لفظ شيخ الحقوقيين السعوديين المعتقل عبد الله الحامد أنفاسه الأخيرة فجر اليوم الجمعة، في سجن الحائر بالرياض، وفق حساب “معتقلي الرأي” المعني بحقوق الموقوفين بالسعودية. وتوفي الحامد عن عمر يناهز 70 سنة نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد الذي أوصله إلى جلطة دماغية أودت بحياته.
اغتيال متعمد
حساب معتقلي الرأي، اعتبر وفاة الحقوقي عبد الله الحامد في السجن بمثابة “اغتيال متعمد”، وذلك نتيجة تركه لساعات في غيبوبة قبل نقله للمستشفى، وقد أصيب الدكتور عبدالله الحامد، بجلطة في الدماغ في 9 أبريل/نيسان الحالي، دخل على إثرها في حالة غيبوبة بوحدة العناية المركزة في مستشفى الشميسي بالرياض، وفق منظمة العفو الدولية.
ويعاني الدكتور عبد الله الحامد من ارتفاع ضغط الدم، وقد أخبره الطبيب، قبل ثلاثة أشهر، أنه بحاجة إلى لإجراء عملية جراحية في القلب في الأشهر المقبلة، وقد هددته سلطات السجن بأنه إذا أخبر عائلته عن حالته الصحية، فسوف تقطع اتصاله بعائلته.
يطلق على الراحل عبد الله الحامد لقب “شيخ الحقوقيين السعوديين”، لما قدّمه في هذا المجال
رفضت السلطات السعودية إجراء عملية له، وأعادته للسجن في ظروف صحية صعبة وعرضته لضغوط نفسية كبيرة، حيث تم منعه من الاتصال والزيارة لعدة مرات، ولم يسمح للحامد إخبار أسرته أو أي أحد في الخارج بحالته الصحية، وقد سبق أن أخذت تعهدات على عدد من أفراد أسرته بعدم الحديث عن أي أمر يخص الحامد، وفرضت رقابة مكثفة على مكالماته وأيضًا حديثه مع بقية النزلاء خشية تسرب أمر تردي حالته الصحية للخارج.
وقد طالبت العديد من المنظمات الحقوقية منها منظمة العفو الدولية السلطات السعودية بضرورة الإفراج فورا عن الدكتور عبد الله الحامد دون قيد أو شرط فما كان ينبغي لهم أصلا أن يزجوا به في السجن لمجرد ممارسته لحقوقه الإنسانية بصورة سلمية، إلا أن السعوديين لم يستجبوا لطلبهم، ما عجّل تدهور الحالة الصحية لعبد الله الحامد.
أطلق حساب “معتقلي الرأي” يوم أمس تحذيرات خطيرة مما وصفه بمحاولة متعمدة لتصفية عدد من الرموز الوطنية السعودية داخل معتقلات آل سعود، وقال الحقوقي الموثق قال في سلسلة تغريدات له بتويتر إن رموزا وطنية “كبرى”، مثل عبد الله الحامد وسعود مختار الهاشمي، يتعرضون لاستهداف متعمد من قبل السلطات من خلال الإهمال والإيذاء النفسي، مما قد يشكل محاولة متعمدة لتصفيتهم جسديا داخل السجن”.
وسبق أن اتهمت منظمة “ٱلْقِسْطِ لدعم حقوق الإنسان”، السلطات السعودية بإهمال الحامد -والذي يسمى أبو الإصلاح- وقالت إنه تعرض لكمّ كبير من الانتهاكات المتكررة من قبل السلطات التي سجنته قرابة السبع مرات كان آخرها سجنه الحالي الذي بدأ في 9 مارس 2013.
وأكّدت المنظمة الحقوقية السعودية أن “الحامد” تعرض للتعذيب الشديد في مرات سجنه السابقة حتى فقد سمعه في إحدى أذنيه نتيجة الضرب المتكرر على وجهه أثناء التحقيقات، وتعمدت مؤخرًا وضعه في سجون غير ملائمة لتضييق عليه، كوضعه في سجن لا يتحدث فيه أحد من السجناء العربية، ووضعه في سجن جنائي مع أصحاب قضايا جنائية كبرى.
دخل الدكتور عبد الله الحامد في فبراير/ شباط الماضي في إضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله، وعلى سوء المعاملة التي يتعرض لها رفقة عدد من الدعاة والمشايخ ونشطاء حقوق الإنسان في السجون. وطالب الحامد السلطات السعودية في بيان أصدره من داخل السجن ، حينها، بإطلاق سراح جميع نُشطاء العمل السلمي والديمقراطية، وكافة أصحاب الرأي والمُعتقلين تعسفيا.
وهذه الحالة ليست الأولى بسجون المملكة، إذ سبق أن توفي العديد من المعتقلين في السجون السعودية، ففي يناير/كانون الثاني 2019، توفي الشيخ أحمد العماري، عميد كلية القرآن الكريم بجامعة المدينة المنورة سابقاً؛ جراء جلطة دماغية داخل السجن، دون تعقيب من السلطات آنذاك، كما توفي الداعية السعودي صالح الضميري، بأحد سجون المملكة، وفق حقوقيين، السبت 3 أغسطس/آب 2019، كما توفي في نفس الشهر المعتقل أحمد الشايع في سجن الطرفية.
ويقبع في السجون السعودية منذ سنوات، مئات المعتقلين، المئات منهم من المرضى والطاعنين في السن، ومن الدعاة والحقوقيين المعتقلين في السعودية، الشيخ سلمان العودة، بالإضافة إلى الشيخ خالد الراشد والحقوقيين فهد القحطاني ووليد أبو الخير.
وتمنع الرياض منظمات حقوق الإنسان من الاطلاع على أوضاع سجنائها خصوصا الحقوقيين والدعاة والسياسيين منهم، وتفرض المملكة العربية السعودية تكتماً شديدا على هذا الملف، كما سبق أن رفضت مطالبة عدة منظمات حقوقية عالمية بتحسين ظروف المعتقلين والإفراج عنهم.
شيخ الحقوقيين السعوديين
يطلق على الراحل عبد الله الحامد لقب “شيخ الحقوقيين السعوديين”، لما قدّمه في هذا المجال، فهو عضو مؤسس في جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) التي تمّ حلّها في 9 مارس/آذار 2013 ومصادرة أملاكها فورا بناء على حكم صادر عن المحكمة الجزائية بالرياض.
يعتبر “الحامد” الحاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الأزهر، أحد أبرز الوجوه الداعية للإصلاح بالمملكة، أوقفته السلطات في مارس/آذار 2013، وحكمت عليه بالسجن 11 عاما، دون توضيح سبب الحكم، وقد كان أحد الإصلاحيين الثلاثة الذي اعتقلوا في مارس 2004.
وكان عبد الله الحامد ضمن مجموعة من 116 شخصا رفعوا عريضة في ديسمبر/كانون الأول 2003 إلى مسؤولين سعوديين كبار دعوا فيها لإصلاح دستوري شامل يضمن مشاركة شعبية من خلال برلمان منتخب يعترف بالحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين والفصل بين السلطات الثلاث.
أثناء الفترة التي قضاها خارج السجون، تعرض عبد الله الحامد لمضايقات كثيرة من السلطات السعودية نتيجة عمله الحقوقي
حكمت المحكمة حينها بالسجن سبع سنوات بحق عبد الله الحامد، وقد اتهم بالدعوة إلى “قيام ملكية دستورية واستخدام مصطلحات غربية في طلبهم إجراء تغييرات سياسية في المملكة” حسب ممثلي النيابة العامة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يعتقل فيها “الحامد“، حيث اعتقل أول مرة في 16 يونيو/ حزيران 1993 مع الدكتور محمد المسعري، ثم لحقهم بعد ذلك عشرون من أعضاء لجنة حقوق الإنسان وفصل على إثر ذلك من الجامعة.
واعتقل مرة ثانية، سنة 1994، ومرة ثالثة سنة 1995، وكانت أهم الأسئلة في التحقيق هي عبارته في كتابه (حقوق الإنسان) التي قال فيها: “لا صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام”، أما الرابعة فالتي تحدّثنا عنها صحبة باقي الإصلاحيين سنة 2004، أما الخامسة فكانت في 8 مارس/أذار 2008 على خلفية موقفه المؤيد لعدد من نساء بريدة للاعتصام السلمي، وفي المرة السادسة وافته المنية وهو في السجن.
أثناء الفترة التي قضاها خارج السجون، تعرض عبد الله الحامد لمضايقات كثيرة من السلطات السعودية نتيجة عمله الحقوقي، إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة نشاطه والدفاع عن حقوق الإنسان في المملكة، فقد شارك في عدد كبير من الأنشطة الإصلاحية وله عدد كبير من المحاضرات والندوات والمقالات والمؤلفات الداعية للإصلاح.
كما كتب “الحامد” بشكل موسع عن حقوق الإنسان واستقلال القضاء في المملكة العربية السعودية، وقد عمل أستاذاً للأدب المعاصر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، قبل أن يتم فصله بسبب نشاطه، من مؤلفاته “في الشعر المعاصر في المملكة العربية السعودية” و”حقوق الإنسان بين عدل الإسلام وجور الحكام”.
سبق أن رشح الحامد لنيل جائزة نوبل للسلام، وفي سبتمبر 2018 فاز بالتشارك مع رفيقه الدكتور محمد القحطاني والناشط وليد أبو الخير بجائزة رايت ليفيلهوود، المعروفة باسم “جائزة نوبل البديلة”، في مارس 2020 فاز بالتشارك مع رفاقه في جمعية حسم بالجائزة الحقوقية الأبرز في هولندا المعروفة بـ خوزين بينينغ.