في خطوة كانت منتظرة منذ تأسيسه قبل سنتين، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتبنى الانفصال في جنوب اليمن، إقامة الحكم الذاتي وحالة الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها في جنوب البلاد، وهو ما يتماشى مع مساعي دولة الإمارات التي تعتبر أبرز داعمي هذا المجلس، فهل أثمرت جهود هذه الدولة العربية في تفتيت اليمن؟
الانقلاب على اتفاق الرياض
خطوة “الانتقالي الجنوبي” اعتبرت بمثابة الانقلاب على اتفاق الرياض، الذي ينص على إنهاء الصراع على السلطة في جنوب اليمن المتفق عليه بالرياض، ويقضي هذا الاتفاق الذي وقع في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بانضمام المجلس الانتقالي الجنوبي والجنوبيون الآخرين إلى حكومة وطنية جديدة وأن يضعوا جميع القوات التابعة لهم تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.
وأعلن المجلس الانتقالي في ساعة مبكرة من صباح يوم الأحد الإدارة الذاتية للمناطق التي يسيطر عليها في جنوب البلاد ابتداءً من منتصف ليل 25 من أبريل/نيسان، وأعلن في بيان صادر عن رئيسه عيدروس الزبيدي، حالة الطوارئ العامة في عدن والمحافظات الجنوبية وتكليف القوات التابعة للمجلس بالتنفيذ اعتبارًا من السبت الماضي، وأضاف المجلس في بيانه أنه سيسيطر على ميناء ومطار عدن ومؤسسات أخرى تابعة للدولة مثل البنك المركزي.
عقب ذلك، نشر المجلس الانتقالي الجنوبي قواته يوم الأحد في عدن وهي المقر المؤقت للحكومة المعترف بها دوليًا منذ أن أجبرها الحوثيون على الخروج من العاصمة صنعاء في أوائل سنة 2015، وأكد شهود عيان من عدن لنون بوست، أن قوات المجلس الانتقالي بدأت فعليًا في نشر دوريات عسكرية في جميع شوارع المدينة.
إعلان المجلس الانتقالي إقامة الحكم الذاتي وحالة الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها في جنوب البلاد، يرى فيه العديد من اليمنيين جزءًا من مخطط إماراتي لتفتيت البلاد
جدير بالذكر أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتحكم بزمام الأمور في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد منذ أغسطس/آب 2019، عقب قتال شرس مع القوات الحكومية، انتهى بطرد الشرعية من المدينة، كما سبق أن خاض هذا المجلس مناوشات واشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية أكثر من مرة خلال السنوات الثلاثة الماضية.
إعلان المجلس الانتقالي حالة الطوارئ والإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية وفرضه سياسة الأمر الواقع، اعتبرته الحكومة اليمنية تمردًا واضحًا على الحكومة الشرعية وانقلابًا صريحًا على اتفاق الرياض واستكمالًا للتمرد المسلح على الدولة في أغسطس/آب 2019.
ورغم اتهامه بخرق بنود اتفاق الرياض، قال المجلس الانتقالي في أثناء إعلان قرار الحكم الذاتي، إن الحكومة اليمنية لم تفعل شيئًا بعد اتفاق تقاسم السلطة خاصة لتحسين الأوضاع المعيشية للمدنيين والعسكريين.
علاقة مجلس الإمارات بالمجلس
قبل الحديث عن مساعي الإمارات لتفتيت اليمن، لا بد من العودة إلى المجلس الذي أعلن التمرد والانقلاب على اتفاق الرياض.
تأسس هذا المجلس في 11 من مايو 2017، وهو عبارة عن هيئة سياسية في جنوب اليمن، تضم لفيفًا من قادة الجنوبيين المؤيدين للانفصال في محافظات جنوب وشرق اليمن، وهي المحافظات التي كانت تمثل جغرافيًا ما كان يُعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كما يضم المجلس وزراء ووكلاء محافظات.
يترأس المجلس عيدروس الزبيدي، وهو سياسي وناشط في الحراك الجنوبي اليمني، تولى منصب محافظ عدن – ثاني كبرى مدن البلاد – يوم 7 من ديسمبر/كانون الأول 2015، لكن الرئيس عبد ربه منصور هادي أقاله يوم 27 من أبريل/نيسان 2017 وعينه في وزارة الخارجية.
وكان عيدروس الزبيدي، قد دعا في 10 من سبتمبر/أيلول 2016 كل القوى السياسية والاجتماعية الجنوبية إلى العمل على إنشاء كيان سياسي جنوبي يوازي القوى السياسية في شمال اليمن، بحيث يكون هذا الكيان الناشئ الممثل لتطلعات الجنوبيين في أي استحقاقات سياسية من أجل الحل السياسي في اليمن.
منذ بداية تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي كانت علاقته بالإمارات واضحة وجلية، فرئيسه يدروس الزبيدي يعتبر أحد أبرز رجال الإمارات في اليمن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نائبه هاني بن بريك المقرب من سلطات أبو ظبي بشكل شخصي.
وكثيرًا ما يزور قيادات المجلس وخاصة رئيسه عيدروس الزبيدي دولة الإمارات، ويقيمون بعض الأسابيع هناك قبل أن يعودوا إلى عدن على متن طائرات إماراتية خاصة، وهو ما يؤكد مكانتهم لدى سلطات هذه الدولة الخليجية.
وما يؤكد ولاء المجلس للإمارات، الترحيب الكبير من مسؤولين حكوميين في الإمارات بتأسيس المجلس، وإعلانهم غبطتهم من التصعيد الشطري في عدن، على نحو أظهر للعلن أن الإمارات تنظر إلى ما يحدث في ثاني أكبر مدينة في اليمن على أنه معركتها لـ”تأديب” الرئيس هادي حين أزمع تقليم أضافر عملائها في عدن.
نتيجة الدعم الإماراتي له، أصبح للمجلس ميليشيات مسلحة خارج نطاق الشرعية، بنيت على ولاءات سقيمة لخدمة أجندة أبو ظبي ومنابر إعلامية من قنوات ومواقع إخبارية، فالإمارات ترى أن الظروف مهيأة والفضاء خالٍ لفرض رؤيتها في اليمن.
جزء من مخطط إماراتي لتفتيت البلاد
إعلان المجلس الانتقالي إقامة الحكم الذاتي وحالة الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها في جنوب البلاد، يرى فيه العديد من اليمنيين جزءًا من مخطط إماراتي لتفتيت البلاد وتقسيمها على النحو الذي يخدم مصالحها.
يقول الصحفي اليمني مصطفى محمد في هذا الشأن: “منذ أن أعلنت مشاركتها في عمليات عسكرية بهدف إعادة الرئيس اليمني المعترف به دوليًا إلى الحكم، كانت دولة الإمارات تمارس عكس ما تعلنه، فقد دأبت على تقويض مهام الحكومة الشرعية من خلال تأسيس مليشيات مسلحة في جنوب اليمن موالية لأبو ظبي تعمل على تكريس فكرة انفصال الجنوب عن الشمال”.
سبق أن تظاهر آلاف اليمنيين في مدن عدة منها مدينة تعز، مطالبين الحكومة بطرد الإمارات من التحالف العربي المساند للشرعية
يضيف محمد في حديث مع نون بوست “مع مرور خمسة أعوام على اندلاع العمليات العسكرية التي عُرفت تحت مسمى عاصفة الحزم، تكشفت مؤامرات الإمارات بحق اليمنيين، لكن مشاريع الإمارات الهدامة كانت وما زالت تواجه بحزم من قوى وطنية تقاتل في كل الاتجاهات”.
ويظهر النفوذ الإماراتي بقوة في جنوب البلاد بشكل عام ومدينة عدن بشكل خاص، ومنذ إعلانها مدينة “محررة” من الحوثيين وحلفائهم، في يوليو/تموز2015، تولت الإمارات واجهة نفوذ التحالف العربي في عدن، فعملت أبو ظبي على إنشاء ودعم قوات موالية لها خارج إطار الحكومة الشرعية، وكان أبرز تجلياتها قوات الحزام الأمني، بالإضافة إلى وجود قوات أخرى جرى تنظيمها أو تأسيسها بأسس مناطقية وولاءات متفرقة.
السيطرة على الموانئ
يوضح الصحفي مصطفى محمد، اقتصادي وسياسي، الهدف من تفتيت اليمن وتقسيمه، قائلًا “الإمارات لديها مطامع اقتصادية وأخرى تتعلق بشهوة الهيمنة على الدول العربية تنسجم مع مصالح إسرائيلية وأمريكية في المنطقة العربية”.
منذ بداية التدخل التحالف العربي سنة 2015، ركزت الإمارات على مناطق الجنوب، وتحديدًا المناطق القريبة من الموانئ الحساسة مثل ميناء عدن الإستراتيجي، وجاء اختيار أبو ظبي لهذه المناطق لأهميتها الإستراتجية وانحسار نفوذ حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) في المناطق الجنوبية.
تتبين المطامع الإماراتية من خلال سيطرتها على ميناء عدن الذي أُخرجت منه عام 2012، وسيطرتها أيضًا على الساحل الغربي وموانئه، وفي مقدمتها ميناء المخا وميناء باب المندب، وتسعى منذ فترة للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها الأهم في اليمن.
تتمتع موانئ اليمن بأهمية إستراتيجية كبيرة، وخاصة ميناء المخا الواقع على بعد 100 كيلومتر من مدينة تعز، 75 كيلومترًا من مضيق باب المندب، ويعتبر هذا الميناء الشريان الأساسي لتصدير نفط الخليج إلى أوروبا وأنحاء العالم عبر قناة السويس.
وتسعى دولة الإمارات للسيطرة على موانئ اليمن، المكلا شرقًا وحتى عدن غربًا، إلى الموانئ الغربية للبلاد، ضمن خطة متكاملة قبل عدة سنوات للسيطرة على أكبر وأهم الموانئ في القرن الإفريقي لأهمية الموانئ البحرية في الاقتصاد العالمي.
اليمن متماسك
رغم هذه المساعي الحثيثة من هذه الدولة الخليجية، يرى الصحفي مصطفى محمد أن “الإمارات لم تحقق أي نجاحات أو مكتسبات حقيقية في تفتيت الوحدة اليمنية رغم انسجامها مع مليشيات الحوثي في الممارسات التي تفضي إلى تقسيم اليمن”.
سبب هذا الفشل، وفق مصطفى محمد “عدم وجود حاضنة شعبية لمشروع الإمارات التدميري، وقد اتضح جليًا الرفض الشعبي لمشاريع الإمارات التخريبية في اليمن من خلال رفض أهالي محافظات حضرموت وشبوة وأبين وسقطرى والمهرة لإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية للمناطق الجنوبية”.
وسبق أن تظاهر آلاف اليمنيين في مدن عدة منها مدينة تعز، مطالبين الحكومة بطرد الإمارات من التحالف العربي المساند للشرعية، ويردد المتظاهرون في مظاهراتهم هتافات غاضبة تنديدًا بما يصفوه بـ”الإرهاب الإماراتي”.