خلال شهر أبريل/نيسان المنصرم فقط سُجل أكثر من 20 هجومًا نفذه تنظيم داعش في مدن شمال ووسط وغرب العراق (الأنبار، نينوى، صلاح الدين، ديالى، كركوك) ضد القوات والمصالح العراقية، وذلك في تطور لافت وتصاعد مستمر للهجمات وازدياد المخاطر منذ هزيمته وإعلان الانتصار عليه في ديسمبر 2017.
أسباب العودة
تنشغل حكومة تصريف الأمور اليومية المستقيلة والقوى السياسية والأحزاب بمشاورات تشكيل الحكومة الجديدة والتنافس على المكاسب والحصص والوزارات، كأولوية على الملف الأمني بعودة عمليات داعش في مدن شمالية وغربية وعلى الملف الصحي جراء انتشار فيروس كورونا، بالإضافة لعجزها عن السيطرة على الميليشيات الولائية المنتشرة في الجنوب على الحدود السعودية.
إن من أهم الأسباب الكثيرة التي رفعت الخناق عن داعش ومنحته فرصة للمناورة في مساحات شاسعة، انتشار وباء كورونا وإعادة التموضع الذي اتبعته قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية في العراق، وذلك بعد عجز الحكومة العراقية عن وضع حد للميليشيات الولائية التي نفذت أكثر من 30 هجومًا على المصالح الأمريكية والتحالف الدولي منذ أكتوبر 2019، فقد انسحبت قوات التحالف من 5 معسكرات كانت على تماس مع مناطق هجينة ووعرة وتنشط فيها خلايا التنظيم، فهو قادر على تنظيم صفوفه عند أي فرصة.
من جهة أخرى، منحت وزارة الدفاع العراقية إجازة لنصف أفرادها من أجل احتواء وباء كورونا والانسحاب من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية لفرض حظر التجوال في المدن العراقية، ناهيك بعدم قدرة القوات العراقية على خوض المعارك الاستخبارية وتنفيذ الاستطلاع الجوي دون التحالف الدولي الذي يعتمد عليه العراق بشكل كبير في مواجهة التنظيم منذ تراجع العمليات القتالية والاعتماد على الجهد الاستخباري.
إن المقاربة الأخطر من التغيرات الميدانية والتكتيكية للقوات العراقية والتحالف الدولي، هو الارتباط الوثيق بين عودة الإرهاب والفساد في المؤسسات الأمنية، فقط رصدت تقارير محلية ودولية خروج عناصر داعش من السجون بمبالغ كبيرة بسبب ضباط فاسدين، كما رصدت غنى وثراء الكثير من المحققين ومسؤولي المفارز الأمنية والضباط على المنافذ الحدودية وبين المدن، وهذا كفيل بعودة الإرهاب، فالفساد ينخر مؤسسات الدولة وسيشكل خطرًا كبيرًا على أمنها واستقرارها مستقبلًا وليس فقط تسجيل خروقات في هذه المدينة أو تلك، وقد يتكرر اجتياح داعش لمدن أو قرى كما حصل مع الموصل، فالفساد هو السمة الأبرز والعامل الأهم في سقوطها بيد التنظيم سابقًا وهو كفيل بعودة نشاط التنظيم وتنفيذ عملياته.
توظيف عودة داعش
إن إصرار الميليشيات على انسحاب القوات الأمريكية وادعائها بقدرتها على فرض الأمن دون التحالف الدولي، اتضح أنه كلام للاستهلاك الإعلامي فقط وبعيد حتى عن مهام هذه الميليشيات، فتنظيم داعش ينشط في شمال العراق بالمناطق الريفية والمفتوحة بينما هم يوجدون في حواضر المدن السنية ويرفضون الانسحاب منها، فهم لم يساهموا في مواجهته والحد من هجماته الأخيرة، كما ينتشرون على جانبي الحدود مع سوريا لنقل السلاح والقيام بالمهام الاستخبارية المساندة لفيلق القدس الإيراني في دعم وإسناد النظام السوري والميليشيات المساندة له، ناهيك بالانتشار قرب الحدود السعودية الآمنة والبعيدة عن وجود داعش فيها.
عودة التنظيم ستخدم هذه الميليشيات بالبقاء في المدن واستمرار أعمالهم الميليشياوية بحجة عودة التنظيم، فانتهاء خطر داعش في المرحلة السابقة فتح الباب أمام الحديث عن سلاح الميليشيات ولا بد من حصره بيد الدولة وهو ما رفضته جملةً وتفصيلًا وربطه بخروج قوات التحالف الدولي.
في ذات السياق، عودة داعش ستخفف الضغط على هذه الميليشيات التي أصبحت في مواجهة محدودة مع القوات الأمريكية وهي تحلم بإعادة فكرة التخادم معها لمواجهة عدو مشترك “داعش” كما حصل في فترة الحرب على التنظيم بين 2015 – 2017.
كما أن عودة هجمات داعش في هذه الفترة ستخدم القوات الأمريكية أيضًا، لأن القوى الشيعية التي صوتت في البرلمان على قرار إخراجها من العراق غفلت موضوع مواجهة داعش في قرارها البرلماني – غير الملزم – وأهمية المساعدة التقنية والاستخبارية التي تقدمها لصالح الحرب على داعش، خاصة أن هناك حوارًا شاملًا في منتصف يونيو 2020 بين بغداد وواشنطن الذي سيتضمن صيغة الوجود الأمريكي، ومن الجيد بالنسبة لهم إجراء المفاوضات على أصوات تفجيرات داعش وهجماتها!