يتميز شهر رمضان المبارك بالعادات والطقوس المختلفة من حيث المأكولات والحلويات الشهيرة التي يشتهر بها كل بلد عربي، لكنها بطبيعتها تتقارب في التراث العربي والقرب الجغرافي الذي عزز التشابه في الأكلات المفضلة، لذلك تتفنن الشعوب بإعداد طبقها المفضل في أول أيام الشهر الفضيل باعتباره ثقافة موروثة من جيل إلى جيل.
فما الطعام المفضل لدى العرب في أول يوم من شهر رمضان؟ وما الأكلات الأشهر في رمضان؟ وهل هناك مقبلات أساسية لا تغيب عن الموائد العربية؟ وما أصل الحكاية لأشهر أسماء أكلات دول البحر المتوسط التي قد يكون بعضها غير عربي واسمها غريب؟
دول الخليج
في السعودية تعد “الكبسة” من أشهر الأطباق المقدمة في شهر رمضان وغالبًا ما تكون مطهوة مع لحم الضأن أو الماعز أو مع الدجاج ويوضع معها السمن والمكسرات والزبيب، وأيضًا نجد هذه الأكلة مستمدة من مكونات الصحراء التي تعتمد في الأساس على اللحوم.
يعتبر “مجبوس الدجاج” من أشهر الأطباق الإمارتية المقدمة في أول أيام شهر رمضان الذي يشبه الكبسة في مكوناته، وطبق “الهريس” وهو أحد الأطباق التقليدية التي تعد في الخليج، حيث يتكون من القمح المسلوق مع لحم الضأن المطبوخ، وهناك طبق “المندي” الذي يتكون من الدجاج أو اللحم مع الأرز والبهارات، وهو أكلة شعبية يمنية في الأصل، ومنها انتشرت إلى دول الخليج.
كما أن “الثريد” من أشهر المأكولات القطرية في شهر رمضان، وهو عبارة عن خبز مغموس بمرق اللحم، وتشتهر الكويت مع البحرين بطبق “المموش” وهو الطبق الرئيسي المكون من أرز مطبوخ مع عدس أخضر والروبيان الصغير المجفف، ويعود تاريخ هذا الطبق إلى مئات السنين، وذلك عبر التجارة مع الهند ودول شرق وجنوب شرق آسيا، حيث لا يحتاج أفرانًا أو معدات خاصة كما هو الحال مع الخبز، فكان يصلح للتناول حتى فوق أسطح سفن الغوص التي كانت تبحر في بحر الخليج العربي.
أما سلطنة عمان فتشتهر بطبق “العرسية” بكونه من أشهر الأصناف التي تقدم على مائدة رمضان ويتكون من الدجاج المسلوق منزوع العظم المخلوط بالأرز والشوفان، وتقدم الحلويات الشهيرة في بلاد الخليج العربي مثل الكنافة ولقمة القاضي والبقلاوة.
دول المغرب العربي
يعتبر “الطاجين” و”الكسكسي” من أبرز الأكلات في بلاد المغرب العربي، ورغم اختلاف تفاصيل إعداد هذه الأكلات وطرق تقديمها، فإنها تتشابه إلى حد كبير في دول المغرب العربي، ولا تفارق سفرة رمضان في هذه الدول كافة.
ويكمن سر “الطاجين” في التوابل والبهارات المستخدمة فيه مثل الزنجبيل والقرفة والزعفران وغيرها التي توضع على اللحم والخضار وتقدم بطريقة مميزة، كما تشتهر بلاد المغرب بإعداد طبق “الكسكسي” وهي الوجبة المعتادة لأغلب العائلات في أول يوم من رمضان، وتتكون من اللحم والقمح والسميد الذي يتم تبخيره مع تشكيلية متنوعة من الخضار كالقرع والبصل والكوسة.
بلاد الشام
في سوريا، حيث أشهر وأوسع المطابخ العربية، تختلف الأكلات المشهورة من منطقة إلى أخرى داخل البلاد، حيث تشهر مدينتا حمص وحماه والمناطق الوسطى والجنوبية بالكبة النية والكبة المقلية والشوربة والسمبوسك بالجبنة واللحمة والفتوش وفتة الحمص بالسمنة والبابا غنوج ومتبل الشوندر ومتبل الباذنجان واليالنجي والطبق الرئيسي اختياري، ويتنوع من منطقة إلى أخرى ما بين ورق العنب والمحاشي والمنسف في الجنوب، والمحاشي والكبب في حلب وجميع أنواع “الفتات”، كما تشتهر بعض المناطق بأكلة الملوخية وشيش برك، في المقابل تفضل بعض العائلات السورية أن يكون اليوم الأول من رمضان “خفيف على المعدة” وتقتصر سفرتها على “الحواضر”.
وبينما يتصدر “معروك جوز الهند” قائمة الحلويات في سوريا، يحتل مشروب “قمر الدين” قائمة المشروبات الرمضانية السورية الذي يعود أصله إلى أجود أنواع المشمش في غوطة دمشق الشهيرة بزراعة أنواع الفاكهة، إذ يقال إن أحد الخلفاء الأمويين كان يأمر بتوزيع مشروب المشمش فور ثبوت رؤية هلال رمضان ومن هنا كان تسميته.
وإلى لبنان، حيث تتشارك السفرة اللبنانية مع السورية إلى حد كبير، فالكبة والتبولة والفتوش وورق العنب واللحم بالعجين أطباق لا يمكن أن تغيب عن أي مائدة رمضانية في لبنان.
وفي الأردن يعتبر “المنسف” الطبق الحاضر والمعتمد في جميع المناسبات دون استثناء، وفي أول يوم رمضان بالتحديد تحضر النساء المنسف ويتفنن في تقديمه، حيث يعتبر الأكلة الأشهر في الأردن، وهو عبارة عن طبق مصنوع من لحم الضأن المطبوخ في اللبن والمقدم على الأرز وطبق اللبن المكثف “الجميد” ومزين باللوز والصنوبر والجوز.
وإلى فلسطين، حيث المقلوبة والمسخن أشهر الأكلات الأساسية في رمضان، والمسخن ابتكره الفلاحون في المناطق الريفية مستخدمين ما توفره لهم منتجاتهم الطبيعية من خبز الطابون والزيت البلدي والبصل والسماق بالإضافة إلى الدجاج، ويزين بالصنوبر واللوز.
والمقلوبة، من الأكلات المشهورة تاريخيًا في مدن الساحل الفلسطيني، حيث كانت تتكون من سمك يدفن أسفل حلة الأرز، قبل أن تتطور ويتم استبدال السمك بالدجاج أو اللحم الأحمر وأضيف لها الخضار كالبطاطس والباذنجان والقرنبيط والجزر وغيرها حسب الرغبة.
لكن كثيرًا من الفلسطينيين يقولون إنهم يفضلون استفتاح أول وجباتهم في شهر رمضان بالملوخية المقدمة مع الأرز والدجاج إلى جانب شوربة العدس والسلطة، ومن المقبلات الثابتة صحن الحمص.
وفيما يتعلق بالحلويات في بلاد الشام برمضان فجميعها تشترك بإعداد القطايف ولقمة القاضي وأم علي والمعروك والكنافة النابلسية التي تعود لمدينة نابلس، ويعتبر مشروب الخروب الأشهر في فلسطين بشهر رمضان.
الصومال والسودان
في الصومال يتصدر طبق “العانبولو” الموائد في رمضان، وهو أكلة تقليدية متوارثة يستغرق طهيها خمس ساعات كاملة لأنها تتكون من حبوب فاصوليا الأزوكي مخلوطة بالزبدة والسكر والأرز ويتم طهيها على نار هادئة، كما تنتشر أكلة “المقمد والباريز” وهي عبارة عن أرز ولحم مجفف يضاف إليه التوابل الصومالية.
ونكهة رمضانية أخرى من السودان، حيث يتميز طبق “العصيدة” وهو عبارة عن دقيق ذرة مطبوخ، و”القراصة” وهو عبارة عن عجينة قمح تخبز على صاج وتأتي على شكل دائري سميك وتقدم عادة مع “التقلية” وهي عبارة عن بامية مجفّفة مطحونة تطبخ مع البصل واللحم المجفّفَين والصلصة.
العراق ومصر
وفي العراق، تنتشر أطباق الكباب المضافة لها الخضراوات والبصل والتكة والشوربة والبرياني والمقلوبة والقوزي والأرز مع مرق البامية أو الفاصوليا أو الباذنجان وأكلة (التبسي) التي يأتي اسمها من اللغة التركية وتعني “الصينية” وتتكون من اللحم المطحون والمشوي بالفرن، إلى جانب الكبة بكل أنواعها، والسمك المسقوف والمحاشي.
لكن وإلى جانب الأصناف السابقة وغيرها الكثير من الأكلات العراقية الشهية، تعتبر أكلة الدولمة من أشهر وأطيب الأكلات العراقية وأكثرها حضورًا على سفرهم في رمضان، وهي كلمة مستمدة من اللغة التركية وتعني “المحاشي”، وعلى الرغم أن المحاشي توجد في قائمة طعام معظم دول العالم، فإن “الدولمة العراقية” لها ما يميزها.
وفي مصر “أم الدنيا” يصعب الحديث عن وجبة محددة في بلد كبير به عدد كبير من الأكلات الساحرة، لكن البط والفراخ المحشية والديك الرومي والفتة والمحاشي والمكرونة بالبشاميل والملوخية أكلات مميزة تتربع على سفرة المصريين سواء في أول يوم أم باقي أيام رمضان بشكل عام.
وعلى صعيد المشروبات، تشتهر عصائر مثل العرقسوس والخرّوب والكركديه، ولا يكاد يخلو بيت مصري من الخشاف وقمر الدين والرقاق والجلاش والحلويات مثل الكنافة والبسبوسة بالقشطة وأم علي والأرز بالحليب.
وإلى جانب الأكلات الرئيسية والسلطات والمقبلات والشوربات والعصائر، تشتهر الكثير من الحلويات في شهر رمضان بشكل خاص في الدول العربية بشكل عام، هذه أبرزها وقصص انتشارها:
القطائف
القطائف يرجع تاريخ نشأتها واختراعها إلى نفس تاريخ الكنافة، والقطايف أسبق اكتشافًا من الكنافة حيث تعود إلى أواخر العهد الأموي وأول العباسي، وفي روايات أخرى تعود إلى العصر الفاطمي.
وقيل إن تاريخ صنعها يرجع إلى العهد المملوكي، حيث كان يتنافس صنَّاع الحلوى لتقديم ما هو أطيب، فابتكر أحدهم فطيرة محشوة بالمكسرات وقدمها بشكل جميل مزين ليقطفها الضيوف ومن هنا اشتق اسمها.
التبعات الاقتصادية الصعبة التي خلفها انتشار فيروس كورونا، حرمت الكثير من العائلات العربية من دخلها الشهري وأصبحت غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لشهر رمضان
الكنافة
الكنافة هي حلوى ابتدعها الفاطميون، ومَنْ لا يأكلها على مدار العام يحرص على تناولها خلال شهر رمضان، لتصبح من العادات والأكلات المرتبطة بشهر الصوم في العصر المملوكي والعثماني والعصور الحديثة إلى عصرنا هذا، باعتبارها طعامًا للغني والفقير، ما أكسبها طابعها الشعبي والتراثي.
وأينما ذهبت في العالم العربي لن تتذوق أشهى من الكنافة النابلسية التي تعود صناعتها إلى عهد العثمانيين الذين حكموا نابلس قبل مئات السنين، أما لماذا بالتحديد نابلس؟ فالسبب هو الجبنة النابلسية المميزة التي تعتبر روح الكنافة.
المعروك
المعروك الشامي هو نوع من المعجنات المحشوة بالتمر وجوز الهند ويرش عليها حبة البركة والسمسم، المنتشرة منذ أكثر من قرن في سوريا بالتحديد، ومن ثم تدرجت إلى بلاد الشام، وهو من الأكلات الشعبية الرمضانية التي يرغب بها الفقير والغني، وسبب تسميتها بهذا الاسم أن كلمة “معروك” اشتقاقًا من “العرك” أي الخلط بشكل جيد حتى تصبح متماسكة، ففي القديم كان المعروك يحضر يدويًا لعدم وجود آلة العجن وقتها.
أم علي
أم علي حلوى مصرية عبارة عن رقائق من العجين والحليب وبعض المكسرات، تقول الحكاية إن هذه الحلوى تنسب إلى زوجة عز الدين أيبك وهو أول سلاطين المماليك بعد الأيوبيين وزوج شجرة الدر الملقبة بعصمة الدين أم خليل التي تزوجته بسبب رفض مماليك بلاد الشام أن تتولى حكمهم امرأة، وبعد تزوج عز الدين أيبك من شجرة الدر طلق امرأته الأولى أم علي وتبرأ من ابنه، ثم بعد فترة قرر الزواج من غيرها فكادت له شجرة الدر وقتلته.
ولما سمعت أم علي بمقتل أيبك دبرت لها مكيدة وقتلتها، ثم نصّبت ابنها علي بن عز الدين أيبك سلطانًا، وبهذه المناسبة أمرت أم علي بخلط الدقيق مع السكر والمكسرات، إلى آخر المقادير المعروفة في طبق أم علي، وتقديمها للناس، فدخل هذا الطبق الشهير إلى المنطقة العربية بشكل عام، وفي غرب العراق تسمى بالخميعة، أما في السودان فتسمى فتة اللبن، واشتهرت أيضًا في السعودية وتقدم في الحفلات الكبيرة.
لقمة القاضي
هي حلوى منزلية سهلة التحضير، وتكون على شكل كرات ذهبية هشة وهي من الحلوى المحببة في شهر رمضان، ويطلق عليها المصريون اسم “لقمة القاضي” أو “الزلابية”، ويسموها العرب باسم “حلوى اللقيمات” أو “العوامة”.
يعود أصل هذه الحلوى للشعب اليوناني الذي يطلق عليها اسم “لوكوماديس”، وتحظى بشعبية كبيرة في اليونان، ويفضل المواطنون تناولها مع “الآيس كريم” بنكهة “المستكة” أو مع “القرفة”، وتقدم “لقمة القاضي” في تركيا، وأغلب الدول العربية مع القهوة أو الشاي بعد الوجبات أو عند استقبال الضيوف.
وعلى الرغم من أن هذه الأطعمة والحلوى والعصائر تعتبر من الثوابت في شهر رمضان بمعظم البيوت العربية على مدى العقود الماضية، فإن شروط الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي التي فرضها انتشار فيروس كورونا حول العالم منع الكثير من العائلات من شراء هذه الأطعمة والحلويات بشكل خاص جاهزة من الأماكن المعتادة وسط محاولات لصنعها في المنازل.
لكن الأهم أن التبعات الاقتصادية الصعبة التي خلفها انتشار فيروس كورونا وشروط الإغلاق الاقتصادي الواسعة حرمت الكثير من العائلات العربية من دخلها الشهري وأصبحت الكثير من العائلات غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لشهر رمضان، وهو ما يدعو أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز ثقافة التكافل والتعاون ومد يد المساعدة للعائلات المستورة كي تتمكن من تلبية احتياجاتها الأساسية في هذا الشهر الفضيل.