تثبت الأيام أن لا شيء مقدم على الصحة، وعند تعرض القطاع الصحي في مجتمعٍ ما لتهديد كبير يواجهه، فإنّ ذلك التهديد يؤدي لتوقف جميع مناحي الحياة وتعطل القطاعات الأخرى كافة.
شهدت الأجهزة الطبية القابلة للارتداء في بداية نشوئها نموًا خجولًا واستخدامًا محدودًا، إذ اقتصر استخدامها على الرياضيين بغية تتبع حالة اللياقة البدنية والصحة العامة للجسد، وكان جل تلك المنتجات في بدء ظهورها وتعدد المصنعين لها عبارة عن ساعة يدوية تقيس درجة الحرارة وعدد خطوات الجري وكمية السعرات الحرارية المفقودة.
ويعلم جميع المختصين أن معصم اليد ليس المكان الأفضل لتتبع حالة الجسد الصحية أو قياس العلامات الحيوية للجسم، لذا تم التوجه نحو الجيل التالي من الأجهزة القابلة للارتداء، والتي باتت تعرف بـ “الأجهزة الطبية الذكية”.
“الملابس الطبية الذكية” هي الاتجاه الكبير الجديد في النظام البيئي الطبي والرعاية الصحية، ولكن العديد من المشكلات متأصلة في هذه الملابس الجديدة، ويكمن التحدي في إنشاء ملابس إلكترونية يمكن معاملتها مثل الملابس الاعتيادية.
ونظرًا لأن الملابس والمنسوجات على اتصال مباشر بنحو 90% من سطح الجلد، فإن الملابس الذكية الجديدة ركزت العمل في تلك المساحة، ما اضطر العلماء والمصممون إلى ابتكار ما يسمى “النسيج الإلكتروني“.
ما النسيج الإلكتروني؟
هي منسوجات قابلة للحياكة تمتاز باحتواء خيوطها على موصلات كهربائية ورقائق إلكترونية مدمجة فيها، تم تصميم المنسوجات الإلكترونية لتشعر المستخدم بالراحة على الجلد، تتكون هذه الأقمشة الذكية من قماش تقليدي منسوج بألياف موصلة، بالإضافة إلى عناصر إلكترونية مثل أجهزة الاستشعار الطبية الحيوية وأجهزة التحكم الدقيقة والبصريات الليفية القابلة للارتداء.
من بين الفوائد العديدة التي وعدت بها ثورة النسيج الذكي هي الرعاية الصحية، حيث تُستبدل بالأجهزة الإسعافية من الجيل الأول مثل ساعات المعصم الذكية وشاشات المراقبة القابلة للإزالة، ملابس مريحة قابلة للغسل.
مستقبل التطبيب عن بعد
مع تطوير الجيل التالي من الملابس الطبية القابلة للارتداء، صار مستقبل “التطبيب عن بعد” أكثر ازدهارًا، فركيزة أي طبيب لتشخيص المرضى هو التعرف على القياسات الحيوية لجسم المريض.
توفر هذه الملابس نتائج دقيقة ومفصلة من درجة الحرارة وتخطيط القلب وحالته وضغط الدم ومستوى الأكسجين في الدم وغيرها، وهي ستشجع الكثيرين لارتدائها والتعاون مع الطبيب عن بعد.
وفي نفس الوقت تعد هذه الملابس حلًا لنقص الكوادر الطبية حول العالم، كما سيتمكن الأطباء من متابعة صحة مرضاهم على الدوام وفقًا للبيانات التي ترسلها تلك الملابس للأطباء.
نمو الصناعة
انطلاقًا من الطلب المتزايد من المستهلكين لمراقبة صحتهم، فقد تضاعف استخدام التكنولوجيا القابلة للارتداء أكثر من ثلاث مرات في السنوات الأربعة الماضية.
وفقًا لتقرير في Business Insider Intelligence، فإن أكثر من 80% من المستهلكين يرغبون في ارتداء تقنية اللياقة البدنية، ويتوقع التقرير أن تنمو القاعدة الإجمالية لأجهزة تتبع اللياقة البدنية والأجهزة القابلة للارتداء الصحية في الولايات المتحدة بمعدل سنوي يبلغ 10% لتتجاوز 120 مليون بحلول عام 2023.
تحفز التكنولوجيا القابلة للارتداء السلوك الذي يقلل من زيارات المستشفيات، إذ يوافق 75% من المستخدمين على أن الأجهزة القابلة للارتداء تساعدهم في الحفاظ على صحتهم.
وقفز استخدام المستهلك للأجهزة القابلة للارتداء في الولايات المتحدة من 9% في 2014 إلى 33% في 2018، وفقًا لـAccenture، بينما يتنبأ تقرير حديث نشرته مجلة Market Research Future بأن سوق المنسوجات الطبية الذكية العالمية سيسجل معدل نمو سنوي يبلغ 9.5% تقريبًا خلال الفترة المتوقعة 2018-2027.
نماذج من الملابس الذكية والمنسوجات الإلكترونية
تعددت الاستخدامات والأدوار التي يمكن أن تؤديها تلك المنسوجات والملابس، ونعرض أبرز تلك التقنيات والمنتجات التي تعتمد في عملها على “النسيج الذكي”.
شاشات تخطيط القلب يمكن ارتداؤها
إن شاشات ECG القابلة للارتداء والخاصة بتخطيط القلب في طليعة الإلكترونيات الاستهلاكية، وما يميز هذه الشاشات عن المنتجات الأخرى، قدرتها على “تخطيط القلب” بدقة.
أفاد تقرير من مؤسسة Business Insider مؤخرًا عن فوز منتج شركة “Withings” بجائزة أفضل جهاز قابل للارتداء في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية لعام 2019 مع منتج “Move ECG”، حيث يمكن لـMove ECG قياس مخطط كهربية القلب وإرسال القراءة إلى طبيب المستخدم، وكذلك كشف الرجفان الأذيني.
قميص Hexoskin Smart
هو قميص متصل بأجهزة استشعار يسجل معدل ضربات القلب والتنفس والحركة والسعرات الحرارية المحروقة ومستوى التعب وجودة النوم.
ساعة Omron HeartGuide
ساعة Omron HeartGuide هي ساعة ذكية وأيضًا جهاز مراقبة ضغط الدم، وتستخدم لقياس ضغط الدم عبر كفة قابلة للنفخ، وهذا يعني أن القراءات التي توفرها أكثر دقة من الأجهزة الشاملة ويمكن أن تزود مرتديها بالبيانات التي يمكن للأطباء استخدامها لتعديل أدويتهم وتقديم توصيات أكثر دقة.
بالإضافة إلى مراقبة ضغط الدم، تتبع الساعة النشاط اليومي والنبض وجودة النوم.
ساعة Withings ScanWatch
تبرز ساعة Withings ScanWatch كواحدة من أفضل الأجهزة القابلة للارتداء في مؤتمر CES 2020، فهي تقيس مجموعة مذهلة من البيانات، بما في ذلك معدل ضربات القلب والنشاط ومعدل ضربات القلب في أثناء النوم وتشبع الأكسجين.
بالإضافة إلى جميع الميزات الصحية، تبدو ScanWatch أشبه بالساعات العادية أكثر من الأجهزة الطبية الأخرى القابلة للارتداء، وهذا يجعلها أكثر جاذبية للأشخاص الذين ينزعجون من ارتداء جهاز طبي.
شورت Lumo Run
Lumo Run هي شورتات الجري الذكية، ترصد إيقاع المشي والفترة المستغرقة في التمرين ودوران الحوض وطول الخطوة وكل القياسات الأخرى المتعلقة برياضة الجري.
توجد جوارب أيضًا لتتبع حالة الجري تدعى “Sensoria 2.0”.
جوارب Siren Care الذكية لمرضى السكر
التهاب الجلد المصحوب بارتفاع في درجة الحرارة أحد أبرز الأمور المؤدية لتقرحات الجلد عند مرضى السكري، وتقود غالبًا إذا تم تجاهلها إلى بتر الساق.
طورت شركة Siren Care، وهي شركة ناشئة تتبع الصحة لمرض السكري، جوربًا لكشف الإصابات، يمكن أن يساعد مرضى السكري على منع عمليات البتر.
يتم إرسال جميع البيانات من الجوارب إلى تطبيق Siren باستخدام تقنية Bluetooth، بحيث يمكن للمستخدم مراقبة حالة قدميه في الوقت الحقيقي.
هذه الجوارب قابلة للغسل في الغسالة وجافة ولا تحتاج إلى شحن. ويحصل المستخدم كل ستة أشهر على صندوق جديد به سبعة أزواج من الجوارب لتجديد الجوارب المستعملة.
قدمت Siren منتجها في حدث CES لهذا العام في لاس فيغاس وأعلنت أنها تخطط لبدء شحن جواربها هذا الصيف. بالنسبة للعملاء، تبلغ التكلفة 30 دولارًا أمريكيًا في الشهر.
نعال Orpyx Medical Technologies
Orpyx Medical Technologies هي شركة أخرى تعمل على الأجهزة لمنع إصابات القدم المتعلقة بمرض السكري.
لقد صمموا نعلًا يلتقط بيانات الضغط من قدمي المريض ويتصل لاسلكيًا بساعة ذكية، وعلى غرار الجوارب الذكية، يتم تنبيه المستخدم عند زيادة الضغط بحيث يمكن تعديل النشاط إذا لزم الأمر.
رعاية الطفل
طورت شركة Owlet جوربًا ذكيًا يمكنه قياس مستوى الأكسجين للطفل ومعدل ضربات القلب. وتوفر التقنية للآباء معلومات عن تنفس طفلهم، يمكن لهذه التقنية أيضًا تنبيه الآباء إذا تغيرت نوعية نوم طفلهم أو كان في وضع يعيقه عن التنفس.
سترة مراقبة الرئة
تشمل بعض الأفكار الخاصة بالمنسوجات الإلكترونية سترة ذات مقاومة حيوية، تقيس تراكم المياه في الرئتين للإشارة إلى أمراض القلب، ويمكن ارتداؤها في المنزل لتحليل الاتجاهات قبل دخول المستشفى وتوفير الوقت والمال.
على نفس الصعيد طورت شركة VitaScale أول جهاز تحليل التنفس يمكن ارتداؤه في جميع أنحاء العالم ويمكنه قياس مكونات الهواء المستنشق بسرعة وقياس التمثيل الغذائي، وهي قياسات مهمة تساعد الأطباء على تحسين صحة الشخص.
بيجاما eSkin
هذه “البيجاما الذكية” هي العنصر المثالي لكبار السن، فهي فضفاضة ومريحة وقادرة على اكتشاف السقوط ومراقبة النشاط العام وتتبع أنماط النوم.
هناك خياران للملابس في هذه المجموعة: ملابس النوم وملابس اعتيادية لخارج المنزل، تبدو ملابس النوم وكأنها ملابس رياضية وهي رائعة للارتداء اليومي في جميع أنحاء المنزل.
حزام متحسس للتوازن
يسقط الملايين من الناس كل عام، وبالنسبة للشخص العادي فإن السقوط لا يمثل خطورة على صحته، ولكن عند المسنين قد يسبب كارثة، خاصة إذا كان غير قادر على النهوض من تلقاء نفسه.
طورت شركة WELT Smart Belt Pro حزام متحسس للحد من هذا الخطر، من خلال تحليل أنماط المشي لمن يرتديه. ويمكن مشاركة البيانات من خلال الهواتف الذكية لمساعدة مقدمي الرعاية على مراقبة المرضى.
يبدو حزام Smart Belt Pro كحزام عادي مصنوع من الجلد الإيطالي مع إبزيم أوتوماتيكي من الفضة، يمكن أن يناسب أي شخص دون أن يبدو وكأنه جهاز طبي.
بطانية لمراقبة تقرحات الجلد
ابتكرت Empa بطانية مزودة بأجهزة استشعار الألياف البصرية، تعمل على مراقبة الجلد لمنع تقرحات الفراش، وكذلك مراقبة معدل ضربات القلب وتشارك البيانات مع مقدمي الرعاية الصحية.
الروبوتات الناعمة مدمجة في الملابس
يعمل الباحثون في جامعة بريستول على دمج الروبوتات اللينة في الملابس لدعم أولئك المعرضين للسقوط أو يواجهون صعوبة في صعود الدرج، فالروبوتات اللينة القابلة للارتداء لديها القدرة على تحسين العديد من هذه المشاكل وتقليل تكاليف الرعاية الصحية في نفس الوقت أيضًا.
قمصان لتخفيف الآلام
طورت شركات عدة قمصان تخفف من آلام الظهر المزمنة، وكذلك قمصان مزودة بأجهزة استشعار لمراقبة معدلات التنفس لدى المرضى الذين يعانون من أمراض الرئة المزمنة، وأحزمة البطن الناعمة التي تراقب تقلصات الرحم ومعدل ضربات قلب الجنين عند النساء الحوامل طوال اليوم.
قبعات لمراقبة مرضى الصرع
طورت جامعة ولاية أوهايو قبعات ذكية تخبر المريض المصاب بالصرع على الجلوس قبل تعرضه لنوبة من خلال تحليل نشاط الدماغ، وكذلك تعمل هذه القبعات على تعطيل الخلايا المسؤولة عن مرض باركنسون في الدماغ.
ضمادة تراقب شفاء الجرح
يعمل مختبر ElectroScience التابع لجامعة ولاية أوهايو على ضمادة ذكية تخبر الطبيب بمدى شفاء الأنسجة الموجودة تحتها دون إزالة الضمادة، وهو ما يرفع عناء تبديل ضمادة الجرح باستمرار للكشف على الجرح.
ابتكارات ذكية خلال أزمة كورونا
خواتم ذكية
يرتدي الكادر الطبي في صالات الطوارئ بسان فرانسيسكو “الحلقات الذكية” التي ترصد درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب والتنفس لكشف علامات الإنذار المبكر لعدوى الفيروس التاجي.
تم إصدار حلقات Oura في الأصل عام 2019 كأجهزة لمراقبة النوم، وهي عبارة عن إكسسوارات صغيرة بحجم خاتم الزفاف تتناسب مع الإصبع وتجمع مجموعة من البيانات البيومترية، بما في ذلك درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب ومعدل التنفس.
مقياس حرارة متصل بالإنترنت يتنبأ بفيروس كورونا
تقول شركة Kinsa Health إنها تستخدم موازين الحرارة المتصلة بالإنترنت للتنبؤ بانتشار الفيروس، وباعت أكثر من مليون مقياس حرارة ذكي، وبالتالي يمكنها تسجيل الحمى عن بعد.
قال إندر سينغ، مؤسس الشركة، إن بيانات مقياس الحرارة “تعمل كنظام إنذار مبكر لانتشار المرض”.
من أكثر أعراض العدوى بفيروس كوفيد 19 شيوعًا الحمى، إذ يعاني نحو 90% من المرضى من هذا المرض وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
تنبأت مقاييس الشركة بأن ولايات فلوريدا وميشيغان وأريزونا وشرق تكساس ستصبح بؤر للمرض قبل أن تظهر بها حالات كثيرة اعتمادًا على تسجيلات مقاييسها.
ختامًا
تتوقع دراسة استقصائية أجرتها Bain & Company مؤخرًا زيادة بنسبة 40% (من 17% إلى 57%) عند الأطباء الذين يستخدمون شكلًا من أشكال التطبيب عن بعد خلال العامين المقبلين.
ومع ازدياد إقبال الناس على التطبيب عن بُعد خاصةً بعد تخوف الناس من مراجعة المؤسسات الصحية تحسبًا لنقلهم عدوى معينة، تبرز الحاجة إلى أهمية التوسع والتطوير في هذا القطاع النامي.