قبلت ورحبت جميع الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية بتكليف وترشيح مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة العراقية التي لم تنته أزمتها منذ استقالة عادل عبد المهدي في 29 من نوفمبر 2019، لكن لم يعن ذلك الترحيب المبدئي – الذي انقسم بين القبول المشروط لبعض الكتل والدعم والتأييد ولو على مضض لكتل أخرى – الموافقة على الكابينة والمنهاج الوزاري إنما قبولًا مبدئيًا فقط بشخص الكاظمي، ولا تزال إلى الآن مفاوضات المناصب والمكاسب جارية بينهم، خاصة الكتل والأحزاب الشيعية التي تحررت من ضغوط التظاهرات ومطالبها بعد تراجع ضغط الشارع على وقع إجراءات احتواء فيروس كورونا.
شروط من أجل المناصب
تضع الكتل السياسية شروطها ومطالبها كعقبات وضغوط أمام الكاظمي للحصول على المناصب، فالقوى الشيعية المليشياوية القريبة من إيران تضع شروطها على الكاظمي من أجل تكرار الحصول على وزارات في الكابينة التي تضغط الولايات المتحدة لعدم منحها لأي طرف مشمول بالعقوبات أو لديه صلات مباشرة بالمليشيات الولائية كما حصل في حكومة عبد المهدي 2018 عندما نالت مليشيا عصائب أهل الحق – مثلًا – وزارتي العمل والثقافة، وهي تكرر سعيها اليوم مع حلفاء طهران للحصول وزارات جديدة من خلال وضع شرط تضمين انسحاب القوات الأمريكية في البرنامج الوزاري للكاظمي، أو المطالبة بالإبقاء على مليشيات الحشد الشعبي مستقلًا وبعيدًا عن أي إجراءات حصر السلاح بيد الدولة.
أما القوى السنية فتطالب هي الأخرى – من أجل الحصول على الوزارات والمناصب – بانسحاب المليشيات من المدن وإعادة الإعمار والنازحين إلى مدنهم وكشف مصير المختفين قسريًا في سجون المليشيات منذ استعادة المدن من داعش بين أعوام 2014 – 2017، التي سجلت آلاف المغيبين على يد مليشيات أبرزها حزب الله العراقي وعصائب أهل الحق.
إن الشروط والمطالب التي تُفرض على المكلف من الفاعل السياسي الشيعي تحديدًا، تأتي من أجل إفراغ منصب رئيس الوزراء من محتواه وتكبيله بالمطالب ليسهل الضغط عليه إذا انقلب عليهم لاحقًا في بعض الملفات وخضع لضغوط واشنطن الراغبة بإعادة التوازن في العلاقات العراقية الأمريكية الإيرانية، وذلك من خلال أداء رئيس الوزراء الجديد الذي لديه صلات إيجابية مع الجميع وهو ما لا يُطمئن إيران ولا حلفاءها.
التنافس على الحقائب
تتنافس القوى الشيعية على 11 وزارة من أصل 22، بينهم 3 وزارات سيادية (الداخلية والخارجية والنفط) ويشمل ذلك التنافس مناصب ومكاسب الوزارة والوزير ومكتب الوزير ووكلاء الوزراء والمديرون العامون والدرجات الخاصة والعقود والمقاولات وكثير من التفاصيل، وبعد انخفاض أسعار النفط إثر جائحة كورونا واحتمالية إجراء برنامج التقشف، بدأت الكتل بالتنافس المحموم على الوزارات والمناصب ذات الميزانيات الثابتة كوزارة الداخلية والأمن الوطني والبنك المركزي والمنافذ الحدودية وغيرها.
تتنافس الكتل (سائرون ودولة القانون والفتح) على وزارة الداخلية كما ترغب كتلة الحكمة في الحصول على وزارة النفط، أما القوى السنية فتتنافس على وزارة الدفاع، والقوى الكردية تميل للاحتفاظ بوزارة المالية والإبقاء على وزيرها الحاليّ في حكومة عبد المهدي، فؤاد حسين، دون إجراء أي تغيير في حصتها الوحيدة في المناصب السيادية الـ6 المقسمة بين الكتل الكبيرة في الكابينة الوزارية.
إن القوى والأحزاب السياسية حافظت على الأعراف السياسية المتعارف عليها قبل انطلاق موجهة التظاهرات، كالمحاصصة واعتماد التوازن المكوناتي على حساب الكفاءة مع أعراف جديدة كـ”الوزارة لي والوزير لك” و”لا تفرض عليّ مرشح ولا أفرض عليك مرشح” في مفاوضاتها مع الكاظمي، بمعنى أن أي إصلاح حقيقي لم يجر على النظام السياسي، وما جرى هو أحاديث للاستهلاك الإعلامي فقط، كالادعاءات التي نسمعها “سنشكل حكومة بعيدة عن المحاصصة” أو “سنخول الكاظمي باختيار كابينته” أو “الكابينة الوزارية ستتشكل من شخصيات لا تتبع الأحزاب” أو “سندعم الكاظمي دون شروط”.