“رمضان هذا العام حزين”.. بهذه الكلمات يصف المواطن العراقي حمزة لقمان من العاصمة بغداد حال الشهر المبارك بعد أن أدت جائحة كورونا إلى حجر صحي إجباري وتغيير كثير من العادات والطقوس الرمضانية.
لقمان الذي اعتاد أن يقضي ليالي رمضان في صلاة التراويح بجامع أبي حنيفة النعمان ومن ثم السهر مع أصحابه في إحدى مقاهي منطقة الأعظمية، يفتقد للذة الرمضانية التي طالما اعتادها، مشيرًا في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن أهم جوامع بغداد التاريخية باتت موصدة الأبواب بوجه المصلين في ظل تفشي فيروس كورونا كجامع أبي حنيفة النعمان وعبد القادر الكيلاني ومعروف الكرخي.
سجّل العراق حتى الآن 1928 إصابة بفيروس كورونا ووفاة 90، في ظل استمرار حظر التجوال الجزئي وتسجيل عشرات الإصابات يوميًا.
إلغاء ألعاب رمضان
طالما عرف رمضان في العراق بلعبة المحيبس الشعبية (كشف الخاتم من بين أيدي عشرات اللاعبين)، إذ يقول رئيس اتحاد لعبة المحيبس جاسم الأسود في حديثه لـ”نون بوست” إن لعبة المحيبس أصلها عراقي ويرجع تاريخها إلى العصر العباسي عندما أضاع أحد الخلفاء العباسيين خاتمه ومن ثم عثر عليه، وبالتالي نشأت اللعبة.
أهم ما يفتقده الأربيليون في رمضان هو الطقوس الدينية المتعلقة بصلاة التراويح، فضلًا عن إلغاء الزيارات البينية بين الأقارب
ويضيف الأسود أن العديد من أحياء بغداد كانت تشهد في رمضان مسابقات بين الفرق الشعبية في لعبة المحيبس ومنها أحياء الفضل والكاظمية والأعظمية والكرادة وغيرها، مشيرًا إلى أنه بعد أن تفشى فيروس كورونا في العراق، قرر الاتحاد إلغاء مسابقات اللعبة تجنبًا لانتشار الفيروس.
وعلى الرغم من كون اللعبة تراثًا شعبيًا عراقيًا خالصًا، فإن رمضان هذا العام افتقدها بعد أن كانت المباراة الواحدة تضم قرابة الـ400 لاعب في كل فريق، بحسب الأسود.
ليس هذا فحسب، إذ وبالانتقال إلى عاصمة إقليم كردستان (شمال العراق) وتحديدًا مدينة أربيل، يوضح المواطن الكردي هاكار علي أن رمضان هذا العام جاء ومعه كثير من المتغيرات نتيجة تفشي فيروس كورونا.
ويشير علي أن أهم ما يفتقده الأربيليون في رمضان هو الطقوس الدينية المتعلقة بصلاة التراويح، فضلًا عن إلغاء الزيارات البينية بين الأقارب وإغلاق المقاهي والمطاعم الشعبية التي كانت قبلة لسكان المدينة شيبًا وشبابًا، فمنطقة شارع الإسكان التي كانت تضم عشرات المقاهي باتت خاوية بفعل حظر التجوال الصحي.
حلويات رمضان والخوف
وبالانتقال إلى مدينة الموصل شمال العراق، يشير أحد أصحاب محلات بيع الحلويات والعصائر ويدعى يونس صالح في حديثه لـ”نون بوست” إلى أنه وعلى الرغم من إقبال بعض الموصليين على شراء البقلاوة والزلابية وشربت الزبيب، فإن الخوف من فيروس كورونا والإصابة بالعدوى دفع كثيرًا من الموصليين إلى صنع هذه الحلويات والعصائر في البيوت، ما أدى إلى تراجع الإقبال على شرائها بنسبة كبيرة.
جائحة كورونا في العراق وتأثيرها في طقوس رمضان، تزامنت مع أزمة اقتصادية يشهدها العراق في ظل انهيار أسعار النفط
ويضيف صالح أن الموصل التي دائمًا ما كانت تشهد ازدحامًا مروريًا في منطقة الغابات السياحية وإقبال الشباب والعوائل على المقاهي والكازينوهات المطلة على نهر دجلة، جاء رمضان هذا العام ليترك المنطقة موحشة بلا زائرين خوفًا من كورونا.
وكذا الحال في بقية المحافظات العراقية، ففي البصرة التي كانت تشهد هي الأخرى فعاليات كبيرة بعد الإفطار، جاء فيروس كورونا وحظر التجوال الشامل في المحافظة ليقيدا حركة البصريين، إذ يصف المواطن البصري مصطفى محمد رمضان في البصرة بأنه كئيب ويفتقد للبهجة التي اعتادها البصريون، فمعدل الإصابات المرتفع بفيروس كورونا وحظر التجوال الشامل، أدى إلى أن يلزم السكان بيوتهم، بعد أن سجلت البصرة عشرات الإصابات خلال اليومين الماضيين.
ويمضي محمد في حديثه لـ”نون بوست” مشيرًا إلى أن جائحة كورونا في العراق وتأثيرها في طقوس رمضان، تزامنت مع أزمة اقتصادية يشهدها العراق في ظل انهيار أسعار النفط والحديث عن احتمالية تخفيض الرواتب، ما يضيف مزيدًا من الأعباء على العوائل الفقيرة التي كانت تجني لقمة عيشها يومًا بيوم، لافتًا إلى أن رمضان هذا العام سيتذكره العراقيون عبر الأجيال القادمة.
توقف التسوق والأعمال
على عكس الأيام العادية، يقضي كثير من العراقيين في رمضان أعمالهم ليلًا بعد الإفطار، خاصة تسوق الملابس والمواد المنزلية، إلا أن هذا الحال تغير بفعل كورونا.
لكورونا ضرورته هذا العام، ما اضطر العراقيين للانكفاء في بيوتهم آملين أن يكون رمضان العام القادم أفضل حالًا
يقول أحد أصحاب محلات الألبسة في مركز تجاري المنصور ببغداد ويدعى حسن نعمة: “في كل عام كان مول المنصور يشهد حركة تجارية منقطعة النظير في ليالي رمضان، إلا أن إغلاق الأسواق ومراكز التسوق بسبب كورونا، أدى إلى أن يقضي العراقيون لياليهم الرمضانية في البيوت”.
ويؤكد نعمة أن فرحة الأطفال وشراء الملابس وتجوالهم بين أسواق بغداد ومراكز التسوق الكثيرة فيها كانت واضحة للعيان بعد الإفطار، غير أن ذلك اختفى وأفقد رمضان لذاته المعهودة لدى العراقيين.
عادات كثيرة اختفت في رمضان هذا العام، فمع الخوف من انتشار الفيروس، يفتقد العراقيون بهجة الشهر الفضيل وأصوات طبول المسحرجية الذين كانوا يحافظون على الإرث الشعبي من خلال قرعهم الطبول قبيل السحور.
رغم الوضع الأمني المتدهور الذي كانت تشهده مختلف المدن العراقية خلال السنوات السابقة، فإن تلك الأوضاع لم تمنع العراقيين من الاستمتاع بطقوس الشهر الفضيل، لكن لكورونا ضرورته هذا العام، ما اضطر العراقيين للانكفاء في بيوتهم آملين أن يكون رمضان العام القادم أفضل حالًا.