ترجمة وتحرير نون بوست
مر أكثر من ربع قرن منذ أن كتب العالم السياسي الأمريكي صامويل هنتنجتون مقاله الشهير عن صدام الحضارات، فقد أسس لسلسلة من الحروب، كان هنتنجتون يكتب بعد سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة بين روسيا السوفيتية والغرب، وبدلًا من الحديث عن عصر السلام تنبأ هنتنجتون بصراع جديد بين من يراهم أعداءً لا يقبلون المساومة: الإسلام والغرب.
أكد هنتنجتون أن الهوية بدلًا من الإيدولوجية تكمن في قلب السياسة المعاصرة، حيث قال: “فسؤال مثل: من أنت؟ جميعنا نعلم أنه من البوسنة إلى القوقاز إلى السودان الإجابة الخاطئة عنه تعني رصاصة في الرأس، فالإسلام يمتلك حدودًا دموية”.
سار العديد من السياسيين الغربيين على خطى هنتنجتون مثل الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، ففي الربع قرن الأخير كانت العديد من الدول الإسلامية هدفًا لأمريكا وحلفائها.
في الوقت نفسه كان الإعلام الغربي يصور المسلمين على أنهم إيدولوجيين متطرفين وخارجين عن القانون ويشكلون تهديدًا وجوديًا على العالم، أدى ذلك إلى تصاعد الإسلاموفوبيا بشكل خبيث في الغرب وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
يمكنني أن أقول اليوم إن هذا العداء البغيض قد ينحسر قريبًا في أعقاب مأساة فيروس كورونا، يرجع ذلك جزئيًا إلى التضحيات التي قدمها المسلمون بشكل واضح (خاصة في بريطانيا) التي قد تؤدي إلى تغيير في الموقف العام، فأول أربعة أطباء ماتوا بسبب الفيروس كانوا جميعهم مسلمين.
لقد بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمهاجمة الصين الآن بدلًا من سلفه الجمهوري بوش الذي هاجم العراق في 2003
لكن هناك عامل آخر في هذا الأمر: جائحة كورونا تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية، والغرب يرغب – وربما يحتاج – لعدو، وهدفه الآخر هو الصين.
استهداف الصين
أصبحت الصين الآن العدو الوجودي الجديد مثلما كان الإسلام منذ 20 عامًا، ومن نفس الأشخاص ونفس الكتاب الصحفيين ونفس المؤسسات الفكرية ونفس الأحزاب السياسية ونفس الوكالات الاستخباراتية.
بعد مقال هنتنجتون الشهير الذي قاد العداء ضد المسلمين – أو ما يسمونه الإسلام الراديكالي – اتجه اهتمامهم الآن نحو الشرق الأقصى، لقد بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمهاجمة الصين الآن بدلًا من سلفه الجمهوري بوش الذي هاجم العراق في 2003 و”محور الشر” قبل 20 عامًا، ففي حملته الانتخابية عام 2016 اتهم ترامب الصين باغتصاب الاقتصاد الأمريكي.
ومع ذلك فمنذ تفشي فيروس كورونا اكتسبت هجمات ترامب سرعة وجاذبية، لقد اتهم الصين بالتستر على الفيروس والكذب بشأن إجمالي الوفيات، وفي وقت سابق من هذا الشهر أوقف ترامب تمويل الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية ووصفها بمركز الصين، أما الصحف البريطانية التي كانت تقتطع مساحات واسعة للتنفيس عن غضبها من المسلمين، تحولت الآن نحو الخطر الصيني.
كانت صحيفة صن التي قرعت طبول غزو العراق في 2003 قد نشرت تقريرًا يدعي أن الصين طورت الفيروس عمدًا لإثبات أنها أعظم من أمريكا في مكافحة الأمراض المميتة، أما وكالة الاستخبارات البريطانية الأجنبية “MI6” فقد ساعدت من قبل في بناء قضية ملف أسلحة الدمار الشامل سيئ السمعة الذي ساعد بلير على مهاجمة العراق، والآن تقع الصين في مرمى بصرها.
في حديثه مع برنامج “Today” الخاص بـBBC، أظهر رئيس المخابرات السابق جون ساويرس تعاطفه مع إلغاء ترامب دعم منظمة الصحة العالمية حيث قال: “هناك غضب شديد في أمريكا بسبب الضرر الذي ألحقته الصين بالجميع، كما أن الصين تتهرب من مسؤوليتها بأنها أصل الفيروس وأنها فشلت في التعامل معه منذ البداية”.
في بريطانيا عادة ما تعتبر أحاديث رؤساء المخابرات السابقين بأنها تمثل وجهة النظر الحاليّة للمكتب.
في الوقت نفسه قال رئيس الوزراء البريطاني بالإنابة دومينيك راب إنه بعد انتهاء فيروس كورونا لن تعود التجارة كالمعتاد مع الصين، أما الصحفية البريطانية ميلاني راب التي كانت منتقدة دائمة للإسلام الراديكالي فتستخدم عمودها في صحيفة التايمز للتحذير من أن الغرب لم يعد بإمكانه أن يغض الطرف عن الصين.
التستر
بالطبع هناك أسباب منطقية لانتقاد الصين، فهناك أدلة تقول إن الصين لم تكن واضحة في المراحل الأولى لتفشي الفيروس أو بشأن أعداد المصابين، من ناحية أخرى فالعديد من الدولة (من بينهم بريطانيا) متهمين بالتستر والخداع أيضًا.
هذا ما يجعل تغير الأجواء بشأن الصين واضحة للغاية، فحتى مراكز التفكير الخاصة بالمحافظين الجدد التي كانت تندد بالمظاهر الإسلامية منذ وقت طويل، وجدت لها خصمًا جديدًا.
كانت جمعية هنري جاكسون واحدة من أكثر المنتقدين باستمرار لما يسمونه الإسلام الراديكالي، لكنها الآن تقود سلسلة من التقارير في وسائل الإعلام لمهاجمة الصين، في الحقيقة لقد ازداد هجومهم على الصين في الأشهر الأخيرة أضعافًا مضاعفة.
كان آخرها استطلاع أجرته الجمعية وشكل أساسًا لمقال في صحيفة التايمز الأسبوع الماضي، وجد الاستطلاع أن أكثر من 80% من البريطانيين يرغبون في أن يجري بوريس جونسون تحقيقًا دوليًا بخصوص تعامل الصين الأولي مع تفشي فيروس كورونا.
حذر هنتنجتون من حضارة منافسة أخرى بجوار الإسلام، ووفقًا لهنتنجتون فالصين تعد أكبر تهديد للغرب على المدى الطويل
كتب دكتور جون هيمنجز – الزميل المشارك في الجمعية – في صحيفة التلغراف دعمًا لتراجع ترامب عن تمويل منظمة الصحة العالمية وحذر من النفوذ الصيني الخبيث المتزايد، أما ماثيو هيندرسون مدير مركز الدراسات الآسيوية في الجمعية فقد أطلق سلسلة من مقاطع الفيديو مع صحيفة صن بعنوان “Hot Takes” وكان سؤال أول حلقة يقول: “هل يعد فيروس كورونا تشرنبول الصين؟”.
كما اقترح تقرير للجمعية في صحيفة “ميل” بأن تطالب بريطانيا الصين في المحكمة الدولية بتعويض قدره 437 مليار دولار عن تفشي الفيروس، أما معهد جيتستون فقد عقد مقارنة مباشرة بين الصين والإسلام الراديكالي.
لقد وصف المعهد تفشي فيروس كورونا بأنه “11 سبتمبر” آخر للغرب، كان كون كوجلين الزميل في معهد جيتستون قد دعم حرب العراق بقوة من قبل، والآن يطالب رئيس منظمة الصحة العالمية “الموالي للصين” بالاستقالة.
الصدع الجديد
قد يقول البعض إنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أصبح الغرب بحاجة لعدو بديل، ضع في اعتبارك أن صراع الحضارات قد حذر من أن خطوط الصدع بين الحضارات ستكون خطوط المعركة في المستقبل، وأنها لا تتعلق بالحضارة الإسلامية فقط.
لقد حذر هنتنجتون من حضارة منافسة أخرى بجوار الإسلام، ووفقًا لهنتنجتون فالصين تعد أكبر تهديد للغرب على المدى الطويل، ربما لن يتغير الأمر بين عشية وضحاها، فإيران ستظل في مرمى بصر البيت الأبيض وكذلك قوة العلاقة الشخصية بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
لكننا ربما وصلنا إلى نهاية فترة طويلة كان الإسلام فيها “الصدع الرئيسي”، ربما قد يكون الغرب وجد لنفسه عدوًا جديدًا، إذا كان الأمر كذلك حقًا فبإمكان المسلمين أن يتنفسوا بحرية أكبر الآن.
المصدر: ميدل إيست آي