تحذيرات جديدة أطلقها حقوقيون بشأن تصاعد التخوفات من وصول فيروس كورونا المستجد إلى السجون ومقرات الاحتجاز المصرية، لافتين إلى أن تلك الأماكن الأكثر جاهزية لأن تصبح بؤرا لا تتوقف عن نشر الوباء في كل ربوع مصر، نظرًا لما تمثله السجون في مصر من تربة خصبة لتفشي الفيروس، ليس داخل تلك الأماكن المغلقة وحدها، بل لكافة مناطق البلاد.
المتحدث باسم حملة “خرجوا المساجين”، مسعد البربري، قال إنه بعد ظهور مرض كورونا في العديد من القرى المصرية بمختلف المحافظات أصبح الخطر يقترب بشدة من المعتقلين داخل السجون ومقار الاحتجاز، حيث ينتمي غالبية الجنود وأفراد الأمن والموظفين العاملين بمصلحة السجون إلى الريف المصري، وذلك بحسب بيان له نشره موقع “عربي 21”.
تتناغم تلك التحذيرات مع ما طالب به بعض النشطاء الحكومة المصرية بضرورة اتخاذ التدابير الكافية مثل “الإفراج الشرطي وإخراج كبار السن والمرضى بعفو صحي، وتطبيق قانون الحبس الاحتياطي مع التدابير الاحترازية، وإخلاء السبيل مع المنع من السفر”.
وتعتمد حملة “خرجوا المساجين” في عملها على الجهود التطوعية من المهتمين بالشأن الحقوقي من أجل نقل صوت ألاف المعتقلين المصريين للعالم، وتم إطلاقها قبل شهرين عن طريق عدد من المعتقلين السابقين، الذين قضوا بعض الوقت داخل السجون المصرية فهم الأجدر على نقل معاناة من بالداخل.
وبحسب الأرقام الرسمية، بلغ إجمالي عدد الإصابات بالفيروس في مصر حتى أمس الأربعاء 22 إبريل 2020 قرابة 3659 حالة، فيما زادت حصيلة الوفيات إلى 276 حالة، أما إجمالي المتعافين من الفيروس فقد وصل 935، بعد خروج 65 من المصابين من مستشفيات العزل والحجر الصحي، بينهم أجنبيان، وفق بيان وزارة الصحة المصرية.
مناشدات دون استجابة
“في لحظةٍ يجب على الجميع فيها أن ينسوا خلافاتهم وأن يتضامنوا أمام وباء لا يفرق بينهم، وفي ضوء خطورته الشديدة على كبار السن والمرضى وأهمية العزلة الاجتماعية لمنع انتشاره، ستكون خطوةً إنسانية فارقة إذا تم الإفراج عن سجناء الرأي والمحبوسين احتياطيًا وغيرهم ممن تستدعي حالاتهم كذلك”.. بهذه التغريدة التي نشرها على صفحته على موقع تويتر، سلط مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، محمد البرادعي، الضوء على أزمة المعتقلين ومخاوف تعرضهم للإصابة بالفيروس.
الموقف ذاته تبناه النائب البرلماني، أحمد الطنطاوي، والذي طالب في نداء له نشره على صفحته الرسمية على فيس بوك، النائب العام بإصدار قرار بالإفراج الفوري عن كل محبوس احتياطيًا تجاوز ١٥٠ يوم دون حكم قضائي، واستبداله بالتدابير الاحترازية الأخري المنصوص عليها في القانون، مع استمرار التحقيقات في النيابات المختصة.. والتأكيد بصفة عامة علي العودة إلي الأصل في القانون باعتبار الحبس الاحتياطي (تدبير احترازي) وليس عقوبة في حد ذاته، وذلك وفقًا ﻟﻠﻤﺎﺩﺓ ١٣٤ ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ الجنائية.
كذلك طالبه بالإفراج الفوري عن المحبوسين والمحتجزين على ذمة قضايا رأى، والسياسيين، وذلك لا يشمل بطبيعة الحال المتورطين في ارتكاب أعمال عنف، مع اتخاذ التدابير والضمانات القانونية اللازمة، بجانب مناشدة رئيس الجمهورية بإصدار عفو عام عن الحالات الحرجة من المرضي والمسنين من غير المتورطين في ارتكاب أعمال إرهابية أو إجرامية خطرة.
غير أن تلك المناشدات وغيرها ممن أطلقها حقوقيون ونشطاء لم تؤت ثمارها، حيث لم تجد أي صدى لدى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يبدوا أنه لم يضع في حسبانه حياة ألالاف داخل السجون، مكتفيًا بالإجراءات العادية المتخذة والتي من الواضح أنها لم تحقق الهدف المنشود منها في ظل عدم تجاوب قطاع كبير من الشعب بها.
أما فيما يتعلق بالوضع داخل السجون المصرية فإن التقارير الحقوقية على مدار الأعوام الأخيرة كشفت ما آل إليه من تدني على كافة المستويات، حيث تصل نسبة التكدس في بعض السجون إلى 150% فيما تتعدى حاجز الـ 300% من سعته الطبيعية، وذلك وفقا لتقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان لعام 2016
في تقرير سابق لـ”نون بوست” استعرض من خلال ثلاث شهادات مختلفة لمعتقلين سابقين، كيف أن السجون المصرية باءت تربة خصبة لتفشي الوباء حال تركها على حالتها الراهنة دون تدخل سريع من الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
ومن بين الشهادات التي تطرق إليها التقرير كانت لسيف الإسلام عيد، باحث العلوم السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والمعتقل السابق في السجون المصرية، حيث وصف ظروف احتجازه في قسم شرطة كفر الدوار، يناير/كانون الثاني 2014، بقوله إنه كان “في زنزانةٍ عرضها ثمانين سنتيمترًا، وطولها لا يتعدى المترين ونصف المتر، مع 19 من المعتقلين، ينقص العدد أحيانًا ويزيد أحيانًا أخرى، ولا يدخل الهواء إلا من نافذة مغلقة، بسلك شائك في أعلى الزنزانة، وليس فيها مصدر للضوء إلا من خارجها، إضافة إلى صنبور كان مصدر الماء الذي ينقطع أكثر مما يأتي، وحفرة لقضاء الحاجة يسمونها “حمامًا””.
دعوة للإفراج الفوري
المتحدث باسم حملة “خرجوا المساجين” شدًد في بيانه على ضرورة الإفراج الفوري عن المساجين، لافتا إلى تكرار الحديث في الأونة الأخيرة عن منع عدد من المجندين بالجيش من الحضور لثكناتهم العسكرية، بسبب تفشي الفيروس في القرى التي يقطنون بها، الأمر الذي يجعل من انتشار الوباء للمعتقلين مسألة وقت.
وأضاف أنه في ظل تواضع الخدمات الصحية المقدمة، والنقص الحاد في المستلزمات الطبية داخل السجون، مع استمرار الاختلاط بين المجندين بالمساجين، فإن الأمور ربما تصل إلى كارثة لايمكن تداركها، داعيًا إلى الإفراج عن “كبار السن، والمرضى، باعتبارهم الفئات الأكثر عرضة للإصابة والأكثر احتمالية للوفاة.
وحذّر من أنه “في حال ظهور كورونا داخل السجون سينتشر هذا الفيروس اللعين كالنار في الهشيم في مئات الآلاف من السجناء الجنائيين والسياسيين، وبعد تفشيه حتما سينتقل إلى أفراد وضباط وموظفي الأمن بالسجون، والذين يتواصلون بدورهم مع المجتمع الخارجي بما يشكل تهديدا حقيقيا وخطيرا على الجميع سواء من هم داخل السجون أو من هم خارجه”.
وفي ختام بيانه استعرض تجارب الدول الأخرى في هذا الشأن، ذاكرًا بعض الحكومات التي أفرجت عن مسجونيها تعاطيًا مع جائحة كورونا بكل مسئولية وبعيدًا عن أي عناد أو مكابرة سياسية تهدد حياة الآلاف من أبناء الوطن، متسائلا: “ما الذي منع السلطات المصرية من الإفراج عن السجناء؟ وما الذي ينتظرونه حتى يلجأوا لتلك الخطوة؟ ولماذا يصر النظام على منع أي تواصل مع السجناء؟”.
الخطر يقترب
في منتصف مارس الماضي، نشر موقع “عربي 21” وثيقة عسكرية تحمل درجة “سري جدا”، تكشف المناطق “الموبوءة” في مصر بفيروس كورونا المستجد، حيث أصدرت هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية تعميما لكل وحدات الجيش بشأن المحافظات التي انتشر فيها كورونا، وهي المنوفية (شمالي القاهرة)، ودمياط (شمالي القاهرة)، والإسكندرية (شمالي القاهرة)، والمنيا (صعيد مصر)، وقنا (صعيد مصر)، وإزاء تلك المناطق، قررت المؤسسة العسكرية اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الفيروس داخل صفوف أفرادها من قادة وضباط ومجندين.
من جهته، قال الباحث بالشأن العسكري في المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمود جمال، إن “هذه الوثيقة تثبت تماما انعدام الشفافية لدى المؤسسة العسكرية ونظام السيسي بشكل عام في التعاطي مع أزمة كورونا”، متسائلا: “لماذا لم يتم الإعلان رسميا عن تلك المناطق الموبوءة في مصر بكورونا؟ وهل هذا خطر داهم على الأمن القومي؟ وهل الجيش لا يعبأ بأرواح المصريين المدنيين ولا يهمه سوى حياة العسكريين وفقط؟”.
وشدًد في تصريح له أن “هذا النهج الذي تتبعه القوات المسلحة في خداع أفرادها وعموم الشعب، وحجب الحقائق والمعلومات ينذر بكارثة خطيرة للغاية قد تتكشف ملامحها خلال الأيام المقبلة”، مُطالبا النظام بضرورة الإفصاح عن كل المعلومات وعدم حجبها بأي صورة من الصور.
وفي 26 مارس الماضي نشرت “الجزيرة” رسالة مسربة لأحد سجناء سجن العقرب، تكشف عن إصابة بعض السجناء بفيروس كورونا، ورغم أنهم أخبروا إدارة السجن بهذه الواقعة لإنقاذهم، لكن أحدًا لم يتحرك، وبدلا من مساعدة المسجونين كان الابتعاد عنهم وتجنب الاحتكاك بهم من قبل الضباط والحرس هو الحل
الأمر ذاته أشارت إليه التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، حيث نقلت عن مصادر خاصة وجود ثلاث حالات اشتباه في الإصابة بكورونا داخل سجن تحقيق طرة، حيث تم نقلهم إلى مستشفى حميات العباسية، في ظل إغلاق مستشفى السجن وخوف الأطباء من التعامل معهم.
خطة طوارئ
وأمام رفض السلطات المصرية المناشدات الحقوقية للإفراج عنهم، اعتمد المعتقلون داخل السجون “خطة طوارئ” كمحاولة للاحتراز من انتشار الفيروس بينهم، واتباع وسائل لمنع تفشي الفيروس، واعتمادهم في ذلك على الأطباء المعتقلين معهم في سجونهم، وذلك وفق تصريحات مصادر من داخل ثلاثة سجون مصرية (سجن بمجمع طرة، وسجن بدلتا النيل، وسجن بمحافظة جنوبية) نقلتها “الجزيرة”
وأفاد مصدر في أحد سجون مجمع طرة بأنه، وبعد التأكد من عدم تجاوب السلطات مع المناشدات المتكررة للإفراج الشرْطي، أو تهيئة أجواء تساعد على الاحتراز من الوباء؛ توافق المعتقلون على اختيار لجنة إدارة أزمة مكونة في معظمها من أطباء، وأقرت خطة تعتمد على المتاح.
وأمام منع السلطات إدخال الأدوية ومستلزمات النظافة، أوضح المصدر أن اللجنة عملت على حصر جميع ما هو متوفر من مستلزمات التعقيم والتطهير، والأدوية اللازمة مما هو متاح لدى المعتقلين، ووضعت خطة تساعد على الاستفادة منها بالشكل الأمثل للجميع.
وفي حالة فشل مساعي الضغط على إدارة السجن لعزل من تظهر عليهم الأعراض، فإن المعتقلين يعتمدون هنا على أنفسهم، حيث يخضعون المشتبه فيه للعزل داخل ركن محدد من الزنزانة لمدة أسبوعين، حتى يمثل للشفاء، بحسب تصريحاتهم.
وهكذا.. في الوقت الذي تجنب فيه كافة الدول أي خلافات داخلية من أجل التصدي لوباء كورونا، حتى لو تطلب الأمر الإفراج المؤقت عن المساجين والمعتقلين، يبقى الأمر في مصر علامة استفهام كبيرة في انتظار الإجابة، حيث الإصرار الشديد على الإبقاء على تلك الوضعية المزرية داخل تلك المناطق المعرضة في أي وقت لأن تكون بؤرًا لتفشي للفيروس.