فيديو مدته دقائق جعل وسائل التواصل الاجتماعي السورية تضج في منتصف الليل. سيل من التغريدات والمنشورات التي تتحدث عن خبر الساعة، ألا وهو ظهور رامي مخلوف رجل الأعمال السوري وأحد أقرباء رأس النظام بشار الأسد في مقطع مصور للحديث عن آخر المستجدات في قضاياه مع حكومة النظام السوري، سخرية كبيرة من الحال التي ظهر فيها الرجل مستجديًا وضعيفًا، غير تلك الهيئة التي يعرفها السوريون عنه، فما القصة؟
تحدث مخلوف في مقطعه المصور عما أثير، خلال الأيام الماضية، من اتهام شركتي “سيرتيل” و”MTN” بعدم دفع الضرائب لحكومة النظام، وذكر مخلوف بأن “الدولة ليست محقة لأنها ترجع إلى عقود تمت بموافقة الطرفين، ولا يحق لأحد أن يغيّرها، ويحق لنا أن نعترض”، مضيفًا أن “مؤسساتنا من أهم دافعي الضريبة، وأهم رافدي الخزينة بالسيولة، وأكبر المؤسسات التي تعمل في سوريا”.
لهجة الاستجداء واضحة على مخلوف الذي قال إن شركته “سيرتيل تدفع كل عام ما يقارب عشرة مليارات ليرة سورية، والعام الماضي دفعت ضرائب بلغت 12 مليار ليرة سورية”، مشيرًا إلى أن “سيرتيل لم تتهرب من دفع الضرائب ولا تتلاعب بالدولة، وستدفع قيمة الضرائب البالغة قرابة 130 مليار ليرة سورية، لأن الدولة أمرت بذلك وبتوجيه من الرئيس”.
توجه مخلوف إلى بشار الأسد قائلًا: ” أتوجه إلى سيادة الرئيس من أجل شرح بعض المعاناة التي نعانيها، لأن هذه الشركات تخدم الدولة، وأنا فقط جزء بسيط وأدير هذا العمل” مضيفًا: “أنا لن أحرجك ولن أكون عبئًا عليك، مثلما خرجتُ في أول الحرب عندما وجدتُ نفسي عبئًا عليك، وتنازلتُ عن أعمالي كلها، وقدمت تنازلًا عن كل شيء”.
قضية جديدة يطل بها مخلوف الذي ناشد فيها الأسد “مساعدته في حل قضية الاتهامات التي وُجّهت لشركة سيرتيل المملوكة له، ودعمه في عدم انهيارها”، مضيفًا “سيرتيل تدفع كل عام ما يقارب عشرة مليارات ليرة سورية، والعام الماضي دفعت ضرائب بلغت 12 مليار ليرة سورية”، نتابع في هذا التقرير القصة الكاملة مع التعرف على هذا الرجل وشركاته وعلاقته بالأسد وكيف ساءت علاقتهما وكيف كان سببًا من أسباب الانتفاضة السورية في آذار عام 2011.
يقول المعارض والكاتب السوري ماهر شرف الدين محللًا الظهور المفاجئ لرامي مخلوف: “النقاط الأهم التي يمكن استخلاصها من فيديو رامي مخلوف النقطة الأولى أنه بات عاجزاً عن التواصل المباشر مع بشار الأسد، بدليل أنه اضطر لمخاطبته عبر الإعلام”. مضيفًا أن النقطة الثانية بأنه “يرغب بإخراج ورطته مع أسماء الأسد للعلن بصورة رسمية، وليس عبر التسريبات فقط، لتشكيل نوع من الإحراج الإعلامي لها”، ويشير إلى أن النقطة الثالثة تتعلق بخطاب مخلوف الذي “انطوى على ما يشبه التهديد المبطن بنشر الغسيل الوسخ على الملأ”.
من هو رامي مخلوف
يعتبر رامي مخلوف أكبر رجل أعمال سوري وهو ابن خال بشار الأسد رئيس النظام السوري. ولد في مدينة جبلة الساحلية وأبوه محمد مخلوف الذي كان مديرًا للمصرف العقاري في عهد حافظ الأسد، والمالك الرئيسى لشبكة الهاتف المحمول “سيريتل”، جمعت بين آل الأسد وآل مخلوف الطائفة ذاتها والمصاهرة بين العائلتين، ليكون تزاوجًا بين السلطة والمال وتسخيره لخدمة مصالحهم العائلية فقط.
يعرف رامي مخلوف بأنه الأكثر فسادًا في سوريا، حتى أن المشاريع الكبيرة لم تكن لتمر لولا موافقته ووضع يد له فيها، كما أنه تلاعب كثيرًا بالاقتصاد السوري، ويدل على ذلك شراكته بالكثير من المؤسسات والشركات التي تنتشر في سوريا، حيث أنه وبحسب موقع الاقتصادي:
- شريك في “شركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية”.
- شريك في “شركة صروح”
- شريك في “شركة الفجر” يمتلك 1000 حصة في الشركة بنسبة 10%.
- شريك في “شركة راماك للاستثمار”، ويمتلك 90 حصة في الشركة، بنسبة 90%.
- شريك في “الشركة السورية لخدمات الاتصالات” ويمتلك 75 حصة في الشركة، بنسبة 75%.
- شريك في “شركة المدينة” ويمتلك 3,998 سهم في الشركة، بنسبة 39.98%.
- شريك في “شركة سيريتل للخدمات والاستشارات” يمتلك 1,000 سهم في الشركة، بنسبة 10%.
- شريك في “شركة راماك للمشاريع التنموية والاستثمارية”.
- شريك في “شركة مجموعة راماك الاستثمارية” بالجمهورية العربية السورية، ويمتلك 76,500 حصة في الشركة، بنسبة 51%.
- شريك في “شركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية المساهمة المغفلة القابضة الخاصة” يمتلك 10,299,588 حصة في الشركة، بنسبة 99.996%.
- شريك في “الشركة السورية للتعليم” يمتلك 4,800 حصة في الشركة، بنسبة 24%.
إضافةً لذلك يمتلك مخلوف جمعية “البستان”، وصحيفة الوطن الخاصة ويستثمر بقناة الدنيا الموالية، ويدير شركات للسيارات، إضافة إلى نشاطات اقتصادية تتمثل في قطاعات مختلفة مثل الصرافة والغاز والتجارة، كما أنه أحد كبار المشاركين بالاستثمار بمشروع “ماروتا سيتي”، وهي مدينة متوقع بناؤها بدمشق.
عمل مخلوف على تبييض الأموال لأبناء الرئيس العراقي السابق صدام حسين عدي وقصي في الفترة ما بين عام 2000 وحتى بعد الاحتلال الأمريكي للعراق
إقامة جبرية
ذكرنا في تقرير سابق لـ “نون بوست” أن رئيس النظام السوري بشار الأسد، وضع ابن خاله رجل الأعمال النافذ رامي مخلوف وشقيقه قيد الإقامة الجبرية، وهو الأمر الذي مثل سابقةً في سوريا، وذكرنا في ذات التقرير أن بشار الأسد كان عازمًا من خلال وضع مخلوف قيد الإقامة الجبرية على نقل حصته من شركة الاتصالات الخلوية “سيرتيل” التي يملكها لصالح مؤسسة الاتصالات الحكومية.
عائلة الفساد
لطالما لاحقت رامي مخلوف تهم الفساد أينما حل، ولا غرابة بأن يكون أولاده مثل أبيهم “فمن شابه أباه فما ظلم”، ففي آواخر سنة 2019 الماضية كشفت منظمة “غلوبال ويتنس” لمكافحة الفساد أن عدة أفراد من عائلة مخلوف يملكون 40 مليون دولار من العقارات في اثنتين من ناطحات سحاب موسكو، ولفتت المنظمة أن العائلة كانت تتحكَّم في 60% من الاقتصاد السوري، وتشير المنظمة إلى أن “عقارات عائلة مخلوف في موسكو، والتي جرى شراؤها بين 2013 و2019، تتكون في الغالب من مساحات مكتبية واقعة بالحي التجاري الرفيع في موسكو، بمدينة العواصم وناطحات سحاب الاتحاد الفيدرالي”.
وتبين الأدلة أن بعض القروض تبدو مهيكلةً، لحجب صلة عائلة مخلوف بالأموال الجاري تحريكها بين سوريا وموسكو،وأوضحت المنظمة أن “شراء هذه العقارات تذكِرة بالدور الثاني الأكثر سرية والذي أدته روسيا في دعم نظام الأسد، ثمة بنوك روسية دعمت عائلة الأسد خلال الحرب في سوريا، ويُظهر تحقيقنا أن موسكو ما زالت ملاذاً آمناً لأموال النظام السوري، ويُحتمل أن تكون بوابة إلى النظام الاقتصادي العالمي”.
عودةً إلى مطلع هذا القرن فقد عمل مخلوف على تبييض الأموال لأبناء الرئيس العراقي السابق صدام حسين عدي وقصي في الفترة ما بين عام 2000 وحتى بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وذلك عبر شركائه في لبنان من آل ميقاتي وأرسلان، وعبر رستم غزالة.
حاول مخلوف السيطرة على الوكالة الحصرية لشركة مرسيدس، كما أنه ضغط كثيرًا على مؤسسات الدولة لمنع الوكالات الحصرية بحجة منع الاحتكار، وسيطر على وكالات BMW في سورية وبحكم سلطته الواسعة فقد ألزم وزارة الدفاع بشراء 27 آلاف السيارات للضباط المتقاعدين.
كانت صحيفة دير شبيغل” الألمانية سلطت الضوء على فساد أبناء رامي مخلوف في ظل الحرب التي أفقرت الشعب السوري في الوقت الذي يعيشون حياة الرخاء والرفاهية، ومن خلال السوشال ميديا ووسائلها المتعددة يقدم أبناء رامي مخلوف صورة عن الإسراف المفرط والغنى الفاحش بحسب الصحيفة، ,أشارت الصحيفة إلى أن عائلة الأسد ومخلوف تهيمنان على مناصب قيادية في الجيش والاستخبارات والاقتصاد، كما أن أفراد عائلة رامي مخلوف متهمون بالتلاعب بمليارات الدولارات، لكنهم نجحوا بإيجاد طرق جديدة للتحايل على العقوبات الدولية عليهم، و حماية ممتلكاتهم بل وزيادتها.
يصف محمد مخلوف نفسه بـ “الملياردير العصامي”، وتبلغ ثروته ملياري دولار غير واضحة المصادر وطرق الجمع، وبحسب دير شبيغل أن شراء السيارات تعتبر إحدى هواياته، وفي عام 2018 انتخب محمد على أنه “الشخص الأكثر سخاءً في سوريا”، وفي العام 2022 سيبدأ بشركة قابضة لكسب المال من إعادة إعمار البلاد. تتنوع سيارات مخلوف الابن، وتضم أنواع “فيراري” و”رولز رويس” و”رانج روفر” و”مرسيدس”. فيما تظهر إحدى الصور، خمس سيارات يتخطى ثمنها الأربعة ملايين دولار. وتتنوع لوحات السيارات صاحبة الأرقام المميزة بين سيارات تحمل اسم “دمشق” او “دبي”.
صراع مع آل الأسد
آخر ما أثير من ضربات لمخلوف الذي يبدو أنه يعيش صراعًا مع عائلة الأسد وبالذات مع أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، وبحسب التقارير فإن “حرب تصفية حسابات” كما وصفها موقع “العربي الجديد“، بدأت بين الطرفين، وبحسب ذات المصدر فإنّ “فضح شركة تكامل”، العائدة ملكيتها لابن خالة أسماء، مهند الدباغ، واستغلالها للسوريين، “جرى بخطة من آل مخلوف”، الأمر الذي دفع وزير التجارة السوري، عاطف النداف، إلى أن يعلن الأسبوع الماضي منع “تكامل” المصدرة للبطاقة الذكية في سوريا من التدخل بتوزيع الخبز.
وضعت أسماء الأسد يدها على استثمارات رامي مخلوف بعد تعافيها من مرض السرطان، وهي جمعية “البستان الخيرية”، كما أنها فرضت وصايتها على شركتي “سيرتيل” و”MTN”، كما أنها صادرت الوثائق والدفاتر المحاسبية والحواسب من مقرّ شركة “راماك” بالمنطقة الحرة في دمشق، الأمر الذي دفع بمخلوف للانتقام والدفع نحو الكشف عن فضيحة شراء بشار الأسد لوحة لزوجته بمبلغ 30 مليون دولار.
الحرب بين الطرفين مستمرة ومحتدمة لتصل إلى مصر، التي صادرت شحنة مخدّرات كانت في طريقها إلى ليبيا داخل علب كرتونية مخصّصة لمنتجات ألبان وحليب خاصّة بشركة “ميلك مان” السورية، التي يملكها مخلوف،وتضم الشحنة 4 أطنان من الحشيش، وفي منشور له على الفيس بوك لم ينفِ مخلوف ما ورد من السلطات المصرية، لكنه وجه اتهامه إلى تجار مخدرات باستخدام منتجات شركته للقيام بهذه الأعمال، وأوضح مخلوف أنّ “المجموعة المسؤولة عن هذه الأعمال الدنيئة تعمل على إنتاج هذه المواد وبهذه الكميات، من خلال نفوذ وقدرات كبيرة. لأنّه لا يمكن إنتاج هذه الكمّيات ﻓﻲ دكاكين صغيرة بل تحتاج إﻟﻰ أماكن كبيرة وتمويلات ضخمة وقدرات عالية من عمّال وآﻻت وأسطول نقل”.
الثورة السورية ومخلوف
قبل أن تبدأ شعارات إسقاط النظام بالظهور على الساحة الثورية السورية عام 2011، كانت تهتف الجموع بشعارات تطالب الإصلاح وإزالة قانون الطوارئ، كما أنها تهتف ضد رامي مخلوف الذي يعتبره الثوار رمز الفساد في الحقبة الأسدية، وكان له نصيب كبير من تلك الشعارات التي طالما وصفته بـ “الحرامي”، وفي المظاهرات التي انطلقت من درعا أحرق المتظاهرون مكاتب شركة سيرتيل، لتبدأ المدن بهذا الفعل نقمةً على مخلوف وفساده.
صرح رامي مخلوف بعد أشهر من اندلاع الثورة السورية في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز أن “النظام السوري لن يستسلم بسهولة وسيقاتل حتى النهاية”، مضيفًا أنه”لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا”.
عقب انطلاق الثورة وما شهدته من قمع دموي من قبل النظام السوري والذي يدعمه ماليًا رامي مخلوف، فرض الاتحاد الأوروبي تدابير تمنع مخلوف من دخول الاتحاد الأوروبي، وجمد أمواله، إضافة إلى أوروبا فإن أمريكيا وفي كل حزمة عقوبات جديدة على مسؤولي النظام السوري يكون لرامي مخلوف منها نصيب، إلا أن الأخير يحاول دائما الالتفاف على هذه العقوبات.
“استطاع مخلوف التهرب من العقوبات التي فرضتها عليه الولايات المتحدة، من خلال علاقاته بشركات رومانية وبولندية” بحسب تحقيق صحفي كشف طرق التفاف مخلوف على العقوبات الأمريكية ويشير هذا التحقيق إلى أن “مخلوف كان مساهمًا في أربع شركات لبنانية، تأسست بين عامي 2001 و2003، قبل انسحاب القوات السورية من لبنان بشكل رسمي، عام 2005″، وكشفت وثائق أن ثلاثة شركات هي شركات قابضة للاستثمار، في حين أن الشركة الرابعة، مسؤولة عن تنظيم عقود للتفاوض والتوقيع خارج لبنان. وتحدد السجلات رامي مخلوف كشريك مؤسس لثلاث من الشركات الأربع، وتمكن مخلوف من تجاوز العقوبات المفروضة عليه، عبر الاستثمار بكثافة في شركات رومانية وبولندية، وهي عبارة عن عربات استثمارية، يمكن استخدامها لعدد كبير من المهمات المالية الغامضة وغير الشرعية.
يذكر أن أول عقوبات فرضت على مخلوف كانت في 21-2-2008 حيث جمدت الأرصدة البنكية والأصول المملوكة بسبب أن مخلوف “استفاد من فساد في الحكومة السورية”.
أخيرًا: في الوقت الذي يموت فيه السوريون ويعانون من كل الآفات والنكبات يستمتع أبناء مخلوف بخيرات الشعب التي نهبوها، فيما يصارع أبوهم مع أقاربه من آل الأسد على تقاسم المال الذي سرقوه من الشعب وساهموا بإفقاره، ومهما خرج مخلوف في مقاطع تبين ضعفه وانكساره فإن السوريون لن يسامحوه يومًا على تمويله للميلشيات التي قتلتهم وأذاقتهم الويلات، وما يحصل الآن ما هو إلا صراعٌ بين أبناء السلطة الواحدة والطائفة الواحدة على أمل أن يسرع بانهيار هذه العصابة ليرى الشعب السوري النور والحرية بعيدًا عن من سرقه وتصرف بخيراته بعيدًا عن إرادته.