يُخيّلُ للسامع أن حرفاً سقطَ من آخر لفظة “المجاني”، وغالب الظن أنّه حرف النون، وقد يخيّلُ إليه أنّ خطأً إملائياً جعل الغينَ جيماً، فالكلمة المرادة هي “المغاني” أو تكون “المعاني”، وما بين هذه الأخيلةِ الظانّةِ باللفظةِ أخطاءً، تدنو آفاقُ الأدب وتكاد تحاصر المتلقي لولا نوافذُ ومحطّاتٌ تنفتحُ على ضفاف الجمال وتعبر بالمشاهدِ عبر بحور الشعر إلى تالدٍ عظيم من التراث، وطارف كريم من الأدب المعاصر، بجسرٍ أدبيّ يربط الماضي بالحاضر، والقديم بالجديد، ليجني السامع والمشاهدُ قطوفَ الأدب الدانيات، ومعانيَ الشعرِ واتصاله بالشاعر وتفاصيل الحياة، في صورة استدعاء للسياق الزمني والظروف التي عاش فيها النصُّ، وها هو اليومَ يولد بيننا من جديد.
في المجاني، يتنقّلُ الحوار بين الأفراد بسلاسة وإمتاع، كما تتنقّل الحلقات بين الشعراء، ففي كلّ حلقة شاعر واحد، يدور حوله القول، وفيه يطيب للنثرِ أن يباري الشعر، في محاولة لتقديم مادّةٍ تطرب لها النفس الإنسانية ويزدهي بآثارها العقل.
وفي المجاني قد تُطلق الأحكام والآراء، وقد تقيّد كذلك، فما عُرفَ عن الشاعر يُعين على فهمِه وإدراك فنّهِ، وما خفيَ عنه كانَ مما حاولت أن تتناولَه المحاوِرُ وتصطادَ في ماء الشكِّ فيه، وقد تخبطُ فيه خبطَ عشواء، أو تشدُّ المتابعَ ليقولَ قولتَه هو، بعيداً عن القطعية في الرأي، وقريباً من النصِّ لا سواه.
وفي المجاني تكثر الرياحين والبساتين، فيمر الوقت سريعاً، خفيفاً نظيفاً، كأنه ضيفٌ عابرٌ لطيف، أو هو وجْدٌ حالمٌ شفيف، إلى درجة أن المتابع قد يحتارُ من الشعر وجنونه، ومن الأدب وفنونه، فيرى الضيوفَ والمتحاورين وهم يقفون في صف الشاعر حيناً، أو على ضفّةٍ مقابلة، أو يتناثرون على ضِفافٍ مختلفة، ومواقفَ متباينة، كلٌّ منهم يرسمُ للشاعرِ صورتَهُ، بألوانِ الشاعرِ وتعابيره وتصاويره.
وفي المجاني لم نكن ضيوفاً عليه، ولم يكن ضيفاً علينا، كنّا جميعاً في ضيافة الأدب الخلّاق، والتراثِ الإنسانيّ الثريّ الذي خلّفته آداب اللغة العربية، وصافحتْ به حاضرَها الحزين، فكانت عبر امتدادٍ زمني عميق، وجهاً من وجوهِ الحضارةِ العربية والإسلامية، أشرقتْ به على هذا العالم، حاملةً قيم الإنسان في صورة تعبير غنيّة، وإشراقة تفكير جَنيّة.
في المجاني يطل عليكم على قناة الحوار في شهر رمضان ضمن باقة برامجها الرمضانية