وكما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا بـ (داعش) على مساحات من الأراضي العراقية والسورية تعادل حجم المملكة المتحدة كما ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، سيطر أيضًا على مساحات شاسعة من عقول وقلوب العالم بأسره.
فبينما يجتهد الأمريكان في خلق تحالف دولي – وهكذا حدث – ظاهريًا للقضاء على تنظيم داعش ومحاربة الإرهاب ومن خلف الستار إعادة ترتيب مفاتيح السيطرة على المنطقة وتوزيع الأدوار والأفعال. اجتهد كثير من الباحثين والكتاب في فهم حقيقة داعش وأسباب وجودها ومن يدعمها ويمولها وأعداد قواتها وعدتها وكيف سيطرت على تلك المساحات الشاسعة؟
وكذا أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف داعش وخاصة أبناء دول الاتحاد الأوروبى والتي جاءت فرنسا في مقدمة الدول بتسعمائة مقاتل تليها بريطانيا ثم ألمانيا.
ونظرًا لتخوفي الشديد من انتشار الفكر الداعشي في الأمة الإسلامية عامة وأبناء التيار الوسطي الجارف خاصة؛ كتبت ثلاثة مقالات أولهما يرصد هدم الفكرة الداعشية (الجهاد الرباني والجهاد الداعشي) وثانيهما يدق جرس الخطر في انتشار داعش في مصر(داعش فى مصر .. لا مرحبًا بكم!) والثالث يسلك طريق الوسطية بين داعش والجيش الحر (الوسطية ألا تكون داعشيًا ولا من الجيش الحر).
وذكرت في مقال (داعش في مصر .. لا مرحبًا بكم) أنه تولد لدي تخوف رهيب من انتشار الفكر الداعشي في مصر عامة وبين أبناء التيار الإسلامي – الذي كان يوصف بالوسطي – خاصة وذلك لتوافر بيئة خصبة وتربة ملائمة لنمو هذا التيار الداعشي وتظهر بوادر هذا التخوف وملامحه في الآتي:
(1) الانقلاب العسكري المجرم على أول تجربة ديمقراطية وليدة في مصر أطاحت برئيس جمهورية منتخب وعصفت بأحلام وطموحات جيل كامل في بناء أمة ناهضة قوية.
(2) انتشار الظلم والطغيان وسفك الدماء وانتهاك الحرمات واعتقال الشرفاء مع عدم القصاص من قتلة الثوار ومغتصبي النساء.
(3) الإحساس المنتشر بين أبناء التيار الوسطي بخيبة الأمل واليأس ممزوجًا بالمظلومية وحالة الكربلائية وارتداء ثوب الضحية المستضعفة وإجادتها على طول الخط.
(4) الدور المخابراتي الداخلي والخارجي في خنق الحالة الثورية وتأزيمها وتوجيهها نحو المشهد السوري.
(5) الدور الدولي والإقليمي في رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وترسيم حدوده وتقسيم المقسم فيه.
(6) كثرة أعداد المصريين المنضويين داخل تنظيم داعش في سوريا والعراق وأغلبهم من الشباب المتعلم المثقف والذي كان يحيا حياة طبيعية وليس بها منغصات معيشية وشوائب حياتية.
(7) المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي والراصد لحركة الثوار واتجاهاتهم يجد ترحيب كبير واستقبال شرس لأخبار داعش ونوادرهم وإظهار محاسن مواقفهم مع حاضنتهم الشعبية وترويجها وفرحهم بداعش وبما يفعلونه في الأنظمة المستبدة.
ويؤكد هذا الكلام ماقاله الأستاذ/ يزيد الصائغ في نفس المقال السابق عن تنظيم داعش ودوره في ترسيخ مفهوم دولته وكسب حاضنته الشعبية (يدعم تنظيم «داعش» البعد الرمزي للدولة بأشكال أخرى من أعمال بناء الدولة، ففي سورية، اهتم أكثر من معظم منافسيه المتمرّدين السوريين، وفعل ذلك بقدر أكبر من النجاح، بإدارة المناطق الخاضعة إلى سيطرته، وضمان توفير الخدمات الأساسية والاحتياجات المعيشية وتنظيم الأسعار ونقل عائدات صادراته النفطية ومصادر دخله الأخرى عند الحاجة، أما في العراق، فقد ترك هذه المهام لشركائه السنّة، بينما احتفظ بالإشراف على شئون السياسة والأمن وإقامة العدل وفقًا لتصوّره للشريعة).
(8) استمرار سفك الدماء وقتل الأبرياء واعتقال الشرفاء وسرقة الأحلام والأمنيات والأوطان.
(9) انسداد الأفق السياسي والحلول الثورية مع غياب الرؤية وعجز القيادة وجلد الظالم وفجره.
وممازاد قلقي وتخوفي أيضًا إطلاعى على صفحة من صفحات جوجل ترندز والتي تهتم بكلمات البحث الأكثر شيوعًا وأماكنها ونسبتها.
(الصورة من جوجل ترندز عن البحث عن كلمة داعش في مصر)
(الصورة من جوجل ترندز)
وبعيدًا عن من يتسللون لواذا لإلصاق الدعشنة بالإخوان زورًا وبهتانًا تارة في المنهج وأخرى في المؤسس وثالثة في السلوك والوسائل كناصري الديكتاتورية العسكرية ويساريها مثل ما يقول عبدالحليم قنديل في مقال له بعنوان دعشنة الإخوان (وقد لا يصح إنكار إغراء الداعشية الراهن، ليس فقط عند شباب جماعات القاعدة وإخواتها، بل في قلب حركات إسلامية كانت توصف بالاعتدال فيما مضى، وعلى طريقة ما يجرى في صفوف جماعة الإخوان، فقيادة الإخوان تراوغ كالعادة في بياناتها الرسمية، وتدعى أنها تنكر العنف، وتستنكر الدموية الوحشية المنسوبة لداعش، لكن قطاعات متزايدة من شباب الإخوان تبدو مبهورة بداعش، والسبب ظاهر، فداعش تختصر الطرق، وتقيم دولة الخلافة الموعودة في خيالهم، ثم إن تراث الإخوان فيه ميل داعشي ظاهر، وبالذات في نظريات سيد قطب، وهو ما يفسر التحاق جموع الشباب الإخوانى الأصغر سنًا بنزعة داعش، وولعهم المتزايد بتكوين جماعات الإرهاب، خصوصًا مع الاختناق السياسي وهزائم الإخوان الشعبية، وافتراض أن العنف الدموي هو الطريق الصحيح لإقامة دولة الإسلام، وهو ضلال لو تعلمون عظيم)، وهذا الكلام محض خيال دواعش الفكر الناصري المتهالك والذي ينم عن حقد وكراهية موروثة تاريخيًا.
وبعيدًا عن هؤلاء فهناك من يقولون باستحالة دعشنة الإخوان – وأنا منهم – لأسباب منها:
– تعرض الإخوان لأكثر من اختبار محنوي شديد لم يعصف بوسطية فكرتها ومنهجها ووسائلها كما حدث في محنة 1954 و1965وحتى الآن, ووقفت عاصية عاتية تواجه تلاطم الأمواج في قوة وعزة وثبات.
– سيطرة الصف الأول والثاني والثالث وغالبيتهم من كبار السن والفكر وعجائز المرحلة على مقاليد الأمر في التنظيم.
– النزعة الإصلاحية القوية في فكر الجماعة وسياستها ووسائلها واستحالة تثوير رؤيتها ومنهجها.
– شباب الإخوان نتاج تكويني لفكر العجائز وممارساته وأطروحاته.
– المقصلة الإقصائية لأي عنصر يخرج عن إطار ما ترسمه القيادات الفكرية والميدانية.
– حالة الاحتسابية والتصالحية والتنازلية والتسامحية وانتظار الأجر الأخروي وعدم الاكتراث بالقصاص ولا بالثأريه للدم.
والمتتبع المنصف لمسار التاريخ الإخواني منذ نشأتها على يد مؤسسها الأستاذ/ حسن البنا – رحمه الله – يجد المسار السلمي الإصلاحي التصالحي هو نهج الجماعة وديدنها، وتكتمل الصورة بعد مذبحة رابعة والنهضة والتي تعد الأبشع في تاريخ الإخوان خاصة وتاريخ مصر عامة حيث إن بعد هذه المجزرة والتي شهدها العالم – ولم يحرك ساكنًا – كانت الجماعة ولازالت تحتفظ بسلمية منهجهها ووسائلها رغم فداحة خسائر الجماعة وتنظيمها من قتل لأفرادها واعتقال لقادتها وأبنائها وتشريد ومطاردة مناصريها ومحبيها.
ثم يبقى سؤالي الأخير .. لمصلحة من يتم الدفع وبقوة في اتجاه دعشنة الإخوان؟
والدفع في اتجاه دعشنة الإخوان إنما يخدم أعداء مصر والأمة ولا يخدم الوطن ومستقبله، فالإخوان فصيل وطني قوي ومتماسك وحضوره في نسيج المجتمع راسي، ووجوده فى المعترك السياسي لازم وضروري، وإقصائه يضر بمصر والأمة، بل يعصف بخريطة الإسلام الوسطي في المنطقة والعالم، حيث تعد جماعة الإخوان صمام أمان الأمة من الغلو والتطرف والدعشنة في عصرنا الحديث.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.