بعد أسبوعين فقط من اعترافه بأن الولايات المتحدة لا تمتلك استراتيجية للتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، أعلن الرئيس الأمريكي عن استراتيجيته لمواجهة الجماعة المتشددة في سوريا والعراق.
فقد قال باراك أوباما إنه سيجيز للمرة الأولى شن ضربات جوية في سوريا وشن المزيد من الهجمات في العراق في تصعيد واسع لحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويمثل قرار أوباما بشن هجمات داخل سوريا تحولاً في موقفه بعد أن تراجع قبل عام عن شن ضربات جوية لمعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد على استخدام أسلحة كيماوية ضد شعبه.
وقال أوباما في كلمته التي استمرت 13 دقيقة إنه سيلاحق متشددي الدولة الإسلامية “أينما كانوا” في حملة لإضعاف الجماعة التي استولت على قطاعات واسعة من العراق وسوريا وتدميرها في نهاية الأمر.
وأضاف أوباما متحدثًا عشية الذكرى الـ 13 لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001: “هذا يعني أنني لن أتردد في اتخاذ إجراء ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وأيضًا في العراق، هذا مبدأ أساسي لرئاستي: إذا هددت أمريكا فلن تجد ملاذًا آمنًا”.
وطلب أوباما من الكونجرس الموافقة على تخصيص 500 مليون دولار لتدريب وتسليح مقاتلي المعارضة “المعتدلين”، قائلاً إن التدريب سيتم في المملكة العربية السعودية.
ويعتزم أوباما توسيع قائمة الأهداف داخل العراق لتتجاوز عدة مناطق معزولة، وشن الجيش الأمريكي أكثر من 150 ضربة جوية في العراق خلال الشهر الأخير للمساعدة في وقف تقدم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال البيت الأبيض إن قائمة الأهداف الجديدة ستشمل “قيادة (الدولة الإسلامية) وقدراتها اللوجستية والعملية” بالإضافة إلى محاولة “حرمان التنظيم من الملاذ والموارد لتخطيط وإعداد وتنفيذ الهجمات”.
وقال المسئولون الأمريكيون إن تدمير تنظيم الدولة الإسلامية سيستغرق سنوات وأبلغ أوباما الأمريكيين قائلاً: “سيستغرق الأمر وقتًا لاستئصال سرطان مثل داعش”.
وفي تحرك مهم قد يساعد في حشد دول الخليج العربية وراء التحالف الذي ستقوده الولايات المتحدة قال مسئولون أمريكيون بارزون إن المملكة العربية السعودية ستستضيف داخل أراضيها بعثة أمريكية لتدريب مقاتلي المعارضة السورية، وتعتمد البعثة على موافقة الكونجرس الأمريكي على تخصيص 500 مليون دولار لتدريب وتسليح مقاتلي المعارضة السورية.
الأردن قامت بهذا الدور على مدار سنوات بعد بداية الثورة السورية بعدة أشهر، إلا أن برامج التسليح لم تؤت أكلها كما أراد لها الأمريكيون والأردنيون.
وتعهد أوباما بعدم إرسال أعداد كبيرة من الجنود المقاتلين الأمريكيين إلى المنطقة لكنه سيعتمد بدلاً من ذلك على مساعدة من تحالف موسع يضم حكومات سنية في المنطقة وحلفاء غربيين.
ولم يتم بعد تحديد المهام التي ستقوم بها كل دولة في التحالف، ويجتمع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع حلفاء في دول الخليج العربية كما يستضيف أوباما مؤتمرًا أمنيًا للزعماء خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في غضون أسبوعين بهدف تحديد مهام التحالف.
الائتلاف الوطني السوري من جانبه أعلن اليوم الخميس أنه مستعد للعمل مع الولايات المتحدة ضد مقاتلي الدولة الإسلامية.
وأضاف الائتلاف أنه دعا منذ فترة طويلة لهذا الإجراء وحذر مرارًا من الدولة الإسلامية ودعا مجددًا جناحه العسكري الجيش السوري الحر إلى تلقي الدعم لتشكيل “قوة يعتمد عليها ومجهزة تجهيزًا جيدًا”.
وقال هادي البحرة رئيس الائتلاف في بيان “نحث الكونجرس الأمريكي على الموافقة في أقرب وقت ممكن على سياسة الرئيس وعلى السماح بتدريب وتجهيز الجيش السوري الحر”.
وتابع قائلاً: “الائتلاف السوري على استعداد لمشاركة المجتمع الدولي ليس فقط لهزيمة الدولة الإسلامية في العراق والشام (الاسم السابق للدولة الإسلامية) لكن أيضًا لتخليص الشعب السوري من طغيان نظام الأسد”.
محللون أمريكيون في مركز ستراتفور ومجلة فورين بوليسي الأمريكية قالوا إن خطة أوباما لن تعتمد على إرسال جنود أمريكيين، لكنها ستعتمد على الدعم الاستخباراتي، وتقديم النصح والاستشارات والتدريب بالإضافة إلى الهجمات الجوية، مما يعني أن الجنود الأمريكيين لن يضع أحد منهم قدمه على التراب السوري أو العراقي.
كان خطاب أوباما خطاب علاقات عامة، يقول مركز ستراتفور، لم يدل أوباما بخطابه إلا بعد تمكن العراقيين من تشكيل حكومة وقبل الانتخابات النصفية المقررة في الولايات المتحدة في نوفمبر، ويُتوقع أن يحجم العديد من أعضاء الكونغرس عن التصويت على أمر بهذه الجدلية قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، ورغم ذلك، يستاء الكثيرون بسبب تسرع أوباما في صياغة استراتيجيته، وعدم استشارة المزيد من أعضاء الكونغرس في خطته.
استطاع أوباما أن يضرب عددًا من العصافير في خطابه، لكن هدفه الأساسي كان مواطني الولايات المتحدة، وربما هذا هو سبب التناقضات الكبيرة في استراتيجيته، إذ يحاول أوباما أن يخلط الأهداف السياسية بالأهداف العسكرية غير المتفقة في المنطقة.
التناقض الأول والأكثر وضوحًا يكمن في الجمع بين مهاجمة أهداف الدولة الإسلامية عن طريق الهجمات الجوية بينما تقوم الولايات المتحدة بتدريب وتسليح الثوار السوريين على الأرض، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة ستضطر إلى العمل مع وكلاء إيران في العراق وممثلي السعودية في سوريا، ربما يبدو الحل أنيقًا ومتكاملاً، إلا أنه ليس كذلك.
فمهما حاولت الولايات المتحدة واجتهدت في انتقاء حلفائها من المقاتلين السوريين، فإن مقاتلي السلفية الجهادية هم الذين يهيمنون على ساحة المعركة، وبالتالي فهم الأقدر على هزيمة منافسيهم في داعش، وفضلاً عن ذلك، ليس هناك ما يضمن أن يضع الثوار أولويتهم في قتال الدولة الإسلامية بينما يستطيعون بمثل الدعم الذي تقدمه أمريكا أن يحققوا انتصارات كبيرة ناحية هدفهم بإسقاط بشار الأسد.
التناقض الثاني في استراتيجية أوباما يتلخص في السؤال التالي: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تدعم الثوار السوريين بما يكفي لإسقاط داعش، لكن أيضًا مع المحافظة على علاقتها بإيران بحيث لا يسمح ذلك الدعم للثوار بملء فراغ السلطة في سوريا؟ الإدارة الأمريكية ستجتهد في تبرير توسيع العمليات في سوريا ومحاولة دحض الجدال الذي سيقول إن واشنطن تساعد ديكتاتور دمشق، أول جهد الولايات المتحدة في هذا الاتجاه هو الحديث عن تسليح وتدريب المتمردين السُنة في سوريا، والذين يمكن أن يتطوروا بشكل جدي ليشكلوا تهديدًا وجوديًا لنظام الأسد المدعوم من إيران.
هذا لن يكون موضع ترحيب من إيران، التي تشارك معها الولايات المتحدة في مفاوضات شديدة الأهمية بخصوص برنامجها النووي الذي يحتاج الغرب أن يطمئن إلى أنه لن يتجاوز الخطوط المحددة له سلفا.