ترجمة وتحرير: نون بوست
بهاتف جوال، يتقصى رجل الطريق مستخدما إحدى تطبيقات الخرائط الرقمية، ويتلقى بهاتف آخر تعليمات من مجموعة من المهربين لتجاوز حواجز الشرطة الموجودة على طريقه في إسطنبول. هكذا يضع “السلطان”، وهو قائد إحدى أكبر مجموعات مافيا تهريب البشر في تركيا، اللاجئين على أول الطريق نحو اليونان.
على الرغم من السمعة السيئة التي تحظى بها عصابته، أصبح “السلطان” الملاذ الأول لأولئك الذين خابت آمالهم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والملاذ الأخير لمن هم في أشد الحاجة للحصول على وثائق الإقامة القانونية في تركيا.
تتكون كل شبكة مهربين من حوالي 20 أو 30 “ريبر”، وهي كلمة كردية معناها “القائد”. وفي عالم التهريب، مهمة القائد هي نقل اللاجئين من دولة إلى أخرى. يقول المهربون إنهم يساعدون الأشخاص المعرضين للخطر وينقلونهم إلى أوروبا، بر الأمان، مقابل المال. ولكن حين توغل “ميدل إيست آي” مؤخرًا داخل أكبر شبكة تهريب في تركيا واليونان، كان شاهدا على حجم الإساءة التي يمارسها أولئك الذين يستغلون الأشخاص اليائسين، وكيف يمارسون عليهم أبشع صور التسلط.
السلطان ورجاله
تنقسم خدمات التهريب في تركيا إلى ثلاث فئات، وتهتم الفئة الأكبر والأعلى تكلفة بتزوير الوثائق، بما في ذلك جوازات السفر وأوراق الهوية، ونقل اللاجئ أو المهاجر عبر المطارات إلى أوروبا مقابل مبلغ يتراوح بين 8 آلاف و 15 ألف يورو (8775 – 16.450 دولارًا).
ومقابل رسوم تتراوح بين حوالي 2،200 دولار و 6،600 دولار، توفر الفئة الثانية خدمات النقل عبر البحر باتجاه اليونان انطلاقا من نقاط التقاء في مقاطعتي إزمير وبودروم. ويكسب “السلطان” ما يتراوح بين ألف دولار وأكثر من ثلاثة آلاف دولار لنقل اللاجئين عن طريق البر من إسطنبول في تركيا إلى تسالونيك في اليونان.
إلى جانب أخويه المسؤولين عن إدارة شبكات تهريب أخرى، يعتبر السلطان الأقوى في إسطنبول. على مر السنين، أصبحت تركيا بوابة لملايين اللاجئين وطالبي اللجوء المتجهين نحو أوروبا، وأصبح المهربون بديلاً للسفارات وقنصليات الدول الأوروبية التي تستغرق وقتًا طويلاً للنظر في طلبات اللجوء.
في الواقع، أسس السلطان، الذي فر من سوريا مع عائلته في سنة 2011، شبكة التهريب الخاصة به بعد أن أدت الفترة التي قضاها كمهرب في شبكات أخرى إلى اعتقاله عدة مرات في كل من تركيا واليونان. على شاكلة السلطان، يخفي زعماء عصابات التهريب أسماءهم الحقيقية ويتحدثون بشرط عدم الكشف عن هويتهم، وكشف أحدهم لـ “ميدل إيست آي” أنه يكسب 100 يورو (110 دولارات) عن كل يوم عمل على الحدود التركية اليونانية.
أفاد مهرب ثان قائلا: “عندما غادرت إدلب نحو تركيا، لم أعثر على أي عمل. سأجني بعض المال هنا ثم أترك هذا العمل القذر”. ويقول مهرب آخر بأن الأموال التي يجمعونها لن تفيدهم في حال قُبض عليهم، حيث يتعرض المهربون لعقوبات مشددة في تركيا واليونان.
استقطاب اللاجئين
يمتلك السلطان شبكة من الوسطاء على أرض الواقع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لجذب اللاجئين. بعد الاتصال، يلتقي الوسطاء مع اللاجئين في مقهى شعبي في منطقة الفاتح في وسط إسطنبول، يشار إليها أحيانًا باسم “سوريا الصغيرة”، حيث يقع الاتفاق على تكاليف النقل وطريقة الدفع. تُستلم الأموال نقدًا أو عن طريق طرف ثالث يتمثل عادةً في مكتب تأمين أموال تكون مهمته تسليم العملة للمهرب عندما يصل اللاجئ إلى وجهته.
على الرغم من المظهر الرسمي الخادع، ترتبط المكاتب سرًا بالمهربين في الواقع، وتحصل على نسبة من الرسوم، حسب المبلغ الذي يدفعه طالبو اللجوء. وقد علم موقع ميديل إيست أن حصّة الوسيط تبلغ 100 يورو لكل لاجئ. بعد إبرام الاتفاق، يقع توزيع اللاجئين بين أربع شقق في منطقة كناريا، حيث يقيم معظم معاوني السلطان الذين يخبرونهم بأن وصول السيارات لنقلهم إلى الحدود اليونانية لن يستغرق سوى ساعات قليلة.
لتجنب إثارة الشكوك، يستخدم المهربون سيارات فاخرة، بعضها مسروق أو تحمل ألواحا زائفة. على غرار المهربين الآخرين، يستخدم السلطان “المستطلعين” لتأمين الطريق، حيث تجوب السيارات العادية إسطنبول وتقدم تقارير عبر الهاتف لإعطاء تعليمات حول الطرق ونقاط التفتيش والكمائن ودوريات الشرطة المكلفة بالقبض على المهربين والمركبات التي تقل اللاجئين.
عائلة تحت الابتزاز
في هذا الإطار، أجرى ميدل إيست آي مقابلة مع عائلة نجت من العنف المتصاعد في سوريا ووجدت نفسها في ظروف صعبة. منذ أكثر من أسبوع، كانت الأسرة مقيمة في غرفة في شقة يشغلها في الوقت ذاته مهربون كانوا يحاولون ابتزاز أموالهم. أوضح رب الأسرة خلال حواره مع ميدل إيست آي، شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلا: “دفعت أموالا للوسيط، لكن السلطان يقول إنه لم يستلم كامل المبلغ”.
علاوة على ذلك، هددهم المهربون قائلين إنهم إذا غادروا المنزل، فإنهم سيخسرون الأموال التي دفعوها ولن تتوفر سيارة لنقلهم. أضاف المصدر: “إذا غادرت المنزل، فسوف أفقد المال الذي دفعته بالتأكيد، لذلك يجب أن أنتظر وصول السيارات”.
لم تجب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على أسئلة ميدل إيست آي حول الظروف التي يعيشها اللاجئون في تركيا وعلى الحدود التركية اليونانية
كما وقع تنبيه الأسرة لضرورة تقييد تحركاتها في المنطقة التي يوجد بها المبنى حتى لا يثيروا الشكوك من حولهم. لكن، يمكن أن يخرج فرد واحد فقط من العائلة. بسبب عدم رغبته في ترك زوجته بمفردها في الشقة، كان الرجل يعطي المال إلى المهربين من أجل اقتناء الضروريات، غير أنهم يأخذون ضعف سعر المنتجات التي تحتاجها الأسرة. أردف المصدر قائلا: “إنهم يأخذون ضعف سعر حليب الأطفال، لكنني أخشى أن أترك زوجتي وحدها في الغرفة داخل منزل يقيم فيه 10 مهربين على الأقل”.
في هذه الأثناء، تلقت لاجئة سورية أخرى لا تملك المال لتعبر مع أطفالها إلى اليونان، وهي تعيش في مبنى السلطان نفسه وعصابته، عروضا غير مرغوب فيها. قال لها أحد المهربين عبر الهاتف: “سنتزوج قريبًا، وسنعيش في اليونان وننتقل إلى أوروبا”. في معظم الأحيان، يعمل المهربون وشركاؤهم تحت تأثير المخدرات، مثل ميثامبيتامين آيس أو الكابتاجون، والتي يقولون إنها تساعدهم على الصمود في الرحلات الطويلة عبر الغابات نحو اليونان، وهي رحلات تكون غالبًا في جو بارد وأحيانًا خلال العواصف.
خدع قذرة
في السياق ذاته، أكد مهرب عاد مؤخرا صحبة اثنين آخرين من مطعم فاخر، حيث تناولوا وجبة طعام ثم فروا دون دفع الفاتورة، أن هذه “المدينة شاسعة ولا يمكنهم الإمساك بنا”. وعندما دخل مهربان إلى غرفة يسكنها لاجئون شباب، طلبوا هاتفًا لإرشاد سائق جديد إلى الشقة. من هذا المكان، سينقل الرجل الجديد الجميع إلى الحدود. بعد مرور نصف ساعة، عاد أحدهم بدعوى أن الشرطة طاردتهم واعتقلت السائق والمهرب الذي كان يحمل الهاتف. غالبًا ما يستخدم المهربون مثل هذه الحيل.
لم تجب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على أسئلة ميدل إيست آي حول الظروف التي يعيشها اللاجئون في تركيا وعلى الحدود التركية اليونانية. وتعتبر تركيا الموطن الأكبر للاجئين في العالم، حيث تستضيف حاليا حوالي أربعة ملايين لاجئ، منهم 3.6 مليون سوري، وفقًا للمفوضية.
المصدر: ميدل إيست آي