دولة قطر هي دولة مستقلة ذات سيادة، حكمها آل ثاني منذ القرن التاسع عشر، حصلت قطر على استقلالها في الثالث من شهر سبتمبر من عام 1971، ويعد الأمير الحالي الشيخ “تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني” الحاكم التاسع في تسلسل الأسرة الحاكمة، وقد تولى السلطة في 25 من يونيو 2013 بعد تنازل والده أمير قطر السابق “حمد بن خليفة آل ثاني” عن الحكم، في سابقة من نوعها وبعد أن قام بتحقيق إنجازات متعددة قام خلالها بتوثيق وتقوية العلاقات مع دول كثيرة من ضمنها دول الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأمريكية.
عند الحديث عن قوة أي دولة فلابد من الحديث عن نوعين من مقومات هذه القوة، ألا وهي المقومات الداخلية والخارجية، وبالنسبة لدولة قطر فإنها شبه جزيرة صغيرة بين عملاقي الخليج إيران والسعودية، ولم تدخل التاريخ بإنجازات كبيرة إلا في الأعوام الأخيرة، بل إن منتقديها عندما يريدون النيل منها لا يبدأون حديثهم إلا بسؤال استصغاري “من هي قطر هل ترى بالعين المجردة؟” كم عدد سكانها كم مساحتها؟
صحيح أن مساحة قطر 11 ألف كيلومتر مربع، وأن عدد سكانها لا يصل إلى 2 مليون أغلبهم ليسوا قطريي الأصل، إلا أن الإمارة منذ مجئ الأمير السابق “حمد بن خليفة” إلى الحكم في 1996 انتهجت سياسات داخلية وخارجية تدريجية عوضت من خلالها مشاكل السكان والجغرافيا، فأسست لأقوى فضائية عربية على الإطلاق واستطاعت أن تصل إلى أعلى مستوى لدخل الفرد في العالم وتحافظ عليه حتى الآن، لم تفتأ عملياتها الاقتصادية تنافس بقوة حتى أصبحت تمتلك بنوك وعقارات ضخمة وأندية رياضية في قلب أوروبا، وعلى مستوى التعليم والبنية التحتية وشركات طيرانها وفنادقها وملاعبها فإنها تتفوق على عدد كبير من الدول.
وبالرغم من أن هناك انتقادات لها في مواضيع الديمقراطية كغيرها من الدول التي تعتمد النظام الملكي أو الأميري كدول الخليج إلا أنها تقول إنها تسعى لعمل إصلاحات لكنها تبقى تدور في فلك النظام الأميري، وعلى صعيد السياسة الخارجية فإن أصعب الأسئلة تكمن في هذا الملف تحديدًا، فقد استطاعت قطر جذب الأنظار إلى دورها ليتساءل العالم من هي قطر؟ كيف تتوسط بين أمريكا وطالبان؟ كيف تجرؤ أن تخرج من طوع السعودية وتحسن علاقاتها مع إيران؟ كيف كانت تحتفظ بعلاقة مع إيران وإسرائيل في نفس الوقت؟ كيف نجحت في وساطاتها في اليمن والسودان وفلسطين ولبنان؟
تتلخص الإجابة على هذا السؤال بغض النظر عن أنه قد لا يقنع من يرى بأن قطر تنفذ أجندة أمريكية بكل التفاصيل، والواقع أن قطر أدركت طبيعة التوازنات الدولية وقامت بتأمين نفسها من خلال علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة وعقدت اتفاقيات أمنية، وحاولت ونجحت في أن تستفيد من هوامش الحركة بل ومساحاتها في انتهاج سياسات تخدم مصالح المنطقة التي عاشت طويلاً في ظل غياب دور دول عربية كبيرة همشت نفسها بنفسها، ومضت قطر بنشاط دبلوماسي كبير وحثيث وكونت شبكة علاقات واسعة مكنتها من القيام بأدوار الوساطة وساعدها في ذلك مقوماتها الاقتصادية الكبيرة وأدواتها الإعلامية الناجحة.
جاءت الفرصة تسعى إلى قطر على أقدامها عندما حدث الربيع العربي أواخر 2010 لتكون أول دولة تتخذ موقفًا إيجابيًا من الربيع العربي وأكثرها تميزًا، وتقوم فضائيتها بتغطية للربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن ووصفت بأنها ساهمت في دعم الربيع العربي، الذي خلق لها أعداء من فلول الأنظمة التي قامت عليها الثورات لتنتقل من مرحلة الوساطة للدخول كطرف واضح بالرغم من أنها ما زالت تقول إنها تدعم الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا وفق خيارات شعوبها.
بدت قطر مع بداية عام 2013 وكأنها أكبر الرابحين على مستوى العالم العربي وبدأ الحديث عن تحالفات ودعمت قطر اقتصادات الحكومات الناشئة بعد الربيع العربي، غير أن الثورات المضادة وتعثر مسارات الربيع العربي جعل الأمور تبدو في غير مسارها الصحيح وأن كل ما حققته قطر سينقلب عبئًا عليها وستكون في واجهة المدفع أمام أولئك الذين يريدون الانتقام من دورها الذي يقولون إنهم صبروا عليه كثيرًا!
وقفت قطر أمام التزاماتها بدعم الربيع العربي وتعرضت لحملات تشويهية وتحريضية ضخمة ولم تقبل بالمحاولات الرامية لوأد الربيع العربي؛ مما وضعها أمام ضغوط وتحديات كبيرة في جوارها الخليجي وعلاقاتها العربية، وتحديدًا في مارس 2014 قامت 3 دول خليجية أبرزها السعودية بسحب سفرائها من الدوحة في سابقة من نوعها لتدخل قطر دوامة الخلاف الخليجي بعد أن تجاوزته في السنوات الماضية، وبالرغم من أن قطر تتبنى سياسة حكيمة تجاه هذا الملف وتسعى لحله بأسرع وقت إلا أن هذا الملف مقيد بعقبات واشتراطات من شأنها أن تعيد ترتيب كافة الملفات ليست في قطر بل في المنطقة كلها.
وفي أهم ملفات المنطقة أثبتت قطر أنها على قدر المسئولية تجاه القضية الفلسطينية فأغلقت المكتب التجاري الإسرائيلي بعد الحرب على غزة نهاية 2008، ودعت لقمة غزة الطارئة في الدوحة وبذلت جهودًا مضنية لإتمام المصالحة الفلسطينية ونجحت في التوصل إليها وما زالت تتابع هذا الملف من خلال عقد لقاءات متواصلة بين قيادتي فتح وحماس وتقدم قطر دعمًا اقتصاديًا وإغاثيًا للسلطة الفلسطينية وقطاع غزة بشكل كبير؛ مما جعلها تتعرض مؤخرًا لهجوم إسرائيلي مكثف من قبل الحكومة الإسرائيلية بسبب دورها السياسي والإعلامي خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة الغربية.
وفي السياق الخارجي لم تتوقف قطر عند حدود المنطقة العربية فكونت علاقات نموذجية
مع تركيا واستطاعتا أن تتوصلا لتفاهمات كبيرة وتوافق مشترك تجاه القضايا المختلفة، كما أن قطر أسست لفضاءات أكبر في علاقاتها خارج المنطقة العربية في أفريقيا وأوروبا وأسيا، وما زالت محافظة على جودة علاقاتها مع الولايات المتحدة بالرغم من اختلاف المواقف في أحيان كثيرة خاصة تجاه موقف الدوحة من حركة حماس التي تعتبرها واشنطن حركة إرهابية.
نستطيع القول إن قطر وصلت لمستوى عال من التقدم على الصعيد الداخلي في التعليم والبنية التحتية والاقتصاد والإعلام وباتت وجهة معروفة وصاحبة دور ملموس في معظم ملفات المنطقة مؤكدة على نجاحها في تجاوز مدرسة النظريات السياسية التي لا تحترم إلا المساحات الشاسعة والأعداد الكبيرة من السكان، لتبرهن على إمكانية النجاح من خلال الارتكاز على المقومات الاقتصادية والإعلامية والسلوك القيادي لتصل إلى سياسة خارجية رائدة، لكن الإشكاليات الحالية التي تواجهها قطر لا تقلل أبدًا من حجم إنجازها السابق ولا تشير إلى عدم صوابية سياستها من وجهة نظري، إنما تضعها أمام اختبار جديد لتثبت من خلاله أنها بعد 40 عامًا قد بلغت أشدها ولكن عليها أن تستمر في قول “ربي أوزعني أن أشكر نعمتك عليّ” ولتمض في طريق العمل لصالحها ولصالح الأمة وهو طريق لم يكن يومًا من السهولة بمكان ولا تنس هي ولا جيرانها العرب أن كتاب التاريخ سيسجل كل المواقف والسياسات.