قبل 7 أشهر من الآن، ندّد رئيس الحكومة المعترف بها دوليًا في ليبيا فايز السراج من على منبر الأمم المتحدة، بالتدخل “المشبوه” لدولة الإمارات العربية المتحدة في بلاده، حيث قال حينها إن هذه الدولة العربية سمحت لنفسها بأن تكون منصة إعلامية لمليشيات خليفة حفتر المناهضة للشرعية الأممية.
رغم هذا الاتهام المباشر، لم تكُفّ الإمارات عن تدخّلها في ليبيا ودعم من وصفه السرّاج بمجرم الحرب واللواء المتمرد خليفة حفتر، حتى عاد وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية فتحي باشاغا مجدّدا إلى اتهام الإمارات بالتدخّل في بلاده والتسبّب في الفوضى.
الإمارات خطر على ليبيا
باشاغا، قال أمس إن دولة الإمارات “سبب الكوارث في ليبيا كلها، وإنها تريد استمرار الفوضى فيها إلى ما لانهاية”، ودعا الوزير باشاغا في مؤتمر صحفي بطرابلس المجتمع الدولي إلى إدراك أن الإمارات تضر ليبيا عن طريق دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالسلاح وتأمين العقود العسكرية له.
وأشار المسؤول الليبي إلى أن الإمارات نفذت مشروعًا في عامي 2016 و2017 لتجفيف السيولة في ليبيا، وأن لديها مشروع آخر لتعميق الأزمة الاقتصادية، وضرب الاستقرار في بلاده. وأضاف أن “الإمارات تعدت وأضرت كثيرًا بليبيا بإمدادها حفتر بالسلاح إلى جانب تأمينها له العقود العسكرية من روسيا”.
مباشرة مع انطلاق الثورة الليبية سنة 2011، بدأ حكّام الإمارات حربهم “الضروس” ضد موجة التحرّر التي عرفها الشارع الليبي آنذاك
أضاف فتحي باشاغا “الإمارات ترى في صالحها عدم استقرار ليبيا، كونها تشكل خطرًا اقتصاديًا كبيرًا عليها إذا استقرت وحصل فيها نمو”. وتابع “على العالم أن يعي أن غنى الإمارات الفاحش وحركة الأموال لديها التي تصرف هنا وهناك دون مراقبة عالمية سببت مأساة لليبيا”.
وذكر باشاغا أن لدى حفتر أكثر من عشرين منظومة دفاع جوي نوع “بانتسير” روسية الصنع والتي تهدد أمن الطيران المدني، فضلًا عن رصدهم أكثر من 20 رحلة جوية من سوريا إلى بنغازي لتحميل السلاح والذخيرة، في الأسبوع الماضي وحده، وجميعها بتمويل إماراتي.
دعم متعدّد الأوجه
وزير الداخلية الليبي، قال علنًا ما كان يُقال في الخفاء، فالجميع يعلن أنه منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في فبراير/شباط 2011، بدأت الإمارات بقيادة محمد بن زايد بتنفيذ أجندات مشبوهة في ليبيا وذلك بصفة مباشرة أو عن طريق حلفائها على الأرض وأهمهم خليفة حفتر، وذلك في إطار عدائها الكبير لثورات الربيع العربي.
مباشرة مع انطلاق الثورة الليبية سنة 2011، بدأ حكّام الإمارات حربهم “الضروس” ضد موجة التحرّر التي عرفها الشارع الليبي آنذاك، مستعملين لأجل ذلك كلّ الإمكانيات، المالية والدبلوماسية والعسكرية وحتى الإعلامية.
عسكريًا
منذ وضع قَدمها في ليبيا، قدّمت دولة الإمارات دعما عسكريا كبيرا للواء المتقاعد خليفة حفتر -أبرز حليف لها هناك- في انتهاك مباشر لقرار حظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا الصادر في 2011.
قدّمت الإمارات لقوات حفتر، مروحيات قتالية وطائرات حربية وطائرات مسيرة ومولدات طائرات وقذائف مدفعية، كما أرسلت له عربات مدرعة، كما زوّدت دولة الإمارات حليفها منظومة بانتسر الروسية للدفاع الجوي، ضمن الجسر الجوي الذي تسيره نحو ليبيا منذ بدء الهجوم على طرابلس لنقل العتاد العسكري لحليفها في الشرق الليبي.
فضلًا عن ذلك، أرسلت الإمارات قوات لدعم حليفها ميدانيًا، وتتمركز هذه القوات شرق البلاد في قاعدة الخادم بمنطقة الخروبة، كما انتقل جزء منها إلى قاعدة الجفرة، حيث تم تأسيس غرفة تحكم قبل أن تقصفها القوات التابعة لحكومة الوفاق في يونيو/حزيران الماضي.
وتوجد أغلب القوات الإماراتية في غرف التحكم والسيطرة، ويقتصر دورها على تسيير الطائرات المسيرة وبعض الخطط الإستراتيجية، وتقديم الدعم اللوجستي لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي تفتقر إلى الإمكانات والخبرة.
إلى جانب ذلك، أشرفت أبو ظبي على جلبت المرتزقة الروس والأفارقة لليبيا، فهي من موّلت جلب مرتزقة الجنجويد السودانيين للقتال إلى جانب مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي تتهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في حقّ الليبيين.
دعم دبلوماسي
فضلًا عن الدعم العسكري، تقدّم الإمارات دعمًا دبلوماسيًا كبيرًا لحفتر، فقد عملت في أكثر من مرة على تقديم حفتر كأنه المتحكم الفعلي في البلاد وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة هناك، وأن لا قرار يمكن أن ينفّذ في ليبيا دون موافقته.
كما عملت على شراء ذمم مبعوثي الأمم المتحدة لليبيا لخدمة حليفها وبرنامجه، كما حصل مع غسان سلامة وقبله برنادينو ليون، وها هي الآن أقنعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراض على تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة مبعوثًا أمميًا جديدًا في ليبيا، على اعتبار أنه غير موات بما فيه الكفاية لحفتر.
دعم إعلامي
لم تكتف الإمارات بهذا، فقد تحوّلت إلى منصة إعلامية لدعم حفتر وميليشياته والمرتزقة العاملين معه إعلاميًا، فهي تحتضن عديد المؤسسات الإعلامية التي تعمل خصيصًا لضرب الثورة الليبية وحلم الشعب الليبي في نشأة دولة ديمقراطية تعددية مدنية.
تورط الإمارات العربية المتحدة في الأزمة الليبية تسعى من خلاله إلى فرض نفسها بين القوى الكبر
وتصف هذه المؤسسات ميليشيات حفتر بالجيش الليبي الوطني، فيما تصف قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا بالميليشيات، كما أنها دائمًا ما تفتح برامجها لدعم روايات حفتر والدفاع عنه وعن قواته المتهمة بارتكاب جرائم حرب.
كوارث متعدّدة
هذا الدعم الإماراتي السخي لحفتر، تسبّب في كوراث عدّة في ليبيا، بدأ بإضعاف الحكومة المركزية في طرابلس التي لا يمكن التلاعب بها لدعم نفوذها الخاص، وفتح الطريق أمام المجموعات المسلحة للسيطرة على العديد من المناطق كما حصل في شرق البلاد وجنوبها.
كما ساهمت الإمارات أيضا بتقسيم السلطة في ليبيا فنتيجة هذا الدعم والتدخّل الإماراتي يوجد في ليبيا حكومتين واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، وتأمل الإمارات أن يكون هذا الوضع دائم وتضاف لهم حكومة في الجنوب وبذلك تقسّم البلاد إلى ثلاث أقاليم، حتى يسهل السيطرة عليها.
علاوة على ذلك، تسبّب الإمارات في مقتل المئات من المدنيين العزل في ليبيا، حيث سبق أن قصفت طائراتها مسيرة إماراتية تجمعات سكانية وتعليمية من بينها قصف الكلية العسكرية في العاصمة طرابلس؛ ما أودى بحياة ثلاثين طالبًا وأصاب 33 آخرين، كما تسبّب في تشريد الآلاف خارج البلاد ونزوح مثلهم أو أكثر داخلها.
هذا الدعم الإماراتي، كان سببًا مباشرًا لخرق حفتر قرارات الأمم المتحدّة وأهمها قرار حظر ارسال الأسلحة لليبيا، وخرقه عمليات التهدئة المعلن عنها في أكثر من مرة، وتجاوزه مقرّرات مؤتمر برلين الذي عقد بداية هذه السنة.
إلى جانب ذلك، ساهم التدخّل الإماراتي في ليبيا في تدمير البنية التحتية في البلاد خاصة المرافق الأساسية من بنوك ومراكز بريد ومدارس وجامعات ومراكز وموانئ بحرية ومطارات، ما جعل الوضع في هذا البلد العربي يعود إلى الوراء بعد أن كان سكانه يأملون في غد أفضل بعد سقوط نظام القذافي سنة 2011.
تسعى الإمارات العربية المتحدة من خلال الأزمة الليبية إلى فرض نفسها بين القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والصين، إذ ترى أن موانئ ليبيا البحرية التي تسيطر عليها وثرواتها الباطنية بوابة لذلك، وللوصول إلى هدفها يستباح القيام بكلّ شيء حتى تدمير البلاد وتقتيل أهلها وتشريدهم.