لم يعد السر سرًا: وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه” لديها مواقع سوداء وسجون سرية عاملة في بولندا، في وقت سابق من هذا الصيف، وقبل حوالي ستة أسابيع، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمًا يؤكد وجود مثل هذه السجون على الأراضي البولندية، وفي الوقت الذي أشادت فيه منظمات حقوق الإنسان الدولية بالحكم، قال مسئولون بولنديون وصحفيون بأن الحكم غير عادل تجاه بولندا، ويقول آخرون بأن الحكم قد يكون فرصة رسمية لبولندا في حل بعض قضاياها العالقة.
محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قررت أن بولندا انتهكت العديد من مواد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بما في ذلك حظر التعذيب والمعاملة غير الإنسانية للسجناء، والحق في الحرية والأمن والحق في محاكمة عادلة، فقد تعرض رجلان، فلسطيني يُدعى “أبو زبيدة”، وسعودي “يُدعى عبدالرحمن الناشري” إلى التعذيب في مركز اعتقال في بولندا، وبعد أن رفعا القضية إلى المحكمة الأوروبية قررت المحكمة منح المعتقلين الاثنين 130 ألف يورو، و100 ألف يورو على التوالي.
وقضت المحكمة ومقرها ستراسبورغ في فرنسا بأن بولندا انتهكت مواد في المعاهدة تحظر التعذيب وحق الحرية وحق أصحاب الدعوى الذين اعتُقلا في غوانتانامو في التحقيق بشكل حقيقي في مزاعمهما.
وقال القضاة الأوروبيون بالإجماع إن “بولندا تعاونت في تحضير وتطبيق عمليات التسليم والاعتقال السري والاستجواب من قبل السي آي ايه على أراضيها”، وأضافوا أن بولندا “تواطأت” في إخفاء تحركات طائرات استخدمت في نقل المعتقلين.
تشير الأدلة إلى أن السجون السرية عملت في قاعدة عسكرية قديمة في ستير كيكوتي Stare Kiejkuty بين 2002 و 2003، العمل التحقيقي الذي قامت به هيومان رايتس ووتش وصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أثبت وجود مواقع سوداء في 2005، ولاحقًا سرب ضباط مخابرات أمريكيون وبولنديون مجهولون تفاصيل أكثر للصحافة، ومع ذلك، واصلت الحكومات في الولايات المتحدة وفي بولندا إنكار حدوث أي تعذيب قامت به سي آي إيه في سجون سرية هناك.
رحبت مؤسسة هلسنكي، وهي منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان في بولندا بقرار المحكمة الذي تصدر عناوين الصحف في أوروبا والولايات المتحدة، وبالمثل أشادت منظمة العفو الدولية بالحكم ووصفته بأنه “علامة”، وأنه “تاريخي”.
Landmark rulings expose #Poland’s role in #CIA secret detention and torture https://t.co/MIbqjrAw4h
— AmnestyInternational (@amnestyusa) July 24, 2014
وفي الوقت نفسه شهدنا ردود أفعال متباينة من المسئولين السياسيين البولنديين، مثل التعبير عن العار بما حدث أو الإنكار العاطفي بغضب شديد، فقد قال برونيسلاف كوموروفسكي، الرئيس البولندي، إن الحكم “محرج لبولندا”، وقال إن الحكم من الممكن أن يلحق ضررًا بسمعة الدولة، وفي تصريح آخر وصف رئيس الوزراء السابق، ليسزيك ميلر، القرار بأنه ظالم وغير أخلاقي على حسابه على تويتر، فيما نقلت بعض المصادر أنه تهكم على الحكم قائلاً: إن بولندا لن تدفع شيئًا، وأن المال سيؤخذ من القرض الروسي.
Leszek Miller: Nie obawiam się kosztów kary za więzienia CIA w Polsce. Oddam z moskiewskiej pożyczki. https://t.co/VuAzWuXkf6
— @KWyszkowski (@KWyszkowski) July 26, 2014
ردود الأفعال في وسائل الإعلام البولندية تباينت كذلك، رفض توماس ليز، رئيس تحرير مجلة نيوزويك بولسكا، رفض إدانة وجود السجون السرية، فيما وصفت صحفية تُدعى جانينا بارادوسكا الأمر قائلة إن “الولايات المتحدة تحاول غسل يديها من عار السجون السرية، ويبدو أن بولندا تتحمل وحدها المسئولية”، من ناحية أخرى نشرت كاتبة عمود تُدعى “إيوا سيدليكا” مقالاً تتهم فيه مسئولي بولندا بعدم احترام حقوق الإنسان الأساسية.
الغريب أن حكم المحكمة لم يتم الالتفات له على الإنترنت من قبل المتابعين، وتلاشى بسرعة من عناوين الصحف؛ مما يطرح أسئلة حول دور الإعلام في التعمية أو تسليط الضوء على قضايا بعينها، وعلى مدى تحكم رؤوس الأموال والحكومات بالإعلام، وحتى على تبعية الإعلام الإلكتروني لأجندة المؤسسات الإعلامية الكبرى.
لكن بعض التعليقات التي نُشرت على الإنترنت عبرت عن الغضب أو عدم التصديق كما عبر عنه السياسيون، وقال بعضهم إن العلاقة بين الولايات المتحدة وبولندا هي علاقة قائمة على المنفعة من جانب واحد فقط، هو الجانب الأمريكي، وبالغ البعض في وصف العلاقة بأنها علاقة السيد والتابع.
تصاعدت أيضًا بعض الأصوات المنادية بمحاكمة الرئيس في ذلك الوقت، آلكسندر كفاسنيفسكي، ورئيس وزراءه ميلر، حيث إن تلك السجون تم بناءها أو تم تشغيلها في عهدهم وبموافقتهم.
نُشر هذا المقال بالإنجليزية في موقع أصوات عالمية