أصاب فيروس كورونا المستجد العالم بأسره بحالة شلل غير مسبوقة، انعكست بدورها على مختلف القطاعات ومن بينها النشاط الرياضي الذي وجد نفسه في إجازة مفتوحة حتى إشعار آخر، واعتاد عشاق الرياضات المختلفة وعلى رأسها كرة القدم التي تعد اللعبة الشعبية الأولى في العالم، عد الأيام بلياليها لأجل انقضاء العطلة الصيفية الإجبارية وانتظار صافرة بداية الدوريات الأوروبية الكبرى ومتابعة أنديتها الشهيرة ونجومها البارزين.
ومع ذلك، كانوا على موعد مع مفاجأة غير سارة، إذ توقف النشاط الرياضي وفي مقدمته الكروي دون سابق إنذار، في مشهد لم يعتده عشاق الساحرة المستديرة، ما ضاعف قسوة الحجر المنزلي الذي فرضه الفيروس التاجي حتى وقتنا هذا، وبعد استيعاب الصدمة، تغير السؤال المطروح من احتمالية توقف النشاط الرياضي إلى أسئلة في مختلف الاتجاهات تتمحور حول مدى إمكانية استئنافه من جديد ومتى وكيف وبأي شكل ووفق أي أنظمة حاكمة؟
متى توقفت دوريات أوروبا؟
الأسرة الكروية الدولية تلقت في مارس 2020، ضربة قوية بتوقف الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى، وهنا يدور الحديث عن بطولات إيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى غيرها، بسبب تفشي كورونا في القارة الأوروبية التي تحولت إلى بؤرة الوباء بعد ووهان الصينية.
ولم يكن التوقف من نصيب تلك الدوريات وغيرها في مختلف القارات فحسب، بل آلت المسابقات القارية إلى المصير ذاته، وخاصة دوري أبطال أوروبا، البطولة الأولى في العالم على صعيد الأندية من حيث الشعبية والجماهيرية والإثارة والتشويق، كما تلقى عشاق الساحرة المستديرة صفعة قوية بتأجيل كأس الأمم الأوروبية وكوبا أمريكا، البطولتين الكبرتين على مستوى المنتخبات في القارتين الأوروبية واللاتينية تواليًا، عامًا كامًا لتقاما صيف 2021، وهو ما حدث أيضًا مع دورة الألعاب الأولمبية التي تحتضن العاصمة اليابانية طوكيو نسختها المقبلة، وتقام مرة كل 4 سنوات.
التسلسل الزمني التالي من إعداد الزميل عماد عناد يشير لأهم البطولات الرياضية التي تأجلت بسبب كورونا
بين الاستئناف والإلغاء!
وفي ظل غياب أي بادرة لانحسار وباء كورونا، بات الغموض يحيط بمصير النشاط الرياضي لهذا الموسم (2019-2020)، إذ يعلق بعض صناع القرار وعشاق الرياضات آمالًا بشأن استئنافه في الوقت القريب، فيما يبدو الطرف الآخر من المعادلة مستسلمًا لأحكام كورونا والميل إلى أكثر الخيارات قسوة، التي تقول إن الموسم الحاليّ “بات من الماضي”.
وبين هذا وذاك، يقول الإعلامي في شبكة قنوات “بي إن سبورت” الرياضية، مازن الريس، إن أزمة كورونا كشفت معضلتين أساسيتين: الأولى تمثلت بتعامل كل دولة على حدة مع ما خلفه انتشار الوباء والثانية عدم قدرة الجهات الرياضية اتخاذ قراراتها بشكل مشترك بعيدًا عن الدوائر الحكومية.
واستدل الريس في حديثه لـ”نون بوست”، بإلغاء الموسم الرياضي في فرنسا وهولندا بقرارات حكومية، معتبرًا أنه من الضروري قبل الحديث عن عودة المنافسات في أي دولة أن تتوصل المؤسسات الرياضية والحكومية لتفاهمات تعود بالنفع على الجميع وتجنبهم تبعات العودة من الناحية الصحية، ورجح الصحفي الرياضي أن العودة واستئناف النشاط الرياضي والكروي سيكون بدءًا من منتصف يونيو لاستكمال ما تبقى من جولات هذا الموسم.
وفيما يتعلق بإمكانية إلغاء إسبانيا وإيطاليا بطولاتهما الكروية على غرار دول أخرى، استبعد صحفي “بي إن سبورت” ذلك، مرجعًا رأيه إلى تجاوب حكومتي مدريد وروما مع مقترحات عودة النشاط الرياضي لتجنيب الأندية خسائر مادية فادحة، كما أن الوضع الاقتصادي في تلك الدولتين مختلف تمامًا عن فرنسا وهولندا.
أما عن طريقة العودة إلى الميادين والمنافسات الرياضية، يقول الريس: “خيارات كثيرة مطروحة على الطاولة بغرض الاستئناف منها عزل الرياضيين في جزر نائية كما وصل للاتحاد الإسباني لكرة القدم، فيما تدرس إنجلترا خطة حجز الأندية فنادق خاصة بها طوال فترة النشاط الرياضي”، لكن استدرك بسرعة “ظهر أن العودة وطريقتها لا تزال مجهولة علميًا”، في إشارة إلى عجز الأسرة الدولية عن الوقوف أمام كورونا وتوسع رقعة انتشاره.
وفي هذا الإطار، منحت اللجنة الطبية في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، بصيص أمل لعشاق المستديرة بقولها إن إمكانية استئناف موسم اللعبة المُعلق في القارة “ممكن بالتأكيد”، خلافًا لعدة دول تستبعد محاولات العودة.
ورغم تأجيل بطولاته القارية التي تدر الملايين، لا ينفك الاتحاد القاري بتوصية الاتحادات المنضوية تحت لوائه بضرورة استكمال الدوريات المحلية، مقدمًا إياها على بطولتي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي، اللتين قد تعودان إلى الدوران من جديد في أغسطس المقبل.
أكد علماء فيروسات أن الكريات اللعابية الحاملة للفيروس الذي أصاب لاعبين ومدربين، تبقى على أرضية الميدان لعدة ساعات، وبالتالي فإن البصق يُمكنه نقل العدوى خلال المباريات
تدابير احترازية قادمة
من المؤكد أن مرحلة ما بعد كورونا ليست كما قبلها، وهذا ينسحب أيضًا على عالم الرياضة، وسط تصاعد الحديث عن إجراءات وتدابير احترازية في الميادين والمنافسات الرياضية للحيلولة دون تفشي الوباء بين اللاعبين والرياضيين.
بدأت بوادر تلك المرحلة بإعلان رابطة الدوري الألماني إجراء فحوصات كورونا للاعبي الدرجتين الأولى والثانية اعتبارًا من الخميس (30 من أبريل)، ضمن دليل النظافة والسلامة المقدم من طرفها، سعيًا للحصول على الموافقة لاستئناف منافسات الموسم، عبر إقامة المباريات دون جمهور اعتبارًا من مايو.
كما أعطت وزارة الصحة الإسبانية الضوء الأخضر لاستئناف تدريبات كرة القدم، بداية من 4 من مايو، بعد الاتفاق على تطبيق البروتوكول الطبي في جميع مقرات الأندية، ويتضمن إجراء اختبارات طبية دقيقة على جميع الأشخاص العاملين في الأندية الإسبانية.
ولن تتوقف الأمور عند الفحوصات فحسب، بل يعمل الاتحاد الدولي لكرة القدم على منع البصق نهائيًا على المستطيل الأخضر، وقد يعاقب مرتكبها بالبطاقة الصفراء عند استئناف البطولات والمباريات بعد انحسار جائحة كورونا، وفي سياق ذي صلة، أكد علماء فيروسات أن الكريات اللعابية الحاملة للفيروس الذي أصاب لاعبين ومدربين، تبقى على أرضية الميدان لعدة ساعات، وبالتالي فإن البصق يُمكنه أن ينقل العدوى خلال المباريات.
وإلى جانب البصق، هناك أمور شائعة في المنافسات الرياضية تُشكل أرضًا خصبة لنقل العدوى، كطريقة الاحتفال بعد تسجيل الأهداف والمصافحة اليدوية قبل المباريات وتبادل القمصان بعد نهايتها والتقاط الكرات ومصافحة طاقم التحكيم.
لماذا الإصرار على العودة؟
يخشى أصحاب القرار في الرياضة كثيرًا من إلغاء الموسم الحاليّ وما يعنيه من خسائر اقتصادية فادحة في كل اتجاه، ويُنذر بانسحاب شركات عملاقة من مجال الاستثمار في الرياضة، والكرة الأوروبية معروفة بإنفاقها أموالًا طائلة، وتعتمد بشكل كبير على مداخيل المباريات وتذاكر المشجعين وحقوق البث التليفزيوني وعقود الرعاية.
وبحسب رابطة الدوري الإسباني، فإن إلغاء المسابقة الشهيرة سيتسبب بخسارة 700 مليون يورو تقريبًا، خاصة بحقوق البث التليفزيوني ومبيعات التذاكر، وفي إنجلترا، فإن أندية “البريميرليغ” وحدها يمكن أن تخسر ما بين مليون جنيه إسترليني (1.26 مليون دولار) و6 ملايين (7.56 مليون دولار) لكل مباراة من دون جمهور، فيما ستكون الخسارة مضاعفة لكون عقود البث التليفزيوني فيها الأعلى عالميًا.
وبالنظر إلى تلك الأرقام، يُدرك المتابع أن صناعة كرة القدم بما فيها من عقود رعاية وحقوق بث تليفزيوني ومباريات باتت مُهددة بشكل حقيقي، وبتراجع ليس بسيطًا في أفضل الأحوال إن لم تعد الساحرة المستديرة إلى الدوران من جديد فوق المستطيل الأخضر.