تضاعف الجاليات الهندية المقيمة في بلدان الخليج منذ فترة طويلة، من أزمة الهند مع الإسلام، فالكثير منهم لجأ لترويج أفكار وتصورات مسئية عن المسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي ويدعون نظراءهم من المغتربين الهنود لازدراء الإسلام والثقافة الإسلامية، الأمر الذي أثار أزمة كبرى وهدد بتفجير فتنة بين عشرات الملايين من الأعراق المتنوعة الذين يعيشون بسلام في البلدان الخيجية، ما يطرح السؤل: ما سبب تشبع الجاليات الهندية بالكراهية الدينية لإناس أتوا للعمل معهم ولم يروا منهم إلا المعاملة الحسنة والفائدة الاقتصادية؟
الآن الوضع الرهيب في الهند بالنسبة للمسلمين الهنود ، الهندوس الذين يعملون في السعودية ودول الخليج الأخرى يغذون الكراهية من خلال نشر أخبار كاذبة ضد المسلمين والإسلام.
— آل مكتوم بن السديس (@Hm90kQ0ScbLJRhY) April 18, 2020
كيف تصاعد الموقف؟
خلال الأشهر الماضية ارتفعت حدة الأزمة للغاية، كانت المخالفات الهندية الأكبر في الإمارات، ما اضطر المسؤولين وأعضاء الأسرة المالكة وخاصة هند القواسمي، لإصدار تهديدات واضحة، تعيد التذكير بمواد القانون الإماراتي الذي لا يفرق في المحاسبة بين وافد ومواطن، وخاصة في جرائم الحض على الكراهية، ولهذا استشعرت الهند الأزمة ودعت مواطنيها المقيمين في بلدان الخليج عامة، للكف عن التغريدات المعادية للإسلام، لا سيما أن هذه البلدان من أهم المصادر الرئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر فيها، بجانب أنها تأوي الملايين الذي يرسلون مليارات الدولارات سنويًا كتحويلات نقدية يتم ضخها في الموارد الاقتصادية للبلاد.
UAE law applies on nationals and non-nationals in terms of hate speech. pic.twitter.com/bWN3StUkRN
— Princess Hend Al Qassimi (@LadyVelvet_HFQ) April 20, 2020
شرارة الأزمة اشتعلت بعد استهداف بعض الهنود العاملين في دبي للإسلام والمسلمين، الذين تبين من نوعية منشوراتهم التي اختفت بعد الحملات عليهم أنهم من الهندوس اليمينيين المتطرفين، وألقى هؤلاء باللوم على جماعة التبليغ والدعوة الهندية في زيادة حدة الفيروس، وبدلًا من مناقشة الأسباب المنطقية لعمل الجماعة وكيفية التعامل معها، تطرفوا في الاتهامات بحقها، لدرجة اتهامهم لها بـ”التآمر” لنشر فيروس كورونا.
لم يكتف هنود الخليج بذلك بل طالبوا المسلمين بشكل عام بالتوقف عن إيجاد طرق للدفاع عن جماعة التبليغ في بلادهم والقبول بأنها مصدر الوباء، ودشنوا هاشتاغ #CoronaJihad أو جهاد كورونا لتمرير وجهة نظرهم، وظل الهاتشاغ متصدرًا لأيام على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، واعتبرت التغريدات الهندية أن المسملين في عمومهم قنابل بشرية جاهزة للانفجار.
كان تصريح لوزارة الداخلية الهندية في أبريل الماضي، أكدت فيه أن أكثر من 4000 حالة من بين نحو 15000 حالة تم اكتشافها، مرتبطة بجماعة التبليغ والدعوة، واتهمت رئيسها مسعد الكاندهلوي بالقتل العمد وغسيل الأموال، تسبب في تصعيد حالة التوتر والتشاحن الديني بين صفوف أبناء الهند، بعدما أخذ الاتهام لغة تعميمية ضد كل المسلمين.
تطاير لهيب الغضب حتى وصل إلى الهنود المقيمين خارجها الذين يعيشون بين المسلمين ويعملون بجوارهم، دون أن تسعفهم عقولهم للبحث عن إجابة منطقية عن سر سلامتهم الشخصية في بلدان إسلامية، لم تسع للنيل منهم بأي شكل ردًا على إساءتهم للإسلام، إذا كان المسلمون بهذه البربرية والتوحش الذي تصوره لهم بلدانهم.
وينتشر الهنود في نحو 53 دولة إسلامية من أصل 57 العدد الرسمي لمنظمة التعاون الإسلامي، ومعظمهم من الهندوس، ويُعاملون بإنسانية واحترام شديد بحسب وصف الناشط الكويتي عبد الرحمن النصار الذي أغلق تويتر حسابه الشخصي بعد قيادته حملة لمحاسبة الهنود على تجرأهم على الإسلام والمسلمين، قبل أن يستطيع إعادته مرة أخرى.
In 53 Muslim countries Indians where most of them Hindu, are treated with humanity and respect ..
How do Muslims are treated in India?
— عبدالرحمن النصار (@alnassar_kw) April 15, 2020
عم الغضب صفوف الخليجين، وبدأت الاقتراحات تتوالى والبعض زايد في اتجاه مضاد بضرورة وضع جميع الهندوس الذين يعملون في الخليج على قوائم الإرهاب بتهمة نشر الكراهية ضد الإسلام.
ودشن الخليجيون وسم #Send_Hindutva_back_home لكشف مخالفات جميع الهندوس المتشددين الذين يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي وينشرون الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذي دفع سفير الهند السابق لدى الإمارات تميز أحمد، للهجوم على الهنود الذين نشروا تعليقات ضد العرب والمسلمين واعتبرهم حمقى ليس لديهم أدنى حدود المعرفة بالسياسة أو الشؤون الدولية.
من يحرض هنود الخليج على التمرد؟
الأزمة التي دخلت أبعاد جديدة وجعلت الوجود الهندي المتزايد في شبه الجزيرة العربية محل نقد وتساؤل عن أسرار استمراره، في وقت تتخذ الهند مواقف عدوانية ضد المسلمين، طرحت أيضًا العديد من الأسئلة للبحث عن أسباب منطقية أولًا لانقلاب الهنود في الخليج ضد إناس يعاشرونهم منذ سنوات طويلة، والإجابة تقودنا إلى الإشارة بأصابع المسؤولية إلى الإعلام الهندى الموجه الذي تبنى حملات شرسة لإثارة الكراهية ضد المسلمين، ما أثر على مواطنيهم في دول الخليج.
تبنت قنوات Republic TV وZee News وIndia TV وAaj Tak وABP وTimes Now الهجوم على المسلمين، وهذه القنوات تحديدًا منتشرة في الخليج بشدة وتقبل عليها الجالية الهندية في شبه الجزيرة العربية، وتحرف الحقائق وتتبني روايات وهمية لاستهداف المسلمين.
زعمت هذه القنوات أن المسلمين بصقوا على الفاكهة لنشر فيروس كورونا واتبعوا غيرها من الأساليب الهمجية التي تملأ صدر أي إنسان طبيعي خاصة إذا كان مستواه الثقافي والمعرفي متواضعًا للغاية ويعتمد على وسائل الإعلام في تشكيل قناعاته وأفكاره عن الأشياء.
تكرار تعرض هؤلاء للأخبار المزيفة من القنوات الإخبارية التي اتهمت المسلمين بنشر الفيروس، وبعضها كان نقلًا عن بيانات جهات رسمية في الدولة ومنها المؤسسة الأولى المسؤولة عن حماية الأرواح ومكافحة الفيروس “وزارة الصحة”، جعلهم يصدقونها بشدة ويتفاعلون بإيجابية مع حملات الكراهية.
ارتفعت أرقام جرائم التنمر على المسلمين والمضايقات، مما أدى إلى فقدان آلاف الوظائف بسبب مقاطعة الشركات المملوكة للمسلمين
كانت الصحة الهندية هي الأخرى قد أكدت في بيان رسمي لها، أن 30% من حالات الإصابة بالفيروس التاجي، خلفها جماعة التبليغ الإسلامية في دلهي، وفور التصريح تعرض المسلمون لسلسلة هجمات من المتطرفين الهندوس وتضاعفت الكراهية الدينية في البلاد، وبات واضحًا أن تضخيم نظريات المؤامرة في التعامل مع المسلمين سيوطن حتمًا العنف في البلاد حتى بعد انتهاء الوباء بحسب رأي مقتدر خان، أستاذ الفلسفة السياسية الإسلامية في جامعة ديلاوير، الذي يحذر من إلقاء اللوم دائمًا على المسلمين ومحاولة تجريسهم واتهامهم بنشر الفيروس التاجي، ويعتبره تطورًا خطيرًا يفاقم العنصرية والتمييز في البلاد.
يهاجم “خان” الموقف المتراخي للحكومة الهندية مع جماعة التبليغ والدعوة من البداية، بعد أن تركتها تمارس أنشطتها الدينية التي تعتادها في الأيام العادية وفق معتقداتها، كما أن السلطات في المقابل، لم تطبق نفس المعايير على أي جماعة هندوسية أخرى، ويتهم خان وسائل الإعلام القومية بلعب دور خطير في نشر الاتهامات المجافية للحقيقة، التي تزعم أن المسلمين مسؤولون عن انتشار الفيروس في جميع أنحاء البلاد.
كان اجتماع جماعة التبيلغ والدعوة الذي أثار كل هذه الضجة وخلق الذرائع لاتهام المسلمين، حشد ما يقارب 1500 إلى 2000 شخص في الاجتماع السنوى منتصف مارس الماضي، في مقر الجمعية بدلهي، الأمر الذي يعد انتهاكًا واضحًا للمبادئ التوجيهية التي أصدرتها الحكومة للحد من الفيروس، وتسبب ذلك في فتح النار على المسلمين واتهامهم جميعًا بالقتل العمد ومحاولة نشر الفيروس في البلاد.
ارتفعت أرقام جرائم التنمر على المسلمين والمضايقات، مما أدى إلى فقدان آلاف الوظائف بسبب مقاطعة الشركات المملوكة للمسلمين، بل ومنعهم من دخول بعض الأحياء، في الوقت الذي لم يناقش أحد موقف الدولة المتواطئ والمتخاذل أمام استمرار معظم معابد الهندوس في فتح أبوابها حتى بعد تصرف التبليغ والدعوة ـ غير المسؤول ـ ولا يمكن إنكار ذلك.
ما وراء التصعيد الخليجي ضد الهنود؟
لم تكن تتوقع الهند أن الصراع الخليجي المستمر منذ سنوات لن يقف أمام توحد النشطاء والمثقفين في هذه البلدان ضد التصرفات الهندية المتطرفة، وللمرة الأولى منذ أن تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصبه منذ عام 2014، تواجه حكومته خطر قطع العلاقات مع الخليج أو على الأقل على المستوى الشعبي، ما قد يبدد مسيرتهم الاقتصادية الناجحة هناك على جميع المستويات، لا سيما أن ردود الفعل الغاضبة شملت جميع بلدان الخليج.
في دول مجلس التعاون الخليجي، سواء الحكومات أم الشارع، كان هناك ما يشبه الصمت المدروس في البداية عندما بدأت الهند ممارساتها العنصرية ضد المسلمين، واستمر الموقف هكذا حتى بعد إقرار قانون صنف على أنه ضد المواطنة في أواخر عام 2019 بسبب استهدافه للمسلمين، ولم يصدر عن بلدان الخليج أي ردود تناسب الفعل على المستوى الرسمي، حتى ظهرت تغريدات الجاليات الهندية في الخليج ضد الإسلام، فاشتعل الموقف وبدا وكأنه استدعى كل ألوان الغضب المكتوم المتراكمة منذ سنوات.
رغم لعب الهند على نقطة ضعف المنطقة وعلاقتها المتوترة بتيارات الإسلام السياسي، لكنها لم تطرح حتى الآن أي حلول للأزمة الرئيسية
شعرت الهند الرسمية بالخطر سواء من رد فعل الشارع أم من التحركات الحكومية وتغريدات أبناء العائلات المالكة وتفاعلهم مع الغضب الشعبي، وواكب ذلك تحرك منظمة التعاون الإسلامي التي حثت الهند على اتخاذ خطوات عاجلة لحماية حقوق الأقلية المسلمة، ويعد هذا النقد الأخير تحذيرًا خاصًا لنيودلهي لإنقاذ علاقتها بالمسلمين بشكل عام والخليج بشكل خاص.
خصصت الهند على الفور عدة بعثات للذهاب إلى بلدان غرب آسيا، واتبعت تكتيكات دبلوماسية الطوارئ لاحتواء الأضرار بشكل استباقي، وبالتوازي تحركت السفارات الهندية في السعودية وقطر والإمارات وعمان والكويت لحث الجالية الهندية على عدم زرع بذور الخلاف على أساس الهوية الدينية، ونجحت بشكل مقبول في تقديم توضيحات تتناسب مع المزاج العام الخليجي الرافض للتيارات الدينية.
ورغم لعب الهند على نقطة ضعف المنطقة وعلاقتها المتوترة بتيارات الإسلام السياسي، لكنها لم تطرح حتى الآن أي حلول للأزمة الرئيسية، ما يطرح السؤال نفسه من جديد: هل الهند بعد خطابات التطمين للخليج ستكون قادرة على التحكم في خطاب الكراهية الذي يبدو أنها أطلقته ولم تعرف كيفية تحجيمه بعد، أم ستستمر في سياساتها الرامية إلى إغلاق البلاد على الهندوس وحدهم، ثم التلاعب بالقضية دوليًا وتمرير خطابات مطاطة تكسبهم المزيد من الوقت لتنفيذ خطتهم كاملة؟!