ترجمة وتحرير: نون بوست
حين تستقلّ مترو الأنفاق في بكين متجها إلى محطة شيدان، وتطلب المساعدة لأن الآلة المخصصة للتذاكر معطّلة، سوف تجد ما يصل إلى ثلاثة أشخاص في خدمتك. وفي الشارع، سترى في طريقك عددا من العمال يحفرون حفرة لمدّ سلك كهربائي. لكن في إسبانيا، يقوم عاملان أو ثلاثة فقط بنفس هذه المهمة التي تتطلب في الصين نحو عشرين عاملا.
عند التجول في المنطقة المالية للعاصمة الصينية، ستلاحظ وجود شخصين أو ثلاثة في مدخل كل مبنى مكلفين فقط بفتح الأبواب لأولئك الذين يدخلون منه ويغادرون. قد يشعر الشخص الذي يدخل المبنى بالحيرة في مكتب الاستقبال، لأنه لا يعرف من يسأل من بين الموظفين الخمسة الذين يقفون خلف المنضدة. اذهب إلى أي محل تجاري صغير وستجد أن هناك امرأتين مكلفتان بوزن الخضر والفواكه، وثلاث أخريات يفعلن نفس الشيء مع البقوليات. وفي المطاعم، يوجد نوادل أكثر من العملاء، وجميع الطاولات مشغولة. وحين تعود إلى المنزل ليلاً، سيعترضك المراقب بخلاف نقطة التفتيش الأمنية.
دارت هذه المشاهد في بكين منذ أقل من شهر، ولكنها تميّزت ببعض الفروق الطفيفة مقارنة بالسابق. كما هو الحال في المطعم، يتم فصل الطاولات عن بعضها البعض ولا يمكن أن يجلس أكثر من ثلاثة زبائن في كل منها. تعتبر هذه التفاصيل من بين الإجراءات التي اُتخذت خلال فترة تفشي فيروس كورونا الذي يعيش على وقعه العالم حاليا. كما ضاعفت مجموعة من الشركات من عدد أزرار فتح الأبواب.
يعمل في المحلات التجارية بالفعل ما يصل إلى ثلاث سيدات لوزن الخضر والغلال، بينما أضيف حارس أمن خامس إلى النقاط الأمنية. في هذا الصدد، يقول تشين، رئيس المقاطعة، “إن الحكومة تقدم المساعدات للمقاطعات والمحلات التجارية ومراكز الأعمال لإبرام عقود عمل لفائدة الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب أزمة فيروس كورونا. ويبقى الهدف واضحا: الصين لا تريد فقراء”.
قبل ما يقارب سبعة أشهر، كان العملاق الآسيوي يستعد للاحتفال بمرور 70 عامًا على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، علما بأن الكثير من المعطيات تغيرت منذ عهد ماو تسي تونغ. كانت الصين دولة فقيرة لا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي 100 مليون دولار. وبعد مرور سبعة عقود، تجاوز ناتجها المحلي الإجمالي 13 تريليون دولار، وكل ما يحدث في الصين حتما يؤثر على الاقتصاد العالمي.
على الرغم من العاصفة التي تسبب فيها فيروس كورونا، أصرّ مكتب المجموعة القيادية للإغاثة لتخفيف حدة الفقر والتنمية بمجلس الدولة
خلال العقود الثلاثة الماضية، أصبح في الصين عدد أقل بكثير من الفقراء. وقد تمكنت الصين من الحد من نسب الفقر بأكثر من 70 بالمئة في هذا الوقت. وقد مثّل هذا الإجراء إنجازا تاريخيا دائما ما يحتفي به الحزب الشيوعي، حيث أنه لا يوجد بلد آخر تمكن من الحد من الفقر بهذا المستوى.
حسب الباحث في جامعة كتالونيا المفتوحة والمتخصص في دراسة الدولة الآسيوية، كارلس براسو، فإن “الصين حققت هذه النتائج بسرعة بفضل مزيج ذكي من اقتصاد السوق وتخطيط الدولة. وعلى عكس الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، لم تفكك الدولة التخطيط فجأة، بل واصلت الحكومة احتكار إنتاج وتوزيع الضروريات الأساسية مثل الأرز والحبوب. بمجرد امتثال الأسر لخطط الإنتاج، أصبحت لها القدرة على أن تنتج عندئذٍ لفائدة السوق محليًا وضمن تعاونيات زراعية. وقد عزز هذا المزيج السوق الحرة والتخطيط الاشتراكي، جنبا إلى جنب مع إدخال التكنولوجيا الزراعية الإنتاجية الزراعية، وكان له تأثير مباشر على مداخيل سكان الريف”.
الآن، على الرغم من العاصفة التي تسبب فيها فيروس كورونا، أصرّ مكتب المجموعة القيادية للإغاثة لتخفيف حدة الفقر والتنمية بمجلس الدولة، مرارًا وتكرارًا على أنهم سيقضون هذا العام على الفقر في جميع أنحاء البلاد. كان ذلك التزامه تجاه الأمم المتحدة في سنة 2016. وهي الرسالة التي يروج لها الرئيس شي جين بينغ هذه الأيام.
خلال جولة التفتيش، أكد وكيل المكتب في مقاطعة شنشي الواقعة شمال غرب البلاد أنه لا بد من “تحقيق أهدافهم في الحد من الفقر وبناء مجتمع ميسور الاعتدال من جميع الجوانب”. للنجاح في هذه المهمة، ينبغي تحسين مستوى عيش ما يقل عن 16 مليون شخص، وذلك وفقًا للبيانات الحكومية قبل الوباء، خاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية.
في المقابل، لا تبشر البيانات التي خلفتها أزمة فيروس كورونا بإمكانية تحقيق هذا الهدف، نظرا لأن الاقتصاد الصيني تقلص خلال الربع الأول من هذه السنة للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود. كما أغلقت نصف مليون شركة تقريبًا أبوابها، الأمر الذي جعل بعض المحللين يتوقعون أن تفقد الصين 30 مليون وظيفة هذا العام.
المصدر: الموندو