ما إن يبدأ شهر رمضان المبارك، حتى تنتشر العديد من تكيّات الطعام الخيرية في قطاع غزة المحاصر، فتقدم وجبات إفطار يوميًا توزع على العائلات الفقيرة في جميع أنحاء القطاع، خاصة المناطق الحدودية المهمشة، في محاولة للقضاء على مشكلة التسول الإلكتروني والمناشدات الإنسانية التي تنتشر في الفضاء الرقمي يوميًا خاصة العالم الأزرق.
ويسعى أصحاب الفرق الشبابية التطوعية الذين يعملون على جلب المكونات الأساسية التي تستخدم في الوجبات، إلى تخفيف الأعباء اليومية عن عاتق أرباب العائلات المعدمة التي تصنف بأنها تحت خط الفقر، لا سيما في ظل تدهور وقساوة الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي وعدم انتظام دفع رواتب الحكومتين في غزة ورام الله وقطعها أو اقتطاع نسب كبيرة منها، عن طريق توفير الطعام المجاني طوال أيام الشهر الفضيل، للتقليل من مشكلة التسول الإلكتروني التي باتت تملأ مواقع التواصل الاجتماعي في قطاع غزة، نتيجة ارتفاع نسبة الفقر والبطالة.
وتمكن عدد من أصحاب الفرق التطوعية الشبابية، من التغلب على مشكلة التسول الإلكتروني عن طريق توزيع التكيات للعائلات المحتاجة، بالاتفاق بين الفرق التطوعية عبر إنشاء لجنة مهمتها التنسيق فيما بينهم.
وتهدف اللجنة التنسيقية للمبادرات الخيرية إلى ضمان توصيل وجبات الإفطار اليومية إلى العائلات المحتاجة، دون تكرار من باقي الفرق للأسرة الواحدة، لفتح المجال لباقي العائلات لتلقي وجبات الإفطار الرمضانية، فالفكرة تتمحور حول الاتفاق والتعاون بين الفرق.
كيف قضت تكيّات الخير على مهنة التسول؟
يقول محمد منصور منسق تكيّة “إغاثة فقراء غزة” التي أنشئت قبل ثلاثة أعوام، لـ”نون بوست”: “الإنجاز الأكبر الذي حققته تكيات الخير الرمضانية هذا العام، هو كيفية التوزيع على الأسر المعوزة بهدف القضاء على ممتهني التسول الإلكتروني”.
ويوضح أن سبب إنشاء اللجنة هو كثرة المناشدات المنتشرة على مواقع لتواصل الاجتماعي التي أحدثها بعض ممتهني التسول الإلكتروني واستفادتهم من جميع التكايا الخيرية في آن واحد، وتستقي التكايا معلوماتها عادة من مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفًا “الهدف من تأسيسي اللجنة التنسيق فيما بيننا بشأن التوزيع على الأسر المستفيدة في كل جولة إفطار يومية، وتقديم أكبر قدر من جهد المتطوعين في التكايا الخيرية للمحتاجين، وذلك من أجل ضمان عدم تكرار استفادة الأسرة الواحدة لأكثر من مرة، على حساب أسر فقيرة أخرى، لم تحصل على أي مساعدة”.
ويضيف: “يكون التواصل بيننا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تبادل البيانات والاستفسارات، بهدف تقسيم المناطق على الفرق التطوعية وكل فريق يتكفل بتوزيع طعام الإفطار على منطقة معينة، مستهدفين العائلات المعوزة”.
سوء معيشة
يعاني أكثر من ثلثي سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة أوضاعًا معيشية واقتصادية صعبة متفاقمة منذ أكثر من 14 سنة نتيجة الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، إضافة إلى وباء كورونا المستجد، إذ ازدادت نسبة الفقر بين سكان القطاع ووصلت إلى 65%، في حين وصلت نسبة البطالة إلى 47%، وهي الأعلى منذ سنوات، وفقًا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
لا يختلف الرأي عند مشرف “تكية غزة” عبد القادر أبو النور الذي بدأ العمل الخيري قبل عامين، فيقول: “التنسيق بين مشرفين التكايا الخيرية ساعدنا في تقديم مساعدات الإفطار لأكبر عدد ممكن من العائلات المصنفة تحت خط الفقر”، ويشير إلى أن المسؤولين عن اللجنة طلبوا التعاون المشترك بين أصحاب التكايا والمبادرات الخيرية في غزة لمكافحة التسول الإلكتروني، كما ساعدت فكرة اللجنة على تصنيف المناطق وتقسيمها بينهم، مما يسرع في تصنيف كل عائلة بشكل أكبر.
ويرجع تسمية التكيات الخيرية نسبة إلى جمعية خيرية بالقرب من المسجد الإبراهيمي، كانت تقدم الطعام المجاني للفقراء والمحتاجين طيلة أيام العام، خاصة في شهر رمضان، ويعود عمرها للعام 1279، حين أنشأها السلطان قالون الصالحي في زمن صلاح الدين الأيوبي.
تكية فردية
ومن بين تلك التكايا، تكية الفلسطيني وليد الحطاب (56 عامًا)، إذ يوقد النار تحت قدر كبير أمام منزله في حي الشجاعية المكتظ بالسكان في مدينة غزة بغرض طهي “حساء الجريشة” وهو طعام شعبي ومن ثم يوزعه مجانًا على الفقراء من جيرانه، مضيفًا: “أصنع الجريشة لنيل الثواب من الله أولًا، ولمساعدة فقراء حيي والمحتاجين، ولإطعام من يرغب بتذوقها للعام الثالث على التوالي”.
ومنذ 3 أعوام يعمل الحطاب على مساعدة الفقراء في حيه الذي يقطن فيه، حيث إنه يستند إلى أهل الخير من خارج فلسطين في عمل التكية البسيطة، ولم يقتصر العمل فيها على شهر رمضان وشمل أيام الإثنين والخميس طيلة العام.
وفي السياق ذاته، يقول مدير العلاقات العامة في غرفة غزة التجارية ماهر الطباع لـ”نون بوست”: “الحالة المعيشية في القطاع تسير نحو الأسوأ في ظل حالة انسداد الأفق وغياب أي حلول من شأنها أن تغير طبيعة الواقع السائد حاليًّا”.
ويربط الطباع بين الأوضاع الاقتصادية المتهالكة التي يعاني منها آلاف الغزيين وارتفاع معدلات الأمن الغذائي ولجوء الأسر إلى تقليص وجبات طعامها اليومية، من أجل التكيف مع الواقع الراهن، لا سيما في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة لمستويات غير مسبوقة.
“كل الأرقام والإحصاءات الصادرة عن مختلف المؤسسات المحلية والدولية تعكس حالة التدهور الكبيرة في الواقع المعيشي والاقتصادي للسكان في القطاع التي ألقت بظلالها على حياة أكثر من مليوني مواطن غزي وجعلت شريحة كبيرة تعتمد على المساعدات الإغاثية”، يضيف الطباع.