ترجمة وتحرير: نون بوست
لم يتلقى زعيم ميليشيا برقة الدعم الكافي بعد محاولته الانقلابية. بل أكثر من ذلك، تخلّى عنه بعض داعميه، وأصبح في ورطة حقيقية بعد أن ضعف موقفه عسكريا وسياسيا، ولن يتمكن أي طرف من دعمه علنا في مثل هذا الوقت الحساس من عمر الأزمة الليبية، وفق تحليل الخبير دانييلي روفينيتي.
مساء يوم الخميس المنصرم، كشف رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح أن خارطة الطريق السياسية التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي تم وضعها بالتنسيق مع روسيا. يُعتبر صالح المولود في القبة (برقة) والذي يرأس المجلس التشريعي المعترف به من قبل الأمم المتحدة، سياسيا محنكا، ويحظى بشبكة علاقات إقليمية قوية جدا، إذ تربطه علاقة مميزة مع المخابرات السعودية ومع مصر. ولسنوات، أعطى عقيلة صالح الغطاء السياسي المطلوب لأمير الحرب خليفة حفتر، لكنّ علاقة الرجلين تعاني اليوم من صدع كبير.
وفي تصريح لوكالة نوفا، يؤكد عقيلة صالح أن الهدف من المبادرة التي تم إطلاقها في 23 نيسان/أبريل هو “إخراج البلاد من الأزمة بحد أدنى من الأضرار”. ويضيف أنه لا يوجد تناقض بين فكرته وقرار الجنرال حفتر بالتخلي عن اتفاق الصخيرات وإخراج البلاد من المأزق السياسي.
ويرى الخبير المتخصص في الشأن الليبي دانييلي روفينيتي في هذا التحليل لفورميكي.نت أن “هناك صدعا في جبهة حفتر، حيث أن عددا من الشخصيات، في مقدمتها عقيلة صالح، رأت ضرورة إحياء المسار السياسي. والموقفان، بغض النظر عن التصريحات العلنية، متقاطعان بوضوح”. ويستخدم روفينيتي عبارة انقلاب، في إشارة إلى محاولة حفتر الاستيلاء على الحكم من خلال البيان التلفزيوني الذي ألقاه يوم الإثنين الماضي.
ويتابع روفينيتي أن” المشكل بات واضحا، وهو أن حفتر يقترح نموذجا لا يريده الليبيون” ويضيف “ليبيا ليست مصر، ولا أحد يرغب في حكم عسكري (مشكلة سيطرة الاستبداديين سلطت عليها الضوء في هذه الزاوية الباحثة سايني فازانوتي من معهد بروكينغز).
أدت حملة حفتر العسكرية على طرابلس إلى قتل الكثير من الأبرياء وعمّقت الأزمة القائمة في البلاد، وأهدرت وقتا ثمينا كان يمكن استغلاله للبدء في إعادة إعمار ليبيا (يصف بيير فيرديناندو كازيني في تعليقه لمجلة فورميكي ما قام به حفتر بالخطوة المضحكة والمأساوية في آن).
يضيف روفينيتي أن حفتر فقد سيطرته في برقة ولم “يعد يُنظر إليه باعتباره الرجل القوي، فالعائلات هناك تنعى أبناءها الذين سقطوا في المعارك التي انطلقت في الرابع من نيسان/أبريل 2019، والتي وعد حفتر بأنها لن تدوم إلا بضعة أسابيع. لكنها تجاوزت السنة، سنة ذهب ضحيتها الكثير من المدنيين”.
في السنة الماضية وخلال هذه الفترة بالتحديد، أعلن حفتر أنه يريد دخول طرابلس ومصراتة وكان يتحدث عن حملة تحرير. ولكن ما هو واضح الآن، هو أن حفتر لن يتمكن أبداً من السيطرة على طرابلس ولا مصراتة. والمشكل جلي، فقد كان لديه دوماً نقص في المقاتلين، لذلك اضطر إلى إرسال أطفال إلى جبهات القتال بعد أن وعدهم بنيل بترقيات عسكرية في ظرف وجيز.
ونظرا لعدم كفاءة قواته، قام حلفاؤه في الخارج (خاصة الإمارات) بدعمه بمرتزقة سودانيين وتشاديين، وبعض المرتزقة من منظمة فاغنر (وهي منظمة روسية شبه عسكرية قريبة جدا من الكرملين).
ويمكن اليوم رؤية الفرق بين المعسكرين على جبهة طرابلس، فمن جهة، نجد الليبيين يقاتلون حتى لا يعيد التاريخ نفسه ويحكمهم دكتاتور جديد، ومن الناحية الأخرى مرتزقة أجانب ليس لهم أي قضية، أما سكان الشرق فقد سئموا السكان من أجل حفتر.
هل جاءت المحاولة الانقلابية بسبب المأزق الذي كان يعيشه حفتر؟ بكل تأكيد. فقد تراجعت شعبيته وخسر الغطاء السياسي من عقيلة صالح وحكومة الأشباح في البيضاء، مع عدم تحقيق أي تقدم عسكري. حاول أن يقوم بخطوة مفاجئة، لكنها عبّرت عن ضعف موقفه أكثر فأكثر. وجاءت خطوته الموالية بعد يومين بطلب هدنة احتراما لشهر رمضان لتعزّز هذا الطرح.
يبدو مستقبل ليبيا مفتوحا على احتمالات عدّة، في ظل حالة من الغموض السياسي واقتراب حملة حفتر على طرابلس من الفشل
أكد حفتر أن الهدنة لن تكون نهائية لأنه يريد مواصلة العملية العسكرية. وهكذا يظهر أن نيته كانت دائما السيطرة على ليبيا بقوة السلاح.
يتابع دانييلي روفينيتي قائلا إنه سيكون من الضروري معرفة ما إذا كان في نيته احترام الهدنة أم أنه سينكث عهده كالمعتاد. “لقد كان اقتراحا ذكيا لأنه يعلم أن حكومة طرابلس المعترف بها دوليا لا يمكنها تجاهل مثل هذه الدعوات على الرغم من أن مصلحتها العسكرية تقتضي حاليا استغلال الموقف على الأرض والبدء بالهجوم المضاد”.
ولسائل أن يسأل؛ كيف هو الوضع الميداني؟ في الواقع، عودتنا ليبيا على التغيرات السريعة، فقبل أربعة أشهر بدا حفتر على وشك الاستيلاء على طرابلس. ولكن خلال الأيام العشر الماضية انقلب الوضع رأسا على عقب، حيث سيطرت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني على المواقع التي احتلها حفتر غرب ليبيا ثم على الشريط الساحلي الليبي بأكمله كما شنت هجوما مضادا على ترهونة التي تشكل آخر معاقل الدعم اللوجستي للهجوم. خسر حفتر ترهونة عمليا، كما أن قواته محاصرة في قاعدة الوطية، القاعدة الرئيسية في حملته العسكرية على طرابلس، إضافة إلى أنه خسر مواقعه جنوب طرابلس. قوات حفتر حاليا محاصرة وخطوط إمدادها تحت القصف.
ما الذي تغير؟ هناك جملة من العوامل التي تحدثنا عنها، مثل قلة كفاءة قواته، ودعم تركيا للقوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، وهو دعم بدأ يعطي ثماره. خسر حفتر التفوق الجوي الذي كانت تؤمّنه الطائرات الصينية دون طيار التي وفرتها له الإمارات العربية المتحدة. أرسلت تركيا بعد توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين رجب طيب أردوغان والسراج، أجهزة تشويش وأنظمة دفاع جوي، وطائرات دون طيار ذات كفاءة عالية، ومستشارين ومقاتلين تركمان مدربين في سوريا.
في الآونة الأخيرة كانت هناك أيضًا تقاريرعن إرسال تركيا طائرات مقاتلة من طراز إف-16، لكن أنقرة لم تدل بأي تصريحات رسمية. وفي الأيام الأخيرة، طلبت حكومة طرابلس من فرنسا توضحيات عن سبب تحليق ثلاث طائرات من طراز داسو رافال وطائرة وقود فوق ساحات القتال شرق العاصمة. ومن المعلوم أن العلاقات بين باريس وحكومة الوفاق الوطني ليست على ما يرام لأن الفرنسيين قدموا دعمًا سريا لحفتر في السنوات الأخيرة ولم يعلنوا موقفهم بوضوح مما يحدث في ليبيا.
يبدو مستقبل ليبيا مفتوحا على احتمالات عدّة، في ظل حالة من الغموض السياسي واقتراب حملة حفتر على طرابلس من الفشل.
ماذا بعد؟ “لم ترحب موسكو والقاهرة بمحاولة حفتر الانقلابية. وهذا بحد ذاته مؤشر مهم. لذلك أعتقد أن ما يحدث على الأرض قد يؤدي إلى تغييرات مهمة على صعيد التسوية السياسية. نحن ندخل مرحلة سيكون فيها للمجتمع الدولي فرصة لاستعادة ما فقده في مؤتمر برلين”.
يضيف روفينيتي أن “الوضع ساء أكثر في ظل حالة الطوارئ بسبب فيروس كورونا وبعد استقالة مندوب الأمم المتحدة. بيد أن هذه العوامل يمكن أن تمهد لإطلاق حوار بين مختلف الأطراف”. وحسب روفينيتي فإن “مستقبل ليبيا في هذه المرحلة ينبغي أن يمر باتفاق بين القبائل، وأن يتضمن أيضًا تفاهما بين الدول المؤثرة في الصراع”.
يقول روفينيلي إن هذا الأمر ليس من السهل تحقيقه إطلاقا، ويختم “لكن من يستطيع اليوم أن يثمّن محاولة الجنرال حفتر الانقلابية في ظل وجود مبادرة سياسية، وفي ظل معاناة بلاده من الوباء، وفي ظل موت يلاحق الأجيال الجديدة بسبب صراع لا يريد الليبيون استمراره؟”
المصدر: فورميكي نت