ترجمة وتحرير نون بوست
كتب فيل بورنيل وآن فيلينتورف
في عام 2017 دخل أكثر من 100 مليار طن من مواد الاقتصاد العالمي لتوليد الطاقة وبناء البنية التحتية والمنازل وإنتاج الطعام وتوفير السلع الاستهلاكية مثل الملابس والهواتف، والآن هناك هواتف على سطح الكوكب أكثر من البشر، ومن المتوقع أن تصل كمية الملابس المشتراه إلى أكثر من 92 مليون طن بحلول عام 2030.
تقول بعض التقديرات إن 99% من الأشياء التي يشتريها الناس يتم التخلص منها خلال 6 أشهر من شرائها دون استعادة المواد، يرجع ذلك إلى أننا نملك ما يسمى بالاقتصاد الخطي، الذي يعمل من خلال استخلاص المواد ثم تصنيع المنتجات من تلك المواد التي تباع للناس ثم يتم التخلص منها بعد فترة قصيرة من استخدامها.
لكن جائحة كورونا قلبت النشاط الاقتصادي الطبيعي ودفعت بالاقتصاد العالمي إلى ما قد يصبح أسوأ تراجع منذ الكساد العظيم، لذا بدلًا من محاولة إحياء النظام الذي كان مهدرًا بطبيعته، تعهدت المفوضية الأوروبية ببناء اقتصاد دائري مستدام بعد الجائحة.
فكرة الاقتصاد الدائري بسيطة، فهي تتضمن استخدام الموارد بشكل أفضل، وإغلاق حلقات تدفق الموارد من خلال استرداد المواد بشكل كامل بدلًا من إهدارها، ومنع الإهدار والتلوث من خلال تصميم المنتجات والمواد بشكل أفضل وإعدادهم للاستخدام لفترة طويلة.
إحراق المواد التي قد يعاد تدويرها يعني أن كل ما هو مستثمر فيها سيصبح مفقودًا مثل المال والطاقة والمياه والعمالة
هذه الفكرة تبدو عظيمة، لكن كيف ستعمل؟ اكتشف برنامجنا البحثي الذي يدعم تنفيذ الاقتصاد الدائري في المملكة المتحدة وجود 3 أنواع واسعة.
إغلاق الحلقات باستخلاص الطاقة من المخلفات
تتضمن أول إستراتيجية إغلاق حلقات تدفق المواد من خلال توليد الطاقة من النفايات “EfW” وإحراق المواد المهملة لتوليد الكهرباء، هذه الطريقة ستحل محل “دفن النفايات” التي تعد الطريقة الرئيسية للتخلص من النفايات المنزلية في المملكة المتحدة.
تجمع السلطات المحلية في المملكة 26 مليون طن من النفايات كل عام، يذهب 11 مليون طن منها إلى “EfW” و3 ملايين طن في مكب النفايات لدفنها، وما بين 3 إلى 6 مرات من نفايات البلاستيك والطعام والمنسوجات ستذهب إلى “EfW” أكثر من إعادة تدويرها، وكذلك ثلثي نفايات الورق والبطاقات.
إن إحراق المواد التي قد يعاد تدويرها يعني أن كل ما هو مستثمر فيها سيصبح مفقودًا مثل المال والطاقة والمياه والعمالة، لذا فمواد مثل الألياف في المنسوجات والعناصر الغذائية في الطعام يمكن استبدالها بالموارد البكر مما يديم الآثار غير المستدامة لاستخراج الموارد.
رغم أن التحقيق الأخير يشير إلى الفوائد الاجتماعية لطريقة “EfW” مثل توفير الحرارة للأسر الفقيرة، فإنه يخلق فوائد أقل من إعادة التدوير وإعادة الاستخدام والتصليح وإعادة التصنيع، كما يطلق الغازات الدفيئة.
يجب أن يستخدم المصنعون المزيد من المواد المعاد تدويرها في المنتجات الجديدة أيضًا، مما يخلق أسواقًا للمواد المستردة
لكن الاستثمار في المملكة يفضل “EfW”، فهو الطريقة الأقل مقاومة وتتطلب تغييرات بسيطة لسلاسل التوريد وكيفية استهلاك البضائع والتخلص منها، تتجه المملكة المتحدة بشكل عملي نحو هذا الاقتصاد الدائري الزائف الذي لم يتغير فعليًا عن النموذج الخطي “عرض – طلب – نفايات” الذي يتناسب مع التفكير الاقتصادي السائد قصير المدى مع تركيز فردي على نمو إجمالي الناتج المحلي.
اقتصاد دائري يعتمد على إعادة التدوير
يتقدم هذا النظام بخطوة عن الأول، حيث يسترجع المواد ويعيد تدويرها، في إنجلترا؛ يشكل حجم النفايات المحلية والنسبة التي يتم جمعها لإعادة التدوير “42%” وهي نسبة لم تتغير تقريبًا خلال العشر سنوات الأخيرة، بعض معدلات إعادة التدوير صعدت بنسبة أكبر (مثل الطعام من 5% إلى 11%) لكن البعض الآخر انخفض (مثل الورق والبطاقات من 56% إلى 53%).
أما المنسوجات فهي قليلة بشكل خاص، يشتري المواطن البريطاني العادي في المملكة المتحدة 26.7 كيلوغرام من الملابس سنويًا، ويتم التخلص من مليون طن كل عام في إنجلترا، معظم هذه الملابس تُحرق بينما انخفضت النسبة المعاد تدويرها من 17% إلى 11% منذ 2010.
عادة ما تستخدم الألياف المستردة في تطبيقات منخفضة القيمة مثل السجاد والمواد العازلة، أما الملابس الجديدة فتحتوي على نسبة أقل من المواد المعاد تدويرها مما يغذي الطلب للموارد الطبيعية البكر.
في الاقتصاد الدائري الذي يعتمد على إعادة التدوير لإغلاق الحلقات، لا يُجبر الناس على تغيير كمية شرائهم للأشياء، لكن المصنعين وشركات إدارة النفايات ستتغير بشكل جذري، فعلى سبيل المثال تستخدم زجاجات المياه مواد بلاستيكية مختلفة لجسم الزجاجة والغطاء والملصق، إعادة تدوير هذا الخليط يقلل من جودة المواد المعاد تدويرها، أما فصلها فأمر صعب للغاية وغير مناسب، لذا يجب إعادة تصميم جميع المنتجات لضمان إمكانية إعادة تدويرها.
يمكن لنماذج الأعمال القائمة على إعادة الاستخدام والتأجير والإصلاح وإعادة التصنيع أن تولد وظائف 4 أضعاف ما تولده معالجة النفايات والتخلص منها وإعادة التدوير
يجب أن يستخدم المصنعون المزيد من المواد المعاد تدويرها في المنتجات الجديدة أيضًا، مما يخلق أسواقًا للمواد المستردة، سيتطلب الأمر استثمارات ضخمة في البنية التحتية لإعادة التدوير كذلك، لتحقيق أهداف إعادة تدوير العبوات البلاستيكية يحتاج الأمر إلى 50 مصنعًا جديدًا لإعادة التدوير في إنجلترا.
ورغم إن إعادة التدوير عادة ما يكون أقل استهلاكًا للطاقة من معالجة الموارد البكر، فإنه ما زال يستخدم بعض الطاقة التي تنتج انبعاثات كربونية، وحتى لو استخدمت جميع عمليات إعادة التدوير طاقة متجددة، ستتطلب البنية التحتية الجديدة كمية كبيرة من المواد البكر لبنائها، في الدول المتقدمة لا بد من خفض إجمالي كمية المواد داخل الاقتصاد.
اقتصاد دائري مستدام
لتحقيق اقتصاد دائري مستدام حقيقي يجب أن تتغير عملية الاستهلاك والإنتاج معًا، يضمن الاقتصاد الدائري المستدام تصميم وترويج المنتجات التي تدوم لفترة طويلة ويمكن إعادة استخدامها وإصلاحها وإعادة تصنيعها، هذا الأمر يحتفظ بقيمة المنتجات بدلًا من مجرد استرجاع الطاقة أو المواد التي تحتويها وصنع المنتجات بشكل جديد باستمرار.
يجب أن نصنع المزيد بمواد أقل وأن نستهلك بمسؤولية، فعلى سبيل المثال، يجب أن يشتري الناس في المملكة المتحدة القليل من الملابس الجديدة واستخدام ما لديهم بالفعل، وقد يساعد إصلاح وإعادة تصميم ملابسنا المفضلة في استخدامها بشكل أكثر وتقليل النفايات.
سوف تتيح أنماط الاستهلاك الجديدة فرص لنموذج أعمال الاقتصاد الدائري مثل تأجير الملابس وإنتاج ما يحتاجه الناس بالطلب فقط، يمكن لنماذج الأعمال القائمة على إعادة الاستخدام والتأجير والإصلاح وإعادة التصنيع أن تولد وظائف 4 أضعاف ما تولده معالجة النفايات والتخلص منها وإعادة التدوير، هذا النمط يولد اقتصاد محلي نشط ويساعد على تقوية العلاقات داخل المجتمعات.
يمثل الاقتصاد الدائري المستدام نموذجًا اقتصاديًا جديدًا حيث يتحول الهدف من نمو إجمالي الناتج المحلي الضيق إلى تقدم متعدد الأبعاد يتضمن تقوية أوسع لجودة البيئة ورفاهية البشر والازدهار الاقتصادي للأجيال الحالية والمستقبلية، هذا الاقتصاد الدائري فقط بإمكانه تجديد البيئة.
إن طريقة استخدامنا للموارد قد غيرت من اقتصادنا ومجتمعنا في الماضي، والآن يقدم لنا الاقتصاد الدائري فرصة لتقديم فوائد مستدامة للمستقبل، وينبغي أن لا نضيعها.
المصدر: ذي كونفرسايشن