تواصل القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني الشرعية، حصارها مدينة ترهونة (غرب)، التي تعد رأس حربة العدوان الذي يشنه حفتر منذ أكثر من سنة على العاصمة طرابلس، من الشمال (عبر طرابلس ومدينة القره بوللي) ومن الشرق (مدينة مسلاتة) ومن الجنوب الغربي (غريان)، في مسعى منها لاستعادة السيطرة عليها.
تشديد الخناق على ترهونة
ترجع أهمية السيطرة على مدينة ترهونة (نحو 90 كيلومترًا جنوب شرق طرابلس) إلى كونها المعقل الرئيسي الذي كان يستخدمه اللواء المتقاعد خليفة حفتر لشن هجماته على العاصمة طرابلس، ومن شأن السيطرة عليها إنهاء وجود حفتر وقواته في الغرب الليبي بشكل كامل.
وتمثل مدينة ترهونة، وفق مدير إدارة التوجيه المعنوي في المنطقة الوسطى التابعة للمجلس الرئاسي ناصر القايد، آخر خطوط الإمداد للمحاور جنوب طرابلس، فأغلب الأسلحة خزنت فيها وما يجاورها خاصة بعد قطع خطوط الإمداد من جهة الشرق والوطية لذلك أصبحت خطوط الإمداد تنطلق منها وفق قول القايد، ويرى هذا الأخير أن السيطرة على ترهونة ستؤدي إلى قطع خط الإمداد النهائي لميليشيات حفتر.
وقبل أربعة أيام، أعلنت عملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبي، إطلاق عملية عسكرية شاملة للسيطرة على مدينة ترهونة الخاضعة لسيطرة ميليشيات خليفة حفتر، وطوقت قوات الوفاق ترهونة مثل الهلال (فكي كماشة).
جاء هذا التقدم المهم، بعد الانتصارات المتتالية لقوات الوفاق على حساب ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمرتزقة التابعين لها، وتحريرها العديد من المدن في غرب البلاد
تقدمت قوات الوفاق نحو مدينة ترهونة من سبعة محاور بمساندة سلاح الجو، والمحاور السبع التي أطلقتها قوات الوفاق تتمثل في: محور الزطارنة ومحور القره بوللي ومحور مسلاتة ومحور غريان ومحور طويشة، ومحور المشروع ومحور صلاح الدين.
بعد الإطباق على ترهونة من الشمال والشرق والغرب والجنوب الغربي، تركت قوات الوفاق لمليشيات حفتر منفذًا وحيدًا من الجنوب للانسحاب والهروب إلى مدينة بني وليد (180 كيلومترًا جنوب شرق طرابلس)، كما سمحت للجيوب الموجودة في أحياء جنوب طرابلس بالانسحاب أيضًا إلى خارج المدينة.
منذ بداية التقدم نحو ترهونة، حققت قوات الوفاق انتصارات مهمة، حيث تساقط رجال اللواء التاسع المدافعين عن المدينة، أسرى بالعشرات، بينهم قادة وضباط وعصابات السطو المسلح وقطاع طرق، كما حررت الوفاق عدة مناطق مثل الرواجح والعبانات، وتقدمت إلى داخل الحدود الإدارية لترهونة.
كما سيطرت قوات الوفاق على مناطق الشريدات والرواجح والحواتم وسوق الجمعة والمصابحة، شرق المدينة وشمالها، بالإضافة لتأمين كامل جنوب منطقة القربولي التي تربط ترهونة بالطريق الساحلي وتتاخم طرابلس من ناحية الشرق على مسافة 50 كيلومترًا.
انتصارات متتالية للوفاق
يعود هذا التقدم الميداني الكبير الذي أحرزته قوات حكومة الوفاق الوطني على حساب ميليشيات حفتر ووصولها إلى مشارف مدينة ترهونة، إلى تمكن الوفاق من السيطرة على سماء المعركة وإحراز تفوق جوي على قوات حفتر.
جاء هذا التقدم المهم، بعد الانتصارات المتتالية لقوات الوفاق على حساب ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمرتزقة التابعين لها، وتحريرها العديد من المدن في غرب البلاد، حتى تمكنت من إحكام سيطرتها على كامل الطريق الساحلي إلى غاية زوارة الحدودية مع تونس.
ترجع هذه الانتصارات المتتالية إلى دخول الطائرات التركية المسيرة من نوع “بيرقدار TB2” (Bayraktar TB2) لمعركة طرابلس، واستخدام أنظمة التشويش التي نقلتها تركيا إلى ليبيا في أوائل فبراير/شباط الماضي، وكانت حكومة الوفاق قد أطلقت يوم 25 من مارس/آذار الماضي، عملية “عاصفة السلام”، ردًا على عمليات قصف قوات حفتر للأحياء والمنشآت المدنية في طرابلس.
بداية نهاية المشروع الإماراتي المصري في ليبيا
تواصل حصار ترهونة وقرب سقوطها في أيدي قوات عملية السلام، سيكون له تداعيات كبيرة على حفتر وحلفائه في المنطقة، خاصة أنه خسر في الفترة الأخير العديد المدن الممتدة على كامل البقعة الجغرافية من طرابلس حتى حدود تونس، وخسر معها سماء المعركة بعد دخول السلاح التركي.
هذا التقدم لصالح قوات الوفاق المعترف بها دوليًا، سيعجل بفشل مشروع حفتر للسيطرة على ليبيا ومن ثم تقسيمها وفرض نظام عسكري فيها، استجابة لرغبة حلفائه على رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر.
هذه الانتصارات المتتالية لحكومة الوفاق الشرعية ودخول تركيا على الخط، من شأنها أن تعيد ترتيب سير المعركة في البلاد
ويسعى المصريون والإماراتيون إلى أن تكون لهم القدرة على لعب دور محوري في ليبيا، والتأثير بالقرار السيادي للبلاد والاستفادة من موارده الباطنية، حيث يحتوي هذا البلد العربي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاته بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا، ويعتبر النفط مصدر الدخل الأساسي للبلاد، فقد مثل قبل اندلاع الثورة الليبية 95% من عائدات الصادرات الليبية.
لتحقيق ذلك، يعمل هذا الحلف على تقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية، ما من شأنه تعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في البلاد، وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية إن دولتي الإمارات ومصر ارتكبتا جرائم حرب في ليبيا بموجب الاتفاقات الدولية.
وتدعم القاهرة وأبو ظبي، حليفهما حفتر دبلوماسيًا وعسكريًا، حيث سبق أن أكدت تقارير استخباراتية وأممية تدفق أطنان من الأسلحة بشكل متكرر إلى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتمركزة في شرق البلاد، التي تسعى منذ أكثر من سنة إلى احتلال العاصمة طرابلس مقر حكومة الوفاق الشرعية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية.
هذه الأسلحة تأتي من الإمارات ومصر على وجه الخصوص، سواء برًا عبر الحدود المصرية مع ليبيا أم جوًا من أبو ظبي عبر أجواء السعودية إلى مطار العقبة الأردني ومنه إلى قاعدة “الخادم” الجوية بشرق ليبيا، دون أن تتدخل العملية الأوروبية لإيقافها، والهدف من ذلك تغليب كفة حفتر على حساب قوات الوفاق.
ساهمت الإمارات ومصر في تفكيك ليبيا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، بمعية حليفهما خليفة حفتر الذي لا يتوانى عن فعل أي شيء يضر بمصلحة بلاده ويصب في مصلحته الخاصة، وفقًا لعدد من الليبيين، إلا أن هذا الحلف في طريقه لخسارة الامتيازات التي يملكها في ليبيا.
هذه الانتصارات المتتالية لحكومة الوفاق الشرعية ودخول تركيا على الخط، من شأنها أن تعيد ترتيب سير المعركة في البلاد، ما يعجل بانتهاء مهمة حفتر هناك الرامية إلى تقويض جهود السلام وعسكرة البلاد وتقسيمها، وبالتالي بداية نهاية المشروع الإماراتي المصري في ليبيا.