منذ سيطرة تركيا وفصائل المعارضة السورية على منطقة عفرين، في العملية العسكرية التي كانت تحت مسمى “غصن الزيتون”، مارس 2018، لم تهدأ الماكينة الإعلامية للميليشيات والوحدات الكردية الانفصالية من الحديث عن اقتراب العودة إليها و”طرد” تركيا والفصائل السورية منها، إلا أنه وبموازاة هذا الحديث الإعلامي المستمر فإن العمل الميداني لهذه الميلشيات الانفصالية لم يهدأ يومًا.
هذا العمل الميداني انقسم إلى عدة مسارات فتارةً بالقصف وتارةً بالتفجيرات في الأسواق وتارةً بالاشتباكات العسكرية عدا عن الاغتيالات وعمليات الاستهداف المتكررة، وهذا كله واضحٌ للعيان، فهذا الوحدات العسكرية الكردية أصبح لديها حلمٌ تعمل من أجله ألا وهو “استعادة عفرين”، طبعًا باختلاف الوسائل والإمكانات حتى لو كانت على حساب دماء المدنيين وأشلائهم.
كانت صحيفة يني شفق التركية قد كشفت في تقرير لها العام الماضي أن “ميليشيات الحماية YPG تعد آلاف المسلحين من عناصرها وتدربهم في معسكرات خاصة بدعم من التحالف وخبراء غربيين من أجل شن هجمات على عفرين.
طالعنا بالأمس التفجير الدامي الذي استشهد فيه ما يقارب الـ45 مدنيًا في منطقة مكتظة بمدينة عفرين، قبل سويعات من أذان المغرب ووقت الإفطار، صهريجُ وقود محمل بالمتفجرات يدخل إلى المدينة ويحدث انفجارًا ضخمًا وُصف بأنه الأضخم، حيث أحدث خسائر بشرية ومادية هائلة، ليتحدث ناشطون وقيادات عسكرية من المعارضة السورية عن بصمات “للميليشيات الكردية” بهذا النوع من الاستهدافات والتفجيرات.
توعد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بالرد على الهجوم، تأتي تصريحات صويلو بعد أن كشفت وزارة الدفاع التركية في بيان لها “أن ميليشيات الحماية هي من نفذت الهجوم الإرهابي في مدينة عفرين”، وفي ذات السياق قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: “التنظيم الإرهابي الغادر قتل المدنيين الأبرياء في عفرين غير آبِهٍ بوجود الأطفال ودون اعتبار لشهر رمضان المبارك”.
أعلنت ولاية هاتاي من جهتها أن قواتها الأمنية قبضت على مشتبه به بجلب الصهريج المفخخ إلى موقع التفجير في عفرين شمال حلب، كما قرر الأمن التركي إغلاق المدينة ومنع الدخول إليها إلى وقت لاحق يحدد فيما بعد، وذلك في إطار “الإجراءات الأمنية الاحترازية” وفقًا لمواقع سورية.
هل تنفذ الوحدات وعودها؟
لا يمكن لأي سوري أن ينسى التصريحات التي أدلى بها القيادي في “مجلس سوريا الديمقراطية” التابع لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وهي أكبر الفصائل الكردية المسلحة، حيث ادّعى إبراهيم إبراهيم المنسق الإعلامي للمجلس، أن “50% من الموجودين في منطقة إدلب إرهابيون يستحقون القتل”، مضيفًا “إذا كان الموجودون أربعة ملايين فإن نصفهم أي مليوني يستحقون القتل”.
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي دعت إلى محاسبة إبراهيم: “هذه ليست المرة الأولى التي يوجِّه فيها المنسق الإعلامي لمجلس سوريا الديمقراطية اتهامات بالإرهاب دون أي أدلة، فقد وجَّه سابقًا اتهامات بالإرهاب للشبكة السورية لحقوق الإنسان على خلفية تقرير أصدرناه عن حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري من قوات سوريا الديمقراطية”.
هذه التصريحات ذات الطابع الإجرامي ربما تعطي نقطة ربطٍ مع الكثير من الأعمال التي تفتك بالسوريين في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون التي تواصل المليشيات الكردية محاولاتها للسيطرة عليها، وبالاعتبار أن جميع من في هذه المناطق “إرهابيون” بحسب وصف “قسد” فإنها ربما تعطي نفسها الأحقية بالتخلص منهم والقضاء عليهم وزعزعة أمنهم.
تصريحات إبراهيم إبراهيم كانت منذ أسابيع، ولكن المتابع لبعض الأذرع الإعلامية للوحدات الكردية عقب انفجار عفرين وتعليقات نشطاء بالمليشيات الكردية على الضحايا يرى تشفيًا وشماتةً وعدم اكتراثٍ بالموت والضحايا، فكتب أحدهم معلقًا على مقطع فيديو للانفجار “المنطقة (الآمنة) التركية، الجحيم في عفرين المحتلة”، كما أن ذات الشخص علق بأن التفجير استهدف إحدى الفصائل المعارضة، رغم أن حصيلة ضحايا التفجير ضمت 11 طفلًا تفحمت أجسادهم الغضة.
لا تكتفي الوحدات الكردية بالتفجيرات، وإنما تحاول يوميًا إحداث البلبلة في تلك المناطق، ولعل آخر هجوم بالصواريخ كان في شهر مارس/آذار الماضي، حيث قُتل 5 مدنيين بينهم طفلان وجرح آخرون، في قصف للوحدات الكردية استهدف المنازل السكنية في مدينة عفرين وغيره الكثير، بالإضافة إلى استهداف مناطق جرابلس وأعزاز أيضًا.
ما زالت الألغام التي خلفتها ونشرتها الميلشيات الانفصالية عقب خروجها من عفرين تفتك بالأهالي، وتنتشر الألغام التي زرعتها الوحدات الكردية بكثرة في عفرين وريفها، ويشكل وجود هذه الألغام في الطرقات والأراضي الزراعية لا سيما بين الأشجار المثمرة هاجسًا كبيرًا ومصدر قلق متواصل أمام قاطني المنطقة.
وكان “نون بوست” قد أجرى تحقيقًا بعنوان “مفخخات الشمال السوري.. من المسؤول؟“، وناقش معدّه ورد فراتي، آليات تنفيذ التفجيرات في المنطقة مع الحديث عن الجهات المنفذة لهذه العمليات، وخط سير تلك السيارات، كما أجرى لقاءً مع العميد أحمد كردي قائد الإدارة العامة للشرطة العسكرية في المنطقة، الذي ذكر بدوره أن “قوات قسد تستخدم عناصر من تنظيم داعش المعتقلين لديها في عمليات التفخيخ هذه، وهذا ما يجعله يتم بطريقة احترافية اشتهر بها عناصر التنظيم”.
ضمن التحقيق أيضًا يتحدث العميد عن مكان تفخيخ السيارات ونقاط انطلاقها فيقول: “يتم تفخيخ ما نسبته 80% من السيارات في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، وترسل منها إلى المناطق المحررة في الشمال السوري، بينما يتم تفخيخ الباقي في المناطق المحررة عبر خلايا تابعة لقوات قسد”.
مسؤولية الأمن في المنطقة
ربما كانت الوحدات الكردية أو النظام أو تنظيم “داعش” قادرون على إجراء كل هذا العمليات التخريبية في المناطق المحررة، إلا أن ناشطين حملوا جزءًا من تبعات تردي الوضع الأمني إلى فصائل المعارضة وتركيا التي تحمل على عاتقها حماية تلك المنطقة، يقول الناشط والصحفي السوري ماجد عبد النور: “فشل ذريع في إدارة الملف الأمني لعفرين، ألف فصيل وألف أمنية وأغلب عملهم البحث عن النهب والخطف والتشليح، غابة عفرين موحشة مخيفة ونقطة سوداء في تاريخ الثورة، كل التفجيرات حالة طبيعية لإدارة فاشلة فشل مقرف من رأسها لأساسها”.
من جهته يقول الناشط السوري وائل عبد العزيز على حسابه بتويتر: “فصائل الجيش الوطني في عفرين وغيرها، ماهرةٌ في نشر الحواجز لفرض الأتاوات، ومشغولة في دعم الارتزاق والتغطية على مجموعات السرقة والنهب وقهر المدنيين. أما إيجاد قتلة المرأة المسنّة في عفرين ووقف الانفلات الأمني وضبط المنطقة أمنيًا لوقف الانتهاكات والنهب والتفجيرات فهذا لا يعنيهم”.
يحمّل عبد الباسط سيدا المعارض السوري من جهته، تركيا مسؤولية الأمن في المنطقة قائلًا: “تفجير إرهابي أرعن في عفرين والضحايا بالعشرات، الجريمة مدانة بكل المقاييس بصرف النظر عن الفاعل الحقيقي، عفرين تدفع ضريبة صراعات الآخرين على الأرض السورية. ما يتعرض له الأهل في عفرين من تجاوزات بات مقرفًا يثير المقت. تركيا مسؤولة عن أمن الناس وسلامتهم في المنطقة، لأنها السلطة”.
إلى ذلك فإن المنطقة ورغم غياب الطيران الحربي عنها لسنوات، فإنها ما زالت أسيرة الخوف من التفجيرات والاغتيالات والقصف الصاروخي وضعف الحماية الأمنية لها، ليستمر بذلك شلال الدماء السوري في هذه البقعة التي تؤوي مئات آلاف النازحين واللاجئين حتى إيجاد رادع قوي يوقف الإجرام بحق هذا الشعب من جميع الأطراف، وخاصة الوحدات الكردية التي طالما هددت ملايين القاطنين بقتلهم باعتبارهم “إرهابيين”.