أزمة كبيرة تعصف بالنظام السوري هذه الأيام، فجرها أحد أهم أركانه ألا وهو رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو رجل الأعمال الذي يمتلك عشرات الشركات في البلاد ويتهم بقضايا فساد كبيرة عدا عن قضايا الالتفاف على العقوبات وغسيل الأموال وتبييضها، يخرج رامي مخلوف في فيديوهات ليتحدث عن أزمته مع النظام السوري مستجديًا بشار الأسد لحلها.
إضافةً لأزمة مخلوف مع النظام تلقي الأزمة الاقتصادية السورية بثقلها على الشعب في المناطق التي يسيطر عليها النظام وبشكل كبير، في الوقت الذي تتهاوى فيه الليرة السورية أمام الدولار، مع اقتراب تفعيل قانون سيزر الأمريكي الذي سيفرض عقوبات مشددة على النظام السوري وداعميه والتوقعات بأنه سيعمل على زيادة تردي الحالة الاقتصادية في البلاد.
نستضيف في “نون بوست” الدكتور أسامة قاضي رئيس مجموعة عمل سوريا، ليحدثنا عن ما وراء التطورات الاقتصادية في سوريا بدءًا من أزمة آل مخلوف والأسد مرورًا بالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، كما يجيبنا عن تساؤلات بشأن الليرة السورية ومستقبل الحل كما يراه.
الدكتور أسامة قاضي، هو مستشار اقتصادي دولي، ترأس كل الوفود الرسمية الاقتصادية في المؤتمرات الاقتصادية الخاصة بالثورة السورية في برلين وأبوظبي ودبي، حاصل على الماجستير والدكتوراة في الاقتصاد وماجستير إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية. حاضر في جامعة ميشغان، ومعهد بيكر، وجامعة دافنبورت في ولاية ميشغان الأمريكية، وعمل في كندا مستشارًا استثماريًا في تي دي بنك.
الدكتور أسامة قاضي/ رئيس مجموعة عمل سوريا
لعلنا نبدأ من صفقة عقود الخليوي التي جرت عام 2000 وتعتبر من أكبر قضايا الفساد في سوريا، ماذا جرى؟
رَكنَ بشار الأسد إلى بيئة الاستقرار الأمني الداخلي الذي وطده والده على مدى أكثر من 30 عامًا ليلتفت إلى التجارة والانفتاح الاقتصادي الذي يعود بالنفع المالي على الكتلة الصلبة ومن حولها ومن دان بالولاء لها، لذلك سن نحو 1200 مرسوم تشريعي وقانون بين عامي 2000 و2010 كانت تؤذن بانفتاح اقتصادي في مناخ اقتصادي يشوبه الفساد وانعدام الشفافية، وكانت كبرى العقود التي تجلى فيها الفساد بأشنع أشكاله، حيث تموضعت سوريا في المرتبة 129 من أصل 182 دولة من حيث الفساد عام 2011، الذي يؤذن بأن تكون دولة فاشلة حيث كانت الدولة رقم 49 من أصل 177 على قائمة الدول الفاشلة لعام 2011 أيضًا.
لعل باكورة العقود المليارية هي عقد الخليوي الذي تم توقيعه مع شركتين أجنبيتين رأسمال كل منهما 50 ألف دولار مسجلتين في جزر العذراء البريطانية، وقد سجلت إحداهما قبل أربعة أيام من تاريخ إعلان مناقصة الخليوي، وكانت وقتها الشركتان المشغلتان (سيرياتيل وسبيستل) شركات قيد التأسيس دون أي خبرة سابقة.
شركة سيريتل موبايل تيليكوم رأسمالها المصرح في هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية في دمشق هو 3.35 مليار ليرة سورية، ويمتلك 40% من أسهمها رامي مخلوف ممثلًا لشركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية المحدودة المسؤولية المملوكة له، و13.5% أحمد باسل الخشي، و40% لأديب مهنا ممثل شركة راماك، و0.89% يمتلكها إيهاب مخلوف، وبلغت إيراداتها 221 مليار ليرة سورية عام 2019، ومراعاة لابن خاله رامي فإن حصة الحكومة كانت فقط 20% وبلغت 44 مليار ليرة سورية – علمًا أن مصر تفرض نسبة 60% على شركات الاتصالات – وصافي أرباح شركة سيريا تل لنفس العام 59.3 مليار ليرة سورية، حيث تبلغ نسبة أرباحها الصافية 26.7% إذا افترضنا أن أرقام المصاريف حقيقية أصلًا، فواضح أنها مرتفعة بشكل غير مبرر ويبدو أنها لدعم نشاط آخر مثل مساعدة الأجهزة الأمنية كما ذكر في تسجيله.
فعلى سبيل المثال عام 2019 بلغت المصاريف الإدارية 28 مليار ليرة! أعلى بثلاثة مليارات عن عام 2018 حيث بلغت 25.2 مليار ليرة! إضافة لمصاريف البيع والتسويق 7.8 مليار ليرة سورية، وإقحام بند فروق القطع المحقق بـ2.5 مليار ليرة، وكذلك مصاريف التشغيل 57.7 مليار ليرة بارتفاع 16 مليار ليرة عن 2018! وكل هذه المصاريف تساهم في تخفيض رقم الأرباح محل الضريبة.
الضريبة المفروضة على إيرادات شركة “سيراتيل” عمليًا انخفضت بين عامي 2011 و2019 بأكثر من 20 مليون دولار، فبينما دفعت الشركة عام 2011 مبلغ 1.6 مليار ليرة سورية أي ما يعادل 32.8 مليون دولار كضريبة ربح، طالبت الحكومة الشركة عام 2019 بمبلغ 12 مليار ليرة أي ما يقل عن 10 مليون دولار.
مركز خدمات لشركة سيرتيل للاتصالات والتي يمتلكها رامي مخلوف
كيف سيؤثر الخلاف الحاليّ على الاقتصاد السوري المنهار أصلًا؟ وما التبعات على عشرات الشركات التي يديرها مخلوف؟
ظل رامي مخلوف برعاية القصر الجمهوري على مدى الـ20 سنة الماضية منفرًا لرأسمال السوري الوطني وممسكًا بزمام مفاصل الاقتصاد السوري، وواجهة لمعظم النشاطات الاقتصادية، حيث لديه أكثر من 30 شركة على رأسها شركة سيرياتيل وصروح العقارية والبتراء العقارية ومدرسة الشوفيات ومعمل حديد الساحل وجميع الأسواق الحرة وغيرها الكثير من المصارف وأسطول نقل بحري وسواها.
تعطيل هذه الشبكة الأخطبوطية المسيطرة على ما تبقى من اقتصاد هش يُنذر بارتفاع مستوى البطالة التي تجاوزت الـ20% عام 2005، حيث كان في سوريا يومها مليون عاطل عن العمل أما اليوم فهي تتجاوز حاجز الـ80%.
إن الضغط على منظومة رامي مخلوف يعني هروب ما تبقى من رؤوس أموال وتسييل الأصول الثابتة للمحيطين بشبكة رامي من أمثال الـ71 رجل أعمال في شركة الشام القابضة أو الـ23 في سوريا القابضة مع طريف الأخرس، وهذا سيضغط من جديد على العملة السورية التي ستفقد ما تبقى من مصادر إيرادات، فتزيد هذه من الضغوط على مستوى معيشة الموظفين المعيلين لأسر كثيرة في وقت عز فيه إيجاد فرص عمل.
مرة جديدة سيكون الخاسر هو ما تبقى من شعب سوري فقير في هذه الحرب الاقتصادية داخل العائلة الحاكمة المهيمنة على عجلة الاقتصاد المحلي بواجهات رديئة يتم استبدالها بين حين وآخر، تساهم في تشويه بنية الاقتصاد السوري، هذا فضلًا عن الحالة المأساوية وغير البشرية التي يعيشها ملايين من أهلنا النازحين والمهجرين.
رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد
هل تعتقد أن الأمر سيحل في حال أعطى مخلوف المال المطلوب منه لنظام الأسد؟
المطلوب هو استبدال منظومة رامي مخلوف، وليس مبلغ 124 مليار ليرة سورية وهو مبلغ أقل من 100 مليون دولار ويعتبر بسيطًا بالنسبة لما تحققه الشركة من أرباح، ولا تشكل إلا نذرًا يسيرًا من عائدات بقية الأصول الثابتة التي يملكها رامي في سوريا والخليج والعالم.
الحقيقة أنه بعد التسجيل الثاني لرامي مخلوف الذي ظهرت فيه صيغ التحدي والتصعيد، أصبح الهدف أكثر وضوحًا وهو ليس ذلك المبلغ البسيط لتراكم الدفعات الضريبية الذي بالمناسبة هو نفس المبلغ المطالبة به شركة إم تي إن الأصغر من شركة سيرياتل، التي سرعان ما أعلنت التعهد بدفعه بعد ساعات من ظهور التسجيل الثاني وبعد التحرك الأمني لاعتقال مديري سيرياتيل، وبالمناسبة فإن رامي يملك أسهمًا بها أيضًا.
الصراع داخل العائلة محوره بشار وماهر ورامي، وأعتقد أن إظهار أسماء أنها طرف ضد رامي، فيه تضخيم مخابراتي مقصود لإبعاد الطرفين الآخرين من صورة الصراع
هل برأيكم توجد علاقة لروسيا أو إيران بالمستجدات الحاليّة بين مخلوف والأسد؟
الجهتان الروسية والإيرانية لهما مصلحة في إزاحة منظومة رامي مخلوف من التركيبة الإدارية السورية، حيث ظهر تململ الروس من عدم إمكانية النظام السوري دفع أي مبالغ لقاء الحماية والقمح المشحون والدعم العسكري، إضافة لما تجره المماطلة بالحل السياسي من زيادة العبء الاقتصادي والسياسي عليها، ومن صالحها تفكيك مراكز القوى السورية كي تدخل النظام لـ”بيت الطاعة” السياسي.
من جهة أخرى باتت عقود المشغل الخليوي الثالث الإيراني الموقع منذ ثلاث سنوات مكلفة وتأخر تركيبها وتفعيلها بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعصف بإيران، وأسهل طريقة هي الاستيلاء على أصولها وإعلان إدارتها الإيرانية الجديدة، وعندها لا داعي لإقامة أبراج جديدة، بل ينتقل 11 مليون مستخدم للإدارة الايرانية الجديدة، وعلى كل في حال إن لم يتسن للإيرانيين الاستيلاء على سيرياتل فإن المشغل الإيراني سيدخل السوق بارتياح بعد إزاحة منافس قوي في السوق السورية.
ما رأيكم بما يتم تداوله عن أن هذا الخلاف تم برعاية أسماء الأسد زوج رئيس النظام؟ وما مطامحها؟
الصراع داخل العائلة محوره بشار وماهر ورامي وأعتقد أن إظهار أسماء أنها طرف ضد رامي، فيه تضخيم مخابراتي مقصود لإبعاد الطرفين الآخرين من صورة الصراع الذي يظهر أنه بين الطائفة الواحدة، وأن “الرئيس جيد بس المشكلة بمن حوله” ولا يمكن لأسماء التحرك بملف بوزن آل مخلوف دون دعم وموافقة بشار، وإغفال اسم بشار في الصراع مقصود، فهو “نصير الفقراء” لذلك يريد أن يحصل الضريبة من المتخلفين عن دفعها انتصارًا للخزينة السورية، حتى لو من “رامي”.
الموقف الغامض الآن هو موقف ماهر الأسد الذي مَكن لنفسه عسكريًا واقتصاديًا من خلال أذرعه الاقتصادية خلال العقود السابقة، وعلى الأغلب تساهله في مسألة إزاحة آل مخلوف من الصورة معناه أن دور إزاحته قريب وقادم لا محالة إذا ظل يراهن على الدور الإيراني الذي لا يطيقه الروس.
أسماء الأسد زوج رئيس النظام السوري
إلى أين يمضي الاقتصاد السوري في هذه الأيام مع الأحاديث التي تقول بقرب تطبيق قانون سيزر الأمريكي؟
الاقتصاد السوري يمر بأكبر أزمة اقتصادية في تاريخه، فقطاعاته الاقتصادية شبه مشلولة، حيث هبط ناتج الدخل القومي من 64 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 10 مليارات دولار، والحكومة عاجزة عن إعمار المدن والقرى المدمرة فضلًا عن إعادة الخدمات لها، والتزامات الحكومة تجاه الشعب باتت أكبر من أن تحتملها الإدارة الفاشلة الحاليّة، فأزمة الغاز والوقود والكهرباء والخبز ضغطت على الشعب بشكل قل مثيله، فضلًا عن أن معدل الرواتب هبط من 300 دولارعام 2011 إلى أقل من 50 دولارًا، وصاحب هذا تضخم جامح لا قبل لمن تبقى من الشعب السوري عليه، فضلًا عن بطالة طالت أكثر من 80% ممن بقي من العمالة السورية.
لم يكن ينقص الاقتصاد السوري ضغط جائحة كورونا التي أثرت على اقتصاد حلفاء النظام سواء إيران أم العراق أم روسيا، حيث تعرض الجميع لضغوط اقتصادية خيالية لا يمكن تحملها، إضافة إلى تعطل بقايا النشاط الاقتصادي في سوريا مما أدخل أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر.
هل توجد أي علاقة بين قانون سيزر والمستجدات الحاليّة بين الأسد ومخلوف؟
الطرف الروسي نافذ جدًا في سوريا وهو مستعجل على إنهاء الاختناق السياسي السوري خاصة قبل دخول الشهر السادس أي قبل تنفيذ قانون سيزر الذي سيمنع أي دولة عربية أو أجنبية من دخول السوق السورية من أجل إعادة إعمار، فروسيا حريصة على دخول شركاء من العالم معها لإعمار سوريا، كي تبدأ قطف ثمرات إحراق المدن السورية وإظهار نجاح تجربتها في تمتين الحكم بسوريا، فمن مصلحتها إيجاد كبش فداء كان يعيق مع مجموعاته الحل السياسي ويضعف الكتلة الصلبة حيث معها يمكن بسهولة إقناع النظام الدخول في مرحلة الانتقال السياسي.
ما الذي سيوقف انهيار الليرة السورية؟ وما مستقبلها؟
لقد توقعت عام 2016 في أكثر من وسيلة إعلامية أن سعر الليرة السورية سيتجاوز حاجز الألف وهذا ما حصل، فالتدهور الاقتصادي كان واضحًا وما زال، بل تفاقمت الأمور بشكل أكبر، فموارد الاقتصاد السوري بدأت تتقلص واستعادة النظام السيطرة على بعض المناطق وضع عبئًا جديدًا عليه، وباتت موازنته بتريليوناتها الأربع غير قادرة على مصاريف ستة أشهر، وهي عبارة عن نحو 3 مليارات دولار، فرغم رقمها المرعب بالعملة السورية لكنها حقيقة تمثل أقل موازنة سورية منذ عقود، حيث بلغ سعر الصرف الحقيقي أكثر من 1400 ليرة سورية للدولار الواحد بينما كان 50 ليرة للدولار عام 2011.
واقع الأمر أن المرسوم رقم 3 الذي صدر في الشهر الأول من عام 2020، الذي يشدد العقوبة على المتعاملين بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع والتداول المالي في سوريا كان بمثابة قطع ما تبقى من أكسجين عن رئة الاقتصاد السوري، وأن من نصح رأس النظام بهذا المرسوم أوقعه في ورطة، حيث حرمه من تحويلات السوريين التي كادت تبلغ مليار دولار سنويًا، والأنكى من ذلك أنه عطل عجلة النمو الاقتصادي المتعثر أصلًا، وعرقل ما تبقى من صناعة ومعامل وتجار يحتاجون لعملة صعبة لشراء المواد الأولية التي كانت تؤمنها مؤسسات الصرافة التي أغلقها النظام وأودع بعضهم السجون.
وبات حسب “المرسوم الانتحاري” كل من يخالف أحكام المادة الأولى (من المرسوم 54) يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة، وبهذا المرسوم “الانتحاري” فقد نحر النظام اقتصاده في وقت قاهرٍ يحتاج السوق لاستيراد القمح ومعظم سلعه ومواد الصناعة الأولية.
بحجة إيقاف تدهورالعملة السورية حيث كان من المتوقع تخطيها حاجز الـ3000 ليرة للدولار خلال شهور، قتل كل نشاط اقتصادي بدل أن يسارع لحل سياسي يوقف النزيف، لكنه بعناده ورعونته السياسية عالج المرض على طريقة “أفضل طريقة لعلاج المرض هو قتل المريض”، وأعتقد أن النظام سيتراجع قريبًا عن هذا المرسوم الذي وأد ثورة تشريعية بدأها بشار الأسد عام 2000، وأعتقد أن رأس النظام الآن يلعن الساعة التي وقع فيها على مرسوم 3 لعام 2020 حيث ألغى أكثر من 1200 مرسوم وقعه بنفس القلم.
محاولة إنعاش بشار الأسد تحت دوافع إنسانية من بعض الدول هل تستطيع إنقاذ اقتصاده؟
لا يمكن مع قانون سيزر لأي دولة أو شركة عربية أو أجنبية دخول السوق السورية قبل أن يمضي النظام بالحل السياسي، وستتعرض الشركات لعقوبات اقتصادية قاسية جدًا، ومجرد توقيع أي عقد مهما كان حجمه مع الحكومة السورية أو المساعدة في إعادة الإعمار دون إيقاف القتل والقصف والبدء بالحل السياسي سيطال أصول الشركة في كل العالم.
مثلًا سيفكر السيد رين زانغفي الرئيس التنفيذي لشركة هواوي الصينية ألف مرة قبل أن يوقع على عقد لدخول السوق السورية التي تعرض وجود شركته في أكثر من 170 دولة حول العالم للمخاطر، وستجعل أرباحه التي تجاوزت 122 مليار دولار عام 2019 – أكثر عشر مرات من الناتج الحاليّ لدخل كل سوريا – عرضة للحجز في مصارف العالم.
كما أعتقد أن السيد محمد العبار رئيس شركة إعمار سيكون أذكى من أن يعرض مبيعات بقيمة 13.3 مليار دولار لعام 2019 لمخاطر الحجز من أجل الدخول للسوق السورية، كما قد يعرض أصول الشركة المتميزة في الإمارات وخارجها للعقوبات الاقتصادية الأمريكية القاسية التي يتضمنها قانون قيصر فضلًا عن مخاطر تخفيض تصنيفها الائتماني، وسيفضل الانتظار إلى أن تدخل سوريا العملية السياسية وتزول المخاطرة، عندها يدخل الأشقاء بشركاتهم جنبًا إلى جنب مع الشركات السورية الوطنية والشركات العالمية للسوق السورية ويكونون عونًا لها في نهضتها الاقتصادية في ظل حكومة وطنية تتمتع بالمصداقية والشفافية ودستور عادل يفصل بين السلطات، وبالطبع دون أن تتعرض شركاتهم – التي نحتاجها وقت إعادة الإعمار الحقيقي – لأي مخاطرة.
إن أي حل سياسي يجب أن يتضمن بندًا يُصرح بأن الحكومة الانتقالية يحق لها إعادة النظر في كل العقود التي وقعها النظام السوري منذ 2011 لإزالة أي شرط مجحف بحق الشعب السوري
ما الذي قد ينقذ الاقتصاد السوري بشكل فعلي، خاصة أن المتأثر الأكبر هو الشعب؟
لا بديل عن حل سياسي عادل وناجز من أجل رسم ملامح السياسة الاقتصادية والتشريعية لسوريا المستقبل، وكل ما عداه هو عبارة عن حلول مكياجية ستُبقي سوريا في قلب الصراعات الدولية، حيث يستوطن أرضها جيوش دول العالم وقواعدها.
دون حكومة وطنية مهنية “تكنوقراط” غير حزبية يصعب انتشال الاقتصاد السوري من وعكته، فواقع الحال أن سوريا اليوم عبارة عن ثلاث مناطق نفوذ (روسية – أمريكية – تركية)، وأي حل سياسي يقوم مراعيًا وجود مناطق النفوذ الثلاثة معناها أن سوريا ستمضي إلى التقسيم على طريقة ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت عبارة عن ثلاثة مناطق نفوذ أمريكي بريطاني فرنسي، ثم عادت ألمانيا بعد 40 عامًا موحدة مرة ثانية.
دون حل سياسي أو صفقة سياسية معناها ستبقى سوريا محاصرة ومعاقبة ولا يمكن لاقتصادها أن تقوم له قائمة، وستبقى ثرواتها خارج سيطرة أي حكومة وطنية، بحجة توقيع النظام لعقود مع إيران وروسيا مددها تتجاوز نصف قرن، وأي حل سياسي يجب أن يتضمن بندًا يُصرح بأن الحكومة الانتقالية يحق لها إعادة النظر في كل العقود التي وقعها النظام السوري منذ 2011 لإزالة أي شرط مجحف بحق الشعب السوري.
فمن غير المعقول أن يُفاجأ الشعب السوري أنه بعد الحل السياسي لا يملك نفطه ولا غازه ولا موانئه ولا شركاته ولا عقاراته ولا حتى مناهجه التعليمية، فضلًا عن أن المصرف المركزي لا يوجد فيه أي احتياطي نقدي أو ذهبي، وعملة نقدية قد تصل 3000 ليرة للدولار، فهذا معناه إجهاض مبكر لأي حكومة وطنية وذلك بسبب فقدانها الموارد وخسارتها سيادتها على ثرواتها.