ترجمة وتحرير نون بوست
أثار رجال الأعمال المصريون انتقادات واسعة النطاق بخُصوص استجابتهم لأزمة فيروس كورونا منذ أن فرضت البلاد حظر التجول الجزئي على الصعيد الوطني في 25 آذار/ مارس. وبينما يتوقع المُحللون نتيجة كارثية للمؤشرات الاقتصادية للبلاد، يخشى العمال مِن فقدان وظائفهم ومخاطر الفيروس على أحبائهم.
لقد مرت أكثر من ثلاثة أشهر منذ اكتشاف أول حالة إصابة إيجابية بفيروس كورونا في مصر. حتى يوم السبت، كان عدد الإصابات المسجلة في مصر 4092 حالة إصابة مؤكدة منها 294 حالة وفاة. ومنذُ ذلك الحين، دخل الاقتصاد المصري حالة اضطراب. اتخذت الحكومة سلسلة من القرارات غير المتناسقة في غياب خطة عمل واضحة على ما يبدو. تم تمديد حظر التجول حتى نهاية شهر رمضان على الأقل، أي إلى حدود 23 أيار/ مايو. وقد أجبر الحجر الصحي عشرات الشركات والمصانع على العمل بطاقة محدودة، وهو ما تسبب في خسائر مالية جسيمة.
لكن في الوقت الذي يخشى فيه العديد من المصريين من تأثير الوباء على المدى الطويل على سبل عيشهم، اعتبرت تعليقات أغنياء البلاد غير مبالية، حيث صرّح بعض مُوظفي الشركات التي يملكونها لموقع “ميدل إيست آي” بأنهم يخشون من أن التدابير المُتخذة ليست كافية لِحمايتهم من الفيروس.
حسب أباطرة المال والأعمال، الموت أهون من الإفلاس
كانت استجابة بعض أصحاب المؤسسات المصريين البارزين على التدابير الوقائية التي اتخذتها الحكومة لمُكافحة الوباء سلبيةً. جاءت أول ردة فعل على الحجر الصحي من نجيب ساويرس، صاحب قطب الاتصالات وثاني أغنى رجل في البلاد بعد شقيقه ناصف. ففي مقابلة هاتفية مع مضيفة البرنامج الحواري المصري لميس الحديدي التي بثتها قناة “الحدث” السعودية في أواخر شهر آذار/ مارس، حذّر رجل الأعمال من حظر التجول متوقعًا أن يؤدي ذلك إلى ما وصفه بـ”حمام دم اقتصادي”. وقال مازحا لحديدي: “سأنتحر إذا وقع تمديد الحجر الصحي”.
مرة أخرى وبعد أسبوع تقريبًا، أثار ساويرس الرأي العام عندما أخبر مذيعة قناة “العربية” السعودية أنه توصل إلى اتفاق مع العمال لخفض رواتبهم إلى النصف خلال فترة الحجر الصحي. ومع ذلك، أنكر ساويرس لاحقًا القيام بأي تخفيضات في الأجور، قائلاً إنه أشار إلى قطاع السياحة – علما بأنه لا يمتلك أي مؤسسة في هذه الصناعة. وقبل أن تُثير تصريحات ساويرس ضجة كبيرة، قال قطب السيارات رؤوف غبور لقناة القاهرة والناس المصرية إنه يستبعد التبرع لمكافحة الوباء مؤكدا: “لا يُمكنني التبرع بأي أموال وأنا أعرف أن مُؤسستي قد تواجه نقصًا في السيولة في الفترة المقبلة”.
إن لم يكن ذلك كافيا، فإن تصريحات صاحب العقارات حسين صبور زادت الوضع احتقانا، حيث قال في مقابلة مع جريدة “اليوم السابع” المصرية المستقلة إن “وفاة بعض الناس أسهل من إفلاس البلد بأكمله” مضيفًا “إذا كان لدي فائض ببضعة ملايين الجنيهات (المصرية) في البنك، فسوف أتبرع بالمال [لمكافحة الوباء]..أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فسأحتفظ بأموالي لخلاص الأجور… فأنا أولاََ وقبل كل شيء مسؤول عن الموظفين الذي يعملون لدي”، داعيََا الدولة إلى إعادة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها.
في سياق متصل، قال صبور “لا يُمكننا تحمل تكلفة البقاء في المنزل … يجب أن تُواصل المؤسسات عملها. بعض الناس سيمرضون، البعض الآخر سيموت، لكن البلاد ستعيش”. وفي مقارنة الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا بوفيات حرب أكتوبر 1973، قال صبور إن الرئيس محمد أنور السادات آنذاك دخل في صراع مع إسرائيل دون أن يأخذ بعين الاعتبار عدد الخسائر البشرية في هذه الحرب.
“الأرواح قبل الأرباح”
قال مهندس يعمل في شركة تابعة لصبور لموقع “ميدل إيست آي” – اشترط التكتم عن هويته – إن ظروف العمل وسط الوباء جعلته وزملاءه لا يشعرون بالأمان، موضحا “صحيح أنه وقع اتخاذ بعض التدابير الوقائية في مكان العمل، لكن ما زلنا نشعر بالخوف على حياتنا”. وفي حديثه عن ساعات العمل الجديدة، أفاد هذا المهندس: “مجموعة منا تعمل من الساعة التاسعة صباحًا إلى الساعة الرابعة مساءً، لثلاثة أيام في الأسبوع بدلاً من ستة أيام، بينما تعمل مجموعة أخرى خلال الأيام الثلاثة المتبقية. ولكن ما الذي يضمن لنا عدم الإصابة بالعدوى خلال الأيام التي نذهبُ فيها إلى العمل؟”.
تطرق مسؤول يعمل في نفس المؤسسة إلى نفس المخاوف مؤكدًا أن “هناك حالة من القلق بين موظفي الشركة. أخشى أن أعود إلى المنزل لعائلتي بعدوى مميتة. صحيح أن رواتبنا لم تُخفض، لكن هذا المال لن يفيدنا في شيء إذا مرضنا. ولولانا، لما تمكن هؤلاء المليارديرات من تحقيق أي ربح”.
أثارت مواقف بعض أغنى الرجال في البلاد غضب الاشتراكيين والمدافعين عن حقوق العمال على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أطلقوا وسم “الأرواح قبل الأرباح” متهمين رجال الأعمال بوضع مصالحهم قبل حياة الناس، حيث غرّدت إحدى مستخدمات تويتر: “كلام حسين صبور يخنقني بشكل بشع. وقبله ساويرس وبعده غبور.. لقد كسبتم مليارات المليارات من البلاد ولكنكم مع ذلك لا تريدون أن تقفوا إلى جانبها في هذه الأشهر!”. ورد آخر على رفض غبور التبرع بالمال، فكتب: “الأرواح قبل الأرباح… رؤوف غبور يحتل المرتبة 10 بين الأغنى في مصر وبلغت ثروته 440 مليون دولار عام 2019”.
دعم الأعمال للإغلاق
لم يتعامل جميع رجال الأعمال في مصر مع الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بنفس القسوة. إثر مقابلة صبور بفترة قصيرة، أكّد أحد أقطاب قطاع العقارات ياسين منصور للإعلامية لميس الحديدي على ضرورة إيجاد حل وسط، منددًا برأي الأشخاص الذين يطالبون الشركات بمواصلة عملها كالمعتاد. وأضاف
قائلا: “أتفق مع إغلاق الشركات بشكل جزئي، لكن الإنتاج لا يمكن أن يتوقف تماما.. وإلا ستكون هناك كارثة”. كما تعهد بعدم الاستغناء عن أي معيل يعمل في مواقع البناء في شركته.
منذ ذلك الحين، عرض الملياردير المصري على الحكومة 200 غرفة فندقية في المشاريع السياحية التابعة لإحدى شركاته لإيواء المصابين بفيروس كورونا الخاضعين للحجر الصحي والطاقم الطبي الذي يرعاهم. هذا بالإضافة إلى التبرع بحوالي خمسة ملايين جنيه مصري (أي ما يعادل 317 ألف دولار) إلى وزارة الصحة.
أدان رجل أعمال آخر، النائب محمد مصطفى السلاب، آراء صبور. وصرّح في مقابلة مع صحيفة “اليوم السابع” قائلا إن “صحة مواطن واحد أغلى من مال الدنيا، إن الاقتصاد المصري قادر على التعافي مرة أخرى، لكن المواطن المصري المعرض للخطر لا يمكن تعويضه”. وتابع قائلا: “لا مشكلة في أن نتحمل قليلا [هذه الوضعية]، يجب على كل رجال الأعمال أن يتكاتفوا حتى نتجاوز الأزمة الراهنة”.
يشاطره محمد جنيدي، نقيب المستثمرين الصناعيين، نفس الرأي حيث قال لقناة “تان” المصرية الخاصة: “مع كامل احتراماتي لنجيب ورؤوف، شهدنا أزمات عديدة على مر السنين ولم تخذلنا الدولة أبدًا”. وأكد جيندي على ضرورة مساندة رجال الأعمال لموظفيهم، وإن استمرت الأزمة لمدة عام. وقال لمذيع البرنامج الحواري عمرو عبد الحميد إن “مسألة العمال هي مسألة أمن قومي”.
منذ ذلك الحين، أعلن عدد من أصحاب الشركات الكبرى علانية عن اتخاذ تدابير لحماية موظفيهم. ومنح المدير التنفيذي لشركة “العربي غروب” للأجهزة المنزلية والإلكترونية، إجازة مدفوعة الأجر لموظفيه وعماله لمدة أسبوعين، مطمئنا إياهم بأن الشركة لن تطرد أي شخص في ظل الأزمة الحالية.
من جهته، رد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضمنيا على تصريحات رجال الأعمال، حيث حث القطاع الخاص على دفع الأجور على أكمل وجه وعدم تسريح أي عامل. كما دعا إلى تقليل ساعات عمل القوى العاملة في جميع أنحاء البلاد، مشيرا إلى أنه لا يحبذ فكرة الإغلاق التام.
في السابع من نيسان/ أبريل، تعهد الرئيس المصري بتقديم 500 جنيه مصري (31 دولار) كمساعدة شهرية للعمال الفقراء الذين يشتغلون بأجر يومي، وهي الشريحة الأكثر تضررا من الإغلاق، علما بأن الحد الأدنى للأجور في مصر هو 2000 جنيه مصري (126 دولار).
تبرعت مؤسسة ساويرس، وهي منظمة خيرية مصرية تابعة لرجال الأعمال نجيب وسميح ونصيف ساويرس، بمبلغ مالي قدره 100 مليون جنيه مصري (أي حوالي 6.3 مليون دولار)، لدعم جهود البلاد في مكافحة تفشي المرض، قبل التعليقات المثيرة للجدل التي أدلى بها نجيب ساويرس.
في خضم الضجة التي أثارتها تعليقات رجال الأعمال المثيرة للجدل، لا تزال هناك مخاوف في مصر من أن البلاد قد لا تكون قادرة على تحمل الأزمة الاقتصادية. وحسب المحلل الاقتصادي حسن هيكل فإن “تأثير الإغلاق مدمر إلى حد ما، كما أن وقف تشغيل المصانع وعمليات التصدير وتعليق الرحلات عوامل من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد تشهد البلاد في سنة 2020 كارثة ما إذا بقيت قطاعات مثل السياحة مغلقة بسبب الوباء”. وأضاف أن هذه السنة تتطلب تخطيطا اقتصاديا جديدا يشبه ما يطلق عليه الاقتصاديون “اقتصاد الحرب”.
حسب هذا المحلل الاقتصادي، يحتاج صانعو القرار إلى تحديد الموارد وتوزيعها بدقة، مشيرا إلى أنه “في مثل هذه الظروف، نحن لا نملك رفاهية استخدام السلع غير الضرورية أو السلع الترفيهية. تحتاج الدولة إلى إدراج السلع التي يمنع تداولها خلال هذه المرحلة لمدة ستة أشهر على الأقل. فمن غير المنطقي أن نخسر عملات صعبة على سلع لا علاقة لها بالغذاء أو متطلبات الإنتاج أو الأدوية”. وعلى الرغم من ذلك، يرى هيكل جانبا مشرقا لهذا الوضع، حيث قال “إنها فرصة ذهبية للمصنعين لبدء إنتاج ما نستورده من الخارج واستهلاك ما ننتجه”.
المصدر: ميدل إيست آي