعض المؤشرات إلى إمكانية عودة المملكة العربية السعودية إلى التركيز على مشتقات الطاقة من خلال استحواذ صندوق الثروة السيادية على حصص تبلغ قيمتها حوالي مليار دولار أمريكي في أربع شركات نفط أوروبية كبرى؛ وهي “إكوينور” و”رويال داتش شل” و”توتال” و”إني”.
وفقا للباحثة السعودية ياسمين فاروق فإن “إدارة التوقعات العامة المتزايدة للقيادة ستكون حاسمة في الحفاظ على الدعم العام لمحمد بن سلمان عندما يتراجع الوباء. تمثل الأزمة أيضا اختبارا للتقدم الذي أحرزته ‘رؤية السعودية 2030’، وخاصة برامجها لتغيير الخدمات العامة والحد من البطالة وتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط”.
المصدر: مودرن ديبلوماسي