صوّت مجلس النواب العراقي فجر اليوم الخميس 7 من مايو/أيار 2020 على الكابينة الوزارية المنقوصة التي يترأسها مصطفى الكاظمي المرشح الذي استطاع قيادة سفينته وسط بحر هائج من الأحداث التي تعصف بالعراق بين صراع نفوذ أمريكي إيراني ومظاهرات داخلية وأزمة كورونا عالمية بعد فشل سابقيه عادل الزرفي ومحمد توفيق علاوي.
في هذا التقرير سنسلط الضوء على شخصية الكاظمي الذي سيقود الحكومة العراقية في هذه المرحلة العصيبة ونستعرض رحلة الوصول إلى الرئاسة منذ البداية.
البدايات
ولد مصطفى عبد اللطيف مشتت المعروف بالكاظمي في العاصمة العراقية بغداد عام 1967 حيث ينتمي لعائلة الغريباوي المنحدرة من قضاء الشطرة التابع لمحافظة ذي قار جنوب العراق التي نزحت وسكنت منطقة الكاظمية ليحمل الكاظمي لقبه الذي اختاره منها.
انخرط الكاظمي في معارضة نظام حزب صدام حسين في سن مبكرة وغادر العراق عام 1985 مستقرًا في بريطانيا بعد تجواله في عدد من الدول، لم يكمل دراسته إلا بعد الغزو الأمريكي وعودته للعراق، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة التراث العراقية عام 2012.
متزوج من ابنة مهدي العلاق القيادي البارز في حزب الدعوة العراقي ولا يحمل جنسية غير الجنسية العراقية، رغم أنه امتلك جواز لجوء سياسي منحته له بريطانيا، خلال فترة معارضته لنظام البعث.
الكاظمي بين الصحافة والسياسة
رغم أن والد مصطفى كان سياسيًا وممثلاً عن حزب الوطني الديمقراطي (حزب كامل الجادرجي) في الشطرة ورغم معارضة الكاظمي المبكرة لنظام صدام، فإنه لم ينتم لأي من الأحزاب السياسية.
استخدم الكاظمي الصحافة والتأليف طريقًا للمعارضة السياسية، فعمل في عدة مؤسسات إعلامية وصحف وشغل منصب مدير برامج على إذاعة “إذاعة أوروبا الحرة” بقسم العراق بين عامي 1999 – 2003، كما نشرت له مجموعة من المؤلفات أهمها كتاب “انشغالات إنسانية” الذي اختاره الاتحاد الأوروبي عام 2000 كأفضل كتاب كتبه لاجئ سياسي، وكتاب “مسألة العراق.. المصالحة بين الماضي والمستقبل”.
تخوف كثيرين من “فيتو” إيراني قد يعرقل تمرير الكاظمي، لكنه على ما يبدو تمكن من تذليل هذه العقبة خلال حواراته المكوكية وفتحه تحقيقًا في حادثة اغتيال سليماني والمهندس
بعد عودته للعراق ساهم الكاظمي في تأسيس شبكة الإعلام العراقي وشغل منصب المدير التنفيذي لـ”مؤسسة الذاكرة العراقية” المعنية بتوثيق الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها نظام البعث في العراق، وبرز اسمه ككاتب مقالات رأي ومدير تحرير قسم العراق في موقع “مونيتور” الأمريكي، متحدثًا بشكل أساسي في مجال السلم المجتمعي في العراق، ورئيس لتحرير مجلة “الأسبوعية” التي كان صاحب الإمتياز لها هو برهم صالح رئيس الجمهورية الحالي.
الكاظمي رجل المخابرات
في يونيو/حزيران 2016 وفي ظل تصاعد المعارك مع تنظيم الدولة “داعش” تسلم الكاظمي رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي بتكليف من رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي بديلًا عن زهير الغرباوي الذي كان يشغل المنصب.
بعد تسلم الكاظمي للمنصب اختفى عن الساحة الصحفية والإعلامية ولم نجد له خلال وجوده في جهاز المخابرات الوطني العراقي في فترة التحالف الدولي لمحاربة داعش علاقات واسعة مع دول التحالف، كما لم يعرف الشارع العراقي عنه أي شيء، مما جعل سجله نظيفًا خلال فترة إدارته للجهاز ولحين تكليفه من رئاسة الجمهورية بتشكيل الحكومة.
الكاظمي.. رجل التوافقات
توقع الكثير من المحليين قدرة الكاظمي على تمرير حكومته رغم فشل سابقيه، ولعل التوليفة التي يتمتع بها الكاظمي باعتباره شخصية من البيت الشيعي ولها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة – وصفت صحيفة نيويورك تايمز تنصيبه بأن العراق يختار الرجل المدعوم أمريكيًا -، إضافة للمنصب الأمني الحساس الذي كان يشغله، عززت فرص نجاحه.
لكن اتهامات “حزب الله” للكاظمي بالمشاركة في اغتيال المهندس وسليماني جعلت الكثيرين يتخوفون من وجود “فيتو” إيراني قد يعرقل تمريره، لكنه على ما يبدو تمكن من تذليل هذه العقبة خلال حواراته المكوكية وفتحه تحقيقًا في حادثة اغتيال سليماني والمهندس.
لم يغادر الكاظمي العرف السياسي العراقي ما بعد 2003 فقدم تشكيلة محاصصة استطاع من خلالها انتزاع ثقة الأحزاب السياسية، وتواجه رئيس الوزراء مهمات عاجلة أبرزها بعد إكمال كابينته المنقوصة وضع خطة عاجلة اقتصادية بسبب أزمة النفط وكورونا وفتح حوار مع المتظاهرين لتحقيق مطالبهم ومواجهة أزمة كورونا والتمهيد لانتخابات برلمانية، ويرى أغلب المراقبين صعوبة نجاح الكاظمي في مهامه في ظل تعقيدات المشهد العراقي المربكة.