ترجمة وتحرير نون بوست
الـ 100 سنة الماضية كانت قرن الجينز الأزرق والكوكاكولا ومادونا، مثّلت قيه أمريكا مقياسًا للروعة وكنا مرتبطين بدوافعها لنحدد قربنا من الحداثة، لكننا لم نعد كذلك في القرن العشرين الآن، لقد تغير العالم وتم استبدال الهيبة الأمريكية بدونالد ترامب.
أصبحت إفريقيا تفيض بأفلام الزومبي من نيجيريا والمسلسلات الدرامية الطويلة من جنوب إفريقيا، أما منطقة المحيط الهادئ الآسيوية فترى السينما الإندونيسية كما لم تكن من قبل.
في عالم تتعددت فيه الأقطاب بشكل متزايد ويدفع فيه مختلف الممثلين بأجندات مختلفة، انتهت فكرة الثقافة الأمريكية كحاكم للثقافة العالمية، في كتابها الجديد “ملوك العالم الجدد: رسائل من بوليوود وديزي والبوب الكوري” تقدم الروائية والصحافية الباكستانية فاطمة بوتو تفاصيل الظاهرة الثقافية الجديدة التي تنهض من الشرق وتجتاح العالم في 3 مقالات تشكل الكتاب>
ربما لم تمت هوليوود بعد، لكن العروض التركية – المعروفة شعبيًا باسم “ديزي” – وبوليوود أو السينما الهندية الشعبية وموسيقي البوب من كوريا الجنوبية في طليعة مواجهة سحر القوة الناعمة الأمريكية.
تقول بوتو في مقدمة كتابها: “أن تكون أمريكيًا لا يعني أنك تنتمي بعد الآن للنخبة الثقافية المتبجحة”، يتحدث معظم كتاب بوتو عن الهند وبوليوود ويضم لمحة شخصية عن ملك بوليوود: شاه روخ خان.
تعد الدراما التركية ثاني أكبر إنتاج في العالم ويضم مشاهدين من أكثر من 100 دولة
كان لبوليوود جمهور عالمي منذ عقود بدأ بالاتحاد السوفيتي السابق وشمال إفريقيا وكذلك الشرق الأوسط، وفي خمسينيات القرن الماضي استورد رجال الأعمال اللبنانيين الذين يعيشون في نيجيريا أفلام بوليوود للبلاد.
تتحدث بوتو في مقالها الثاني عن الصعود العالمي للمسلسلات التليفزيونية التركية التي كانت جذابة بشكل خاص، قطعت مسلسلات الديزي التركية شوطًا طويلًا منذ الثمانينيات رغم أنها تتبني شكلًا بطيئًا للرواية القصصية، لكن تركيزهم على الموسيقي والأشكال المرئية المتنوعة لرواية القصة ميزهم عن المسلسلات الروائية الطويلة والروايات التليفزيونية، فكل حلقة في حد ذاتها تشكل ملحمة (يصل طول الحلقة لساعتين).
“ديزي” تحقق التوازن المثالي
تعد الدراما التركية ثاني أكبر إنتاج في العالم ويضم مشاهدين من أكثر من 100 دولة من أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط وشبه القارة الآسيوية بترجمات متاحة للغات الإسبانية والفارسية والعربية والإيطالية، لكنها ليست منتشرة في العالم الناطق باللغة الإنجليزية.
تقول بوتو: “تنتشر العروض التركية في شبه القارة الآسيوية وخارجها لأن أبطالها متمدنون لكنهم ليسوا غربيين، ومدفوعين بسلطة القيم الصالحة”، وتضيف أن قدرة الدراما التركية على تصوير الحياة الحديثة دون محاكاة للقيم الأمريكية أو الغربية جعلها مميزة، لقد حققوا التوازن المثالي بين الحداثة العلمانية والمبادئ المتحفظة للطبقة المتوسطة.
نادرًا ما تقدم الدراما التركية نساءً محجبات مثل الحجاب الذي ترتديه العديد من النساء في تركيا مما يعكس التوترات الثقافية، كذلك عرضهم للحبكات الدرامية القديمة للحب بين الطبقات المختلفة، الأكثر من ذلك أن براعة هذا النوع في أن يكون مترادفًا مع القضايا البشرية والمجتمعية في تركيا، مثيرًا لمحادثات عن الدين والقومية والجنس والعنف والتاريخ العثماني، جعل له جاذبية عالمية.
هناك عدة أسباب لذلك، بينما يدور التليفزيون الأمريكي حول الأفراد وتقديم نظرة خاطفة عن الوحدة أو هواجس العمل والثروة والسلطة كنموذج لحياة المدينة، تقول بوتو إن الدراما التركية تحفزها روايات تضع القيم والمبادئ في معركة ضد الفساد العاطفي والروحي للعالم الحديث.
لوحة إعلانية عن المسلسل التركي “السلطان” في سنتياغو، تشيلي
تقول بوتو: “لم تكن الدراما التاريخية التركية تدور حول حروب في الأراضي المسلمة مثل المسلسل الأمريكي “Homeland” أو قصص نارية ملحمية ضد الغزاة المسلمين: في تلك الدراما كان المسلمون ملوكًا”.
يحكي مسلسل “ما خطأ فاطمة غول؟” عن امرأة شجاعة تسعى لطلب العدالة بعد معاناتها للاغتصاب الجماعي على يد حفنة من الشباب الأغنياء، أما مسلسل “القرن العظيم” فيحكي قصة حب بين السلطان ومحظيته لكنه يتحدث حقًا عن رحلتها من العبودية إلى أن تصبح ملكة الإمبراطورية.
وبالمثل، بينما تتجه العروض الأمريكية نحو التساؤلات عن الحب والجنس وتأخذ الجمهور إلى عوالم مستقبلية أو عوالم بائسة، فإن الدراما التركية أكثر ارتباطًا وتقدم نسخة للحياة التي يطمح إليها الجمهور.
تلاحظ بوتو أن جمهور أمريكا اللاتينية أصبح متعبًا من العروض المرتبطة بالمخدرات والمحتوى الجنسي القادم من جيرانهم في أمريكا الشمالية، لذا أصبحت الدراما التركية عنصرًا أساسيًا في المشاهدة العائلية.
قبل أن تنتشر الدراما التركية في الشرق الأوسط وتسرق الانتباه عن شهر رمضان (الذي تزدهر فيه الأعمال الدرامية العربية) أو تسبب حالات طلاق كثيرة، كانت الأعمال التليفزيونية المكسيكية والبرازيلية تحتل شاشات بعض الدول مثل لبنان.
أصبح الحديث المتشكك في الطموحات الإمبريالية التركية موضوعًا متكررًا
الأكثر من ذلك أنها أصبحت أدوات هائلة للقوة الناعمة التركية، وأصبح الحديث المتشكك في الطموحات التركية العالمية موضوعًا متكررًا، يقول فنان صوتي لبناني لبوتو إن قيم الإنتاج التركية عالية للغاية حتى إن العرب الذين عادة ما يكونون قساة ضد التاريخ العثماني يسمحون لأنفسهم بتصديق تلك القصص كما لو أنها لهم.
أدى نجاح العروض في تقديم صورة لتركيا إلى اتجاه الدولة نحو فحص تلك المواد وتمثيلها للبلاد، فكل قناة تقدم عرضًا يكرم نضال الدولة المستمر ضد الأعداء والخونة داخل البلاد وخارجها.
تقول إسي ألجان من معهد الإعلام والصناعات الإبداعية في جامعة لوبورو في لندن: “لقد استغلت الدولة التركية التليفزيون التركي بشكل مباشر وغير مباشر من حين لآخر بسبب مخاوفها بشأن صورة تركيا في تلك الأعمال”.
أدى الحصار السعودي لقطر (الذي قدمت فيه تركيا المساعدة لقطر) إلى منع الأعمال التركية من بعض الشاشات في الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يمنع السياح من السعودية والإمارات من السفر إلى إسطنبول.
لكن تحليل بوتو كُتب قبل النجاح المدوي لمسلسل “قيامة أرطغرل” الذي يحكي قصة ابن سليمان شاه ووالد عثمان مؤسس الإمبراطورية العثمانية، الذي استحوذ على عقول المسلمين وغير المسلمين من جميع أنحاء العالم.
يختلف “قيامة أرطغرل” مع العديد من الأسباب التي تفسر نجاح الدراما التركية، حيث يتمسك بشدة بالقيم الإسلامية بما في ذلك الصلاة والملابس والفلسفة وتصويره للحرب في ظلال الفروسية، لكن نجاح المسلسل يشير إلى تقدم نوعي في الدراما التركية.
تعد بوليوود ظلًا لذاتها السابقة فهي قومية متطرفة ومفعمة بالحيوية وإباحية في تصويرها للثروة والفائض
إذا كانت الدراما التركية قد وضعت تركيا على الخريطة الثقافية الحديثة كمضاد للقوة الناعمة الأمريكية، فإن أرطغرل انتشر بقوة بين المسلمين في الشرق الأوسط والعالم المتحدث بالإنجليزية كرمز للعدالة والقيادة.
في روايتها للحركة الثقافية الواسعة التي تجتاح العالم، تهتم بوتو بالغريب والمختلف الذي يجعل فصولها عن الدراما التركية وبوليوود كنزًا من الأسرار، فهي تقدم سلسلة من الملاحظات المهمة عن الروايات التي تقدم نخبة بوليوود بقيادة نجمها الكبير شاه روخ خان.
فعند الحديث عن دوره في توسع بوليوود في التسعينيات تصف بوتو أفلامه بأنها زواج غريب بين الخيال الهندي النيوليبرالي بشأن المال والسلطة والتأكيد الثقافي الواضح.
تعد بوليوود ظلًا لذاتها السابقة فهي قومية متطرفة ومفعمة بالحيوية وإباحية في تصويرها للثروة والفائض، رغم أنها ما زالت شعبية كبديل للسينما الأمريكية السائدة، إلا أنها أصبحت غير متميزة عن نظيرها الأمريكي.
فيما يتعلق بالبوب الكوري تسلط بوتو الضوء على تاريخ موسيقى البوب كصناعة نتجت بالكامل عن الاندفاع الاقتصادي لتوسع الصادرات الكورية، فقد وصفت البوب الكوري بأنه: “عاصفة كاملة للتاريخ الاستعماري والثقافة المتأمركة والنيوليبرالية”.
في موضوع متكرر خلال الكتاب، يبدو ملوك العالم الجدد بعدة طرق وكأنهم نسخ مختلفة غامضة للثقافة الأمريكية المعاد إنتاجها لتتكيف مع مجموعة من القيم المحلية التي تُعالج بعناية من أجل السوق العالمية، لكن بينما تسوق بوليوود والبوب الكوري القيم الآسيوية القديمة من خلال فقاعات فكاهية، فإن الدراما التركية تكفي كلا العالمين لتترك بصمتها.
المصدر: ميدل إيست آي