مع انسحاب الولايات المتحدة من قرابة 12 معسكرًا وقاعدةً في مختلف المدن العراقية، وبعد مطالبة الكتل السياسية والفصائل المسلحة المرتبطة بالحشد الشعبي بانسحاب كامل لقوات الولايات المتحدة، تطرح العديد من الأسئلة عن إمكانية وقدرات الجيش العراقي على حماية البلاد داخليًا وخارجيًا.
“نون بوست” يخصص تقريرًا موسعًا لبحث قدرات الجيش العراقي في حال انسحاب الولايات المتحدة من العراق بشكل كامل، إذ سيناقش قدرة الجيش على التعبئة والانتشار والتسليح والاستخبارات والقوات الجوية وطيران الجيش والاتصالات وغيرها.
الجيش العراقي
يعد الجيش العراقي من أقدم جيوش منطقة الشرق الأوسط بعد انهيار الدولة العثمانية، إذ تأسست أولى وحدات الجيش عام 1921 وتزايدت قدراته حتى أصبح من أقوى جيوش المنطقة في ثمانينيات القرن الماضي، ومع الغزو الأمريكي عام 2003، حلَّ الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر جميع المؤسسات الأمنية، وبالتالي أعيد تأسيس الجيش العراقي مرة أخرى من الصفر، بعد أن تحول في عقيدته القتالية من الشرقية إلى الغربية.
ووفق آخر تصنيف لقوة الجيوش عالميًا، تراجع الجيش العراقي 3 مرات، واحتل المرتبة الـ50 من أصل 138 جيشًا، إذ يعتمد المعيار العالمي لتصنيف الجيوش على تعداد الجيش وقدراته القتالية وجاهزيته.
يقول مصدر عسكري رفيع المستوى عمل بالجيش العراقي السابق والحاليّ وتبوأ مناصب رفيعة في قيادة الجيش الحاليّ حتى وقت قريب، إن أولى الوحدات التي تم تشكيلها في الجيش العراقي الحاليّ كانت عام 2004-2005 عندما شكلت أفواج من قوات الحرس الوطني.
وعن بداية تشكيل القوات الفعلية للجيش العراقي الحاليّ، يوضح المصدر لـ”نون بوست” أن البناء الحقيقي للجيش بدأ فعليًا عام 2007 عندما تولى وزير الدفاع العراقي الأسبق عبد القادر العبيدي وزارة الدفاع، مشيرًا إلى أن الأخير اعتمد المعايير العسكرية في إنشاء الجيش بصنوفه المختلفة التي تشمل قيادات القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي وطيران الجيش.
وعن تعداد الجيش العراقي الحاليّ، يضيف المصدر أن عدد أفراد الجيش بمختلف منتسبيه العسكريين والمدنيين والضباط والمراتب يناهز الـ310 آلاف شخص، بـ14 فرقة عسكرية.
منذ عام 2014 بات اختيار العديد من قادة الجيش مبني على أسس غير مهنية وتشوبهم الكثير من شبهات الفساد
وعن إمكانية حماية الجيش العراقي للبلاد حال انسحبت واشنطن، يشير المصدر إلى أنه كان من المفترض أن يمتلك العراق وفق الخطط الموضوعة لعام 2020 نحو 120 طائرة مقاتلة، إلا أنه لا يملك الآن إلا 70 طائرة حربية نصفها غير صالح للاستخدام، فضلًا عن 190 طائرة مروحية ثلثها خارج الخدمة من الناحية الفنية، معتقدًا أن الجيش العراقي لا يزال بحاجة للتدريب والتسليح ليكون قادرًا على حماية البلاد.
ويشير المصدر إلى أن حدثًا طارئًا عام 2014 (قبل احتلال داعش لأجزاء واسعة من العراق) أدى إلى تعثر المخططات الموضوعة في وزارة الدفاع، إذ يؤكد المصدر أنه وفي نهاية حقبة المالكي في ولايته الثانية، فإن الأخير عمل على إقصاء الكفاءات العسكرية من المناصب والمهام التي كانوا يتولونها، وذلك من خلال إحالة الكثير منهم إلى التقاعد أو المجالس التحقيقية.
لافتًا إلى أنه ومنذ عام 2014 بات اختيار العديد من قادة الجيش مبني على أسس غير مهنية وتشوبهم الكثير من شبهات الفساد، مؤكدًا أن هذا السبب إضافة إلى ضعف قدرة الاستخبارات العسكرية وفقدان العراق لأنظمة ووسائل الاستطلاع الجوي التقليدي والفضائي ونظام اتصالات حديث، تجعل الجيش العراقي غير قادر على حماية البلاد دون دعم التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة.
ويختتم المصدر حديثه لـ”نون بوست” بالإشارة إلى أن عدم تقوية الجيش العراقي يهدف إلى إبراز دور الحشد الشعبي، منوهًا أن كثيرًا من الدول كإيران يهمها إبقاء العراق دون جيش قوي.
خسارة التسليح الغربي
منذ عام 2003، تحول العراق في اعتماده على التسليح إلى الغرب، إذ تعاقد مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على شراء طائرات حربية من مختلف الأصناف فضلًا عن سلاح الدبابات والمدفعية، التي وفي حال انسحاب الولايات المتحدة والتحالف الدولي من العراق، فإن مصيرها وفاعليتها ستكون محل شك.
أما الخبير الأمني حسن العبيدي فأكد في حديثه لـ”نون بوست” أن الجيش العراقي وعلى الرغم من استطاعته استرجاع جميع الأراضي العراقي من سيطرة مقاتلي تنظيم داعش، فإنه يرى أن ذلك لم يكن ليتم لولا الدعم اللامحدود والكبير جدًا الذي قدمه التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويضيف العبيدي “التحالف الدولي استخدم تقنيات وأسلحة لا تتولفر حتى الآن لدى الجيش العراقي أو أي جهاز أمني في العراق، ومنها نظام الاتصالات والاستخبارات والاستطلاع الجوي الفضائي المعتمد على الأقمار الصناعية، إضافة إلى سلاح الجو الفعال وطائرات الأباتشي والأسلحة النوعية”.
مؤكدًا أن العراق وعلى الرغم من استلامه مجموعة من طائرات F-16، ففي حال انسحاب الولايات المتحدة دون اتفاق مع الحكومة العراقية، فإن هذه الطائرات ستبقى على الأرض خاصة في مجال الذخيرة والصواريخ والصيانة.
كما أن سلاح الدبابات كذلك سيواجه ذات المصير، إذ إن 144 دبابة إبرامز أمريكية ستكون دون عتاد أو قطع غيار، كما أن انسحاب التحالف الدولي من العراق وخروجه من البلاد دون اتفاق، سيتسبب بخسارة العراق دعم التحالف فيما يتعلق بتزويد قوات الجيش العراقي بالمعلومات والخرائط العسكرية التي تتيحها أنظمة الاستطلاع الجوي الفضائية المعتمدة على الأقمار الصناعية.
العراق لا يزال قاصرًا عن حماية مجاله الجوي ولا يستطيع التصدي لأي طائرات حربية كانت أو مسيرة تدخل مجاله الجوي
ويشير الكثير من المراقبين إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من 12 قاعدة في العراق لا يعني خروجًا كاملًا، إذ لا تزال للولايات المتحدة قاعدتين عسكريتين كبيرتين في قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار وقاعدة حرير بمحافظة أربيل مع تزويد هاتين القاعدتين مؤخرًا بأنظمة الدفاع الجوي المعروفة بالباتريوت.
أما عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية النائب هريم كمال فيرى أن لا مقدرة للجيش العراقي على حماية البلاد في حال انسحب التحالف الدولي والقوات الأمريكية دون اتفاق بين الطرفين، ويضيف كمال “الجيش العراقي لا يزال بحاجة لسنوات من التدريب والتسليح وتعزيز قدراته القتالية في مختلف أنواع الحروب، لا سيما أن الأسابيع الأخيرة شهدت تزايدًا في معدل هجمات مقاتلي داعش في مختلف المناطق التي سبق أن سيطروا عليها قبل استعادتها”.
مؤكدًا أن التحالف الدولي لا يزال القوة الوحيدة التي تستطيع مراقبة المناطق الصحراوية المترامية الأطراف في العراق.
يقول ضابط في الجيش العراقي السابق فضل عدم كشف هويته في حديثه لـ”نون بوست”: “العراق لا يزال قاصرًا عن حماية مجاله الجوي ولا يستطيع التصدي لأي طائرات حربية كانت أو مسيرة تدخل مجاله الجوي”.
ويضيف المصدر أن قوات الدفاع الجوي لا تستطيع حاليًّا تغطية العراق بمنظومة رادارية فعالة تستطيع تغطية مساحة البلاد، في الوقت الذي شهدت البلاد عشرات الاختراقات الجوية من طائرات مسيرة وحربية دون أن تتمكن قوات الدفاع الجوي من التعرف عليها أو التحدث معها على الأقل.
ويرى المصدر أن أي جيش في العالم لا يستطيع تأمين الرصاص لبنادقه دون الاستيراد لا يعد جيشًا، وسيظل رهينة للاستيراد المتعرض للتقلبات السياسية والأمنية، لافتًا إلى أن العراق وبعد 17 عامًا على الغزو الأمريكي لا يمتلك مصنعًا واحدًا لصناعة أبسط أنواع الذخيرة المتمثلة برصاص المسدسات الشخصية، في حين أن دولًا أخرى لا تملك موارد مالية كبيرة كالعراق تصنع ذخيرتها التقليدية بنفسها وتوفر مئات ملايين الدولارات سنويًا.
اختراق الميليشيات وفقدان العقيدة
تعتمد الجيوش في تركيبتها على العقيدة القتالية التي تعتمدها وغالبًا ما تعتمد على الدين أو السياسة، بحسب الباحث في مركز راسام للدراسات السياسية والإستراتيجية حاتم الفلاحي الذي يؤكد أن عقيدة الجيش العراقي لا تزال غائبة، فالعراق الذي تحكمه طبقة سياسية متعددة الولاءات والانتماءات، جعلته غير واضح في مجال عقيدة فيما إذا كانت مدنية أم علمانية أم دينية.
وعن إمكانية الجيش العراقي، يعتقد الفلاحي أن تعداد الجيش العراقي لا يعاني نقصًا، ومن الناحية البشرية لديه القدرة على التعبئة والانتشار، إلا أن أي تعبئة عسكرية للجيوش لا تتم إلا بتوافر عدة عوامل، أهمها الدعم اللوجستي والجوي والكثافة النارية والاستخبارات والاستطلاع القريب والبعيد.
كما يشير الفلاحي إلى أن تحول العراق بعد 2003 من التسليح الشرقي إلى الغربي، جعله رهينة الذخائر وقطع الغيار الغربية، وبالتالي فأي انسحاب للولايات المتحدة والتحالف الدولي دون إطار إستراتيجي للتعامل بين الجانبين، سينعكس سلبًا على قدرات الجيش العراقي وديمومة سلاحه وصيانته وتسليحه.
ويعتقد الفلاحي أن دمج آلاف من عناصر الميليشيات إلى المؤسسة العسكرية، جعله يعاني من الطائفية وفقدان البوصلة، فضلًا عن أن تعدد المدارس العسكرية للتحالف الدولي يؤثر بشكل كبير في قواعد الاشتباك التي قد يتبعها الجيش في أي حرب يخوضها.
واختتم الفلاحي حديثه لـ”نون بوست” بالإشارة إلى أن الجيش العراقي يعاني من فقدان التوازن بين مكونات الشعب العراقي، فضلًا عن مشكلات أخرى بسبب عدم وجود تخطيط إستراتيجي قومي في بناء المؤسسة العسكرية ومهامها المستقبلية.