يبدو أن المسار السياسي في تونس والنجاحات التي حققها هذا البلد العربي الذي انطلقت منه الثورات العربية مطلع 2011، لم ترق للبعض داخل البلاد وخارجها أيضًا، ما جعل المناورات والخطط لاستهدافها تتواصل دون انقطاع، ما دام الهدف لم يتحقق بعد.
آخر هذه المناورات، السعي لبث الفوضى في البلاد واستهداف البرلمان والحكومة والعمل على إسقاطهما وتغيير دستور فبراير/شباط 2014، في إطار ما سمي بـ”ثورة الجياع”، ما جعل العديد من التونسيين يتذكرون اعتصام الرحيل صيف سنة 2013، الذي عطل الدولة وكاد أن يعصف بها.
النهضة تندد
هذه المناورات الجديدة، جعلت حركة النهضة التونسية – صاحبة أغلبية مقاعد البرلمان – تسارع بالتنديد بها، حيث ندد مكتبها التنفيذي بالحملات المشبوهة الداعية إلى الفوضى واستهداف البرلمان ورئيسه راشد الغنوشي (زعيم النهضة)، مشيرة إلى أنها تربك المسار الديمقراطي في البلاد.
وجاء في بيان المكتب الصادر مساء أمس الجمعة، “نستنكر كل التصريحات والممارسات السياسية التي تغذي الخلافات وتضعف مجهودات الدولة في السيطرة على وباء كورونا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي”، كما أدان البيان “الحملات المشبوهة الداعية إلى الفوضى التي تستهدف مجلس نواب الشعب ورئيسه، وتسعى لإرباك المسار الديمقراطي وإضعاف مؤسسات الدولة، في ظل تحديات صحية واقتصادية استثنائية”.
يسعى القائمون على هذا البيان إلى تكرار ما حصل صيف سنة 2013، واعتصام الرحيل الذي نظم أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي التونسي
يفهم من بيان حركة النهضة الإسلامية، أن أكبر أحزاب الائتلاف الحاكمة في تونس، يعلم بوجود مخططات تهدد مكاسب الثورة، وما تحقق من إنجازات على المستوى السياسي والديمقراطي في البلاد منذ يناير/كانون الثاني 2011.
وترى النهضة أن اللعب على بث الفوضى والتشكيك في مؤسسات الدولة، من شأنه أن يزيد الأوضاع سوءًا في تونس في هذا الظرف الصحي والاقتصادي الحرج الذي تمر به أسوة بالعديد من دول العالم نتيجة انتشار جائحة فيروس كورونا.
ما يحدث اليوم من تشكيك وبث لخطاب العنف، وفق النهضة والعديد من التونسيين الذين يوافقونها الرأي، ليس في مصلحة أي طرف، سواء كان في الحكم أم في المعارضة أم المجتمع المدني، لأن استهداف الدولة ومؤسساتها ومقوماتها هو استهداف لتونس ووحدة ترابها ومصير التونسيين المشترك.
الانقلاب على البرلمان والحكومة وتكليف الجيش بالقيادة
بيان النهضة وتجندها للدفاع عن مكاسب الدولة، جاء نتيجة حملة موجهة لاستهداف البرلمان والحكومة، تأكدت من خلال بيان تسعى العديد من الأطراف المجهول لترويجه بين التونسيين ودفعهم لتبني نقاطه والبرامج التي سطرها.
هذا البيان يدعو إلى تشكيل “هيئة إنقاذ وطني” تتكون من قضاة ومحامين ورجال أعمال وخبراء وضباط في الجيش والأمن ومن وصفهم بالشرفاء المناضلين من شباب الثورة والمظلومين والمحرومين من أبناء الوطن.
بعد ذلك، يتم عزل الحكومة التي يرأسها إلياس الفخفاخ ومجلس النواب الذي يرأسه راشد الغنوشي، وتكليف الجيش مؤقتًا بتسيير شؤون البلاد، ويرى أصحاب البيان أن الحل يكمن في الحكم الذاتي عبر الديمقراطية المباشرة دون تدخل السلطة المركزية.
نادى البيان بضرورة “تصعيد التظاهرات السلمية وتنظيم ملتقيات للتنديد بالفساد وعرض البديل مع حضور خبراء مختصين في الميادين المعنية بما في ذلك القضاة والمحامين والتغطية الإعلامية بجميع الصفحات ووسائل التواصل الاجتماعي والالتفاف حول ثورة الجوع”، إلى جانب، تأليف قادة من الشباب يقودون المسيرات وإعداد تنسيقيات حماية ثورة الجوع وربطها بقوى الأمن والقيام بإضراب مالي عبر سحب جميع الأموال في البنوك والحسابات البريدية.
أما عن أهداف هذه المجموعة المجهولة، فهي حل الأحزاب الحاكمة والبرلمان والمطالبة بمحاسبتهم، وتعليق العمل بالدستور ومراجعة قوانين ما بعد الثورة وإعادة صياغته والمصادقة عليه باستفتاء شعبي وتحرير الإعلام من هيمنة اللوبيات والولاء السياسي.
اعتصام 2013 في البال
يسعى القائمون على هذا البيان إلى تكرار ما حصل صيف سنة 2013، واعتصام الرحيل الذي نظم أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي التونسي الذي يُعد أعلى سلطة منتخبة في البلاد، وفي عدة مدن تونسية أخرى أبرزها سوسة وصفاقس، عقب اغتيال السياسي اليساري محمد براهمي.
وطالب الاعتصام، آنذاك، بحل الرئاسات الثلاثة وهي المجلس الوطني التأسيسي وحكومة علي العريض ورئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وقد دعا إلى هذا الاعتصام حركة تمرد أسوة بحركة تمرد في مصر وشارك فيه ائتلاف الجبهة الشعبية (يسار) وأحزاب أخرى والاتحاد العام التونسي للشغل وأعضاء مستقيلون من المجلس الوطني التأسيسي.
هذه التحركات المشبوهة ومحاولة تكرار تجربة يوليو 2013، أثارت حفيظة العديد من التونسيين
حاول المعتصمون الضغط على النهضة للخروج من الحكم رغم فوزها بالأغلبية في انتخابات شفافة هي الأولى في البلاد، ما جعل البلاد تدخل في أزمة سياسية خانقة، لم تخرج منها إلا بعد الحوار الوطني الذي استقالت على إثره حكومة علي العريض وتقلد على إثر ذلك مهدي جمعة منصب رئاسة الحكومة.
في تلك الفترة، التي عرفت فيها البلاد أزمة سياسية وأمنية، عوض أن يلتف الجميع حول مؤسسات الدولة في مقاومتها للإرهاب وتأجيل الخلافات السياسية، عملت عدة أطراف على استغلال الوضع بهدف إرباك البلاد وإحداث تغييرات أساسية في قواعد اللعبة السياسية.
حاولت الأطراف التي فشلت انتخايبًا أن تنقض على السلطة وتسحب البساط من تحت أقدام الأطراف الشرعية التي انتخبها الشعب، دون أن تهتم بمستقبل البلاد ولا المآلات التي يمكن أن تصل له نتيجة الفوضى المنتظرة.
رفض كبير
هذه التحركات ومحاولة تكرار تجربة يوليو 2013، أثارت حفيظة العديد من التونسيين، في هذا الشأن قال الباحث التونسي الأمين البوعزيزي في تدوينة له على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “الثورات الاجتماعية لا يقودها أعداء الديمقراطية ولا تحرض عليها الصفحات المدعومة باليورو والدولار، سبعطاش (في إشارة إلى الثورة) حاملها اجتماعي ومضمونها اجتماعي لذلك ألبستكم السفساري (لباس تونسي تقليدي ترتديه المرأة)”.
من جهته كتب الناشط السياسي التونسي الحبيب بوعجيلة “الأخبار الموثوقة والملاحظة بالعين المجردة تؤكد وبما لا يدع مجالًا للشك شراء عدد من المدونين والصفحات استعدادًا لترتيب سياسي جديد يتهيأ للاستثمار في الأزمة السياسية والتجاذبات الحاليّة تجديدًا لأمل الانقلاب التام على الثورة وهي الأمنية التي لا تكف عن مراودة أقذر أطراف السيستام ولوبيات المال المافيوزي وأعوانه في الإدارة وأجهزة الدولة ورعاته من الخلجان الصهاينة”.
في نفس الشأن كتب الناشط التونسي فتحي الذغاري: “السيناريو الأسوأ أن يكون جزءًا من الحكومة يعمل لإعادة ترتيب الأوراق من أجل ائتلاف حكومي جديد يعيد للمصالحة المغشوشة حضورها في المشهد السياسي التونسي، وتؤجل إلى ما لا نهاية مشروع الإصلاح، لذلك على الأحزاب الحاكمة أن تلجم قواعدها بإعلان واضح عن تضامن حكومي كامل وفق الورقة الممضى عليها من الائتلاف”.
الإعلامي التونسي رفيق شوريبة، كتب بدوره في هذا الموضوع تدوينة قال فيها: “من يدعون إلى “ثورة الجياع” إنما يستعملون كلمات فضفاضة لا تمُت لثورة الشعب بشيء، فالذي يجري وفق قوله إنما هو ثورة جياع السلطة”.
تسعى بعض الأطراف المجهولة في تونس إلى استغلال الوضع الذي تمر به البلاد للانقضاض على السلطة وإقصاء الأحزاب المنتخبة شعبيًا من الحكم، بهدف ضرب المسار الديمقراطي الذي تعرفه البلاد منذ يناير2011، خدمة لمصالح بعض الأطراف الأجنبية التي ما فتئت تهدد التجربة التونسية.