بالتزامن مع نشر الولايات المتحدة بطاريات الباتريوت بقاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير في أربيل المعنية بصد الصواريخ البالستية، وشبه التأكد من تغطية دفاعات هذه المنظومة حلفاء واشنطن الخليجيين و”إسرائيل”، بدأت الميليشيات الولائية الأقرب إلى إيران (حزب الله العراقي، النجباء، سرايا الخراساني، الطفوف، عصائب أهل الحق) بالانتشار على خط الحدود السعودية – العراقية في مناطق محاذية وقرب الطريق الدولي في النخيب وبادية السماوة وبادية النجف وصحراء كربلاء، بحجة تنظيم داعش، رغم الاستقرار الأمني الذي تشهده المنطقة منذ أشهر ووقوعها ضمن مسؤولية قيادة عمليات الجزيرة والبادية وليس ضمن مسؤولية الحشد أو ميليشياته.
نصب منظومة الباتريوت وانتشار الميليشيات جزء من التغيرات التكتيكية التي تتبعها واشنطن في العراق والمنطقة، وانتشار الميليشيات جزء من التكتيكات المضادة لإفشال مفعول هذه التغيرات، فحزب الله العراقي يمتلك قدرات صاروخية بعيدة المدى وتقنية عالية شبيهة بقدرات حزب الله اللبناني، ما يرفع خطورته على السعودية ودول الخليج بشن هجمات صاروخية أو عبر طائرات الدرون المفخخة ضد مصالح عسكرية أو اقتصادية كالتي حصلت في العام الماضي من خلال الاعتداء على شركة أرامكو وتعطيل نصف الإنتاج النفطي السعودي، خاصة ونحن في مرحلة حرب أسعار النفط العالمية بعد تداعيات انتشار فيروس كورونا.
إيران ونقاط التواصل الإستراتيجية
تسعى إيران عبر وكلائها للسيطرة على بعض نقاط التواصل الإسترايجية في المدن العراقية مع البلدان العربية المحيطة للتحكم بالطريق الدولي الواصل بين العراق ومحيطه العربي مع سوريا والأردن والسعودية، ففي محافظة نينوى تنتشر الميليشيات في قضاء “تلعفر” الذي يصلها بسوريا، وفي الأنبار تنتشر قرب النقاط الواصلة بسوريا أيضًا وعلى طرفي الحدود، وفي منطقة النخيب في محافظة الأنبار الواصلة بالسعودية والخليج التي تضم طريق الحج والتجارة الدولي.
هدفت الميليشيات الولائية والقوى السياسية التابعة لها – سابقًا -، لفصل النخيب عن الأنبار أمنيًا باستلام ملفها الأمني وإبقاء المليشيات فيها بحجة وجود عناصر وخلايا داعش، ووجود تهديد على المراقد في النجف وكربلاء المحاذية لها، لتعود بين الحين والآخر لتنتشر في هذه المناطق مع زيادة التصعيد الأمريكي ضد إيران وإعادة التموضع، إضافة إلى محاولة قطع الصلة بين الأنبار وامتداد عشائرها مع المملكة العربية السعودية والأردن، وفرض طوق حول السعودية والخليج من جهة العراق، فمنطقة النخيب خاضعة منذ أشهر لسيطرة حزب الله العراقي الذي يتخذ موقع رأس الحربة في صراع بيادق طهران مع القوات الأمريكية وحلفائها الدوليين والإقليميين في العراق والمنطقة.
رسائل سياسية وأخرى عسكرية
إن جزءًا من الإستراتيجية الأمريكية كان يتمثل بقيادة الفواعل الإقليمية العربية والدولية وزيادتها، والانفتاح على العراق وعدم إهماله مجددًا، لكي لا تنفرد إيران وميليشياتها به، وذلك كجزء من مزاحمة النفوذ الإيراني ومحاربته، إلا أن الإستراتيجية الإيرانية وعبر وكلائها تقوم بالعكس تمامًا، فهي من جهة تحاول إخراج القوات الأمريكية من العراق التي ترتبط بها جميع القوات الدولية الأخرى، وتحاول الاعتداء واستفزاز دول الخليج لإحراج العراق وتخريب فكرة الانفتاح وتحسن العلاقات الخليجية العراقية، لتنفرد بالعراق مجددًا كما حصل في فترة ما بعد 2003 وتعاظم دورها وسيطرة نفوذها بعد الانسحاب الأمريكي بشكل كبير.
من جهة أخرى، الاقتراب من الحدود السعودية عبر ميليشيات إيران يعطي رسائل خطيرة بالدور العسكري الإقليمي لميليشيات الحشد الشعبي التي تسعى واشنطن لتحييده عن الصراعات الإقليمية وضبطه ضمن سلطة الدولة العراقية واقتصاره على المساعدة والإسناد في الحرب على الإرهاب وداعش، لكنه بدأ يهدد دول حليفة للتحالف الدولي والعراق مما يفتح الباب أمام الخيارات العسكرية الجديدة التي قد تشمل وضعه بخانة داعش إذا هدد المصالح الأمريكية وحلفاءها، خاصة أن العراق مقبل على “حوار إستراتيجي” في منتصف يونيو مع واشنطن على ملفات عدة ولن يكون وضع الميليشيات وسلاحها بمنأى عنه.