ترجمة وتحرير نون بوست
في البداية، حاولت لورين نيكولز تجنب فرضية إصابتها بالعدوى عن طريق إيجاد تفاسير أخرى للأعراض التي تعاني منها. في أوائل شهر آذار/ مارس، شعرت الشابة ذات الصحة الجيدة البالغة من العمر 32 سنة، بحرقة شديدة أشبه بالارتجاع الحمضي عند التنفس. وبسبب الإحراج، لم تتجرأ على طلب الرعاية الطبية في بادئ الأمر. ولكن عندما ظل ضيق التنفس يزداد سوء، أخضعها طبيبها لاختبار فيروس كوفيد ـ19.
كانت نتائج اختبارها إيجابية، ولكن بالنسبة لنيكولز، كانت تلك مجرد البداية. على مدى الأسابيع الثمانية التالية، ظهرت عليها أعراض عديدة ومتنوعة، بما في ذلك التعب الشديد والمزمن والإسهال والغثيان والرجفة والصداع وصعوبة التركيز وفقدان الذاكرة على المدى القصير. قالت نيكولز: “لم تكن الإرشادات التي قدمها مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تتناول بشكل مناسب الأعراض التي كنت أعاني منها، وهو ما يعني بدوره أن المجتمع الطبي لم يكن قادرا على ‘التأكد من صحة’ الأعراض التي أعاني منها. لقد أصبحت أعيش في حالة مستمرة من الشك والارتباك والوحدة”.
في الواقع، إن الأشخاص المصابين بفيروس كوفيدـ19 يمكن أن يكونوا عديمي الأعراض، أو تظهر عليهم هذه الأعراض فقط بعد أيام أو حتى أسابيع بعد الاختبار بنسبة تتراوح بين 5 و80 بالمئة، كما أن العديد منهم سيصابون بشكل خفيف دون أعراض دائمة. لكن نيكولز كانت واحدة من العديد من مرضى كوفيدـ19 الذين يستغرق شفاؤهم وقتا أطول بكثير من أسبوعين، وهي المدة القصوى التي تتوقع منظمة الصحة العالمية أن تمر قبل أن يبدأ الأشخاص الذين يعانون من حالات خفيفة في التحسن. والجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية أفادت بأن أولئك الذين يعانون من حالات خطيرة أو حرجة قد يتماثلون إلى الشفاء خلال مدة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أسابيع.
نظرا لأن فيروس كوفيدـ19 هو مرض جديد، لا توجد دراسات حول مسار تطوره على المدى الطويل بالنسبة لأولئك الذين يعانون من أعراض أكثر حدة. حتى أوائل المرضى في الصين الذين تعافوا من المرض التقطوا العدوى قبل بضعة أشهر فقط. مع ذلك، يقول الأطباء إن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يرتبط بالخلايا البشرية في أجزاء كثيرة من الجسم ويخترق العديد من الأعضاء الرئيسية، بما في ذلك القلب والكلى والدماغ وحتى الأوعية الدموية.
ما زلنا لا نعرف الكثير عن هذا الأمر، ولكن فيما يلي بعض أبرز الآثار المحتملة طويلة المدى التي تظهر بالفعل على بعض مرضى فيروس كوفيد ـ19
في هذا الصدد، يقول جوزيف برينان، أخصائي أمراض القلب في كلية الطب بجامعة ييل: “تكمن الصعوبة في تحديد العواقب على المدى الطويل”. في حين أن بعض المرضى قد يتعافون تماما، فإن برينان وخبراء آخرون قلقون من أن يعاني مرضى آخرون من أضرار طويلة المدى، بما في ذلك التليف الرئوي وتضرر القلب والآثار العصبية والعقلية.
في المقابل، تفترض هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة أن 45 بالمئة من مرضى كوفيدـ19 الذين تطلبت حالتهم دخول المستشفى سيحتاجون إلى رعاية طبية مستمرة، وأربعة بالمئة سيحتاجون إلى إعادة تأهيل داخل المستشفى، وواحد بالمئة سيحتاجون إلى رعاية مكثفة بشكل دائم. كما تشير أدلة أولية أخرى، بالإضافة إلى أبحاث تاريخية عن فيروسات تاجية أخرى مثل متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، إلى أن الشفاء الكلي قد يتطلب سنين بالنسبة لبعض الأشخاص. أما بالنسبة للآخرين، فقد لا يعودون إلى وضعهم الصحي الطبيعي.
ما زلنا لا نعرف الكثير عن هذا الأمر، ولكن فيما يلي بعض أبرز الآثار المحتملة طويلة المدى التي تظهر بالفعل على بعض مرضى فيروس كوفيد ـ19.
التليف الرئوي
قالت ميلاني مونتانو، البالغة من العمر 32 سنة والتي تأكدت إصابتها بفيروس كوفيدـ19 في آذار/ مارس، إنها لا تزال تعاني من أعراض المرض بصفة غير متواصلة بعد مرور أكثر من سبعة أسابيع على إصابتها به، بما في ذلك الشعور بالحرقة في رئتيها والسعال الجاف. من جهته، أوضح برينان أن مثل هذه الأعراض تتجلى لأن “هذا الفيروس يخلق استجابة مناعية شديدة بشكل لا يصدق، لذا تمتلئ الفراغات في الرئتين بالقيح والمخلفات، مما يجعل رئتيك أقل مرونة”.
في فحوصات التصوير الطبقي المحوري، تظهر الرئتان الطبيعيتان باللون الأسود، بينما غالبا ما تحتوي رئة مرضى كوفيدـ19 على بقع رمادية أفتح تسمى “عتامة الزجاج المُصنفر”، والتي قد لا تتعافى.
لا تعود الوظيفة الرئوية إلى حالتها الطبيعية، كما أن قدرتهم على القيام بالأنشطة العادية لا تعود أبدا إلى سابق عهدها
وجدت إحدى الدراسات التي اُجريت في الصين أن عمليات التصوير الطبي كشفت مظاهر الزجاج المصنفر لدى 77 بالمئة من مرضى فيروس كوفيدـ19. وفي دراسة أخرى خارج الصين نُشرت في مجلة “علوم الأشعة”، أظهرت فحوصات التصوير الطبقي المحوري أن 66 من بين 70 مريضا في المستشفى يعانون من نسبة معينة من تلف الرئة، وأن لدى أكثر من نصفهم نوع من الآفات التي من المحتمل أن تتطور إلى تليّف.
تشير دراسة ثالثة من الصين إلى أن هذا الأمر لا يقتصر فقط على المصابين الذين في حالة حرجة، إذ وجد مؤلفوها أنه من بين 58 مريضًا لا تظهر عليهم أعراض، كانت لدى 95 بالمئة منهم أدلة على عتامات الزجاج المُصنفر في الرئتين. كما ظهرت هذه الأعراض على ربع هؤلاء الأشخاص في غضون أيام قليلة.
يقول علي غلامريزانيزاد، أخصائي الأشعة في كلية كيك للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا: “يمكن أن تتسبب هذه التغيرات في الأنسجة في ضرر دائم”. وعلى الرغم من أن الوقت لا يزال مبكرًا لمعرفة ما إذا كان المرضى الذين يعانون من استمرار أعراض الرئة، مثل مونتانو، سيصابون بتلف دائم في الرئة، إلا أنه يمكن للأطباء معرفة المزيد عما يمكن توقعه من إعادة النظر في حالات الأشخاص الذين تعافوا من فيروس سارس وميرس، والفيروسات التاجية الأخرى التي أسفرت عن تغيرات مماثلة في الأنسجة الرئوية.
تابعت إحدى الدراسات الطولية الصغيرة المنشورة في مجلة “نيتشر” 71 شخصًا مصابًا بفيروس سارس من سنة 2003 إلى سنة 2018، ووجدت أن أكثر من الثلث كان لديهم تليف، مما قد يعني انخفاض سعة الرئة. في المقابل، يصعب استخلاص الاستنتاجات من مرض ميرس، بما أن أقل من 2500 شخص أصيب به وتوفي ما بين 30 و40 بالمئة منهم. لكن إحدى الدراسات وجدت أن حوالي ثلث الناجين من فيروس ميرس، والبالغ عددهم 36، أصيبوا أيضا بأضرار في الرئة على المدى الطويل.
قام غلامريزانيزاد مؤخرا بمراجعة أدبية لفيروسيْ سارس وميرس، وقال إنه بالنسبة لهذه المجموعة الفرعية من الأشخاص، “لا تعود الوظيفة الرئوية إلى حالتها الطبيعية، كما أن قدرتهم على القيام بالأنشطة العادية لا تعود أبدا إلى سابق عهدها”. علاوة على ذلك، قد تكون معدلات التلف الناجم عن فيروس كوفيدـ19 أعلى من تلك التي لدى مرضى فيروس سارس وميرس، لأن هذه الأمراض غالبًا ما تهاجم رئة واحدة فقط. ولكن يبدو أن فيروس كوفيدـ19 يؤثر غالبًا على كلتا الرئتين، الأمر الذي يزيد من مخاطر تليف الرئة، حسب غلامريزانيزاد.
يمكن لجلطات الدم أيضًا أن تقطع الدورة الدموية إلى جزء من الرئتين، وهي حالة تعرف باسم الانسداد الرئوي
لقد لاحظ غلامريزانيزاد بالفعل أضرارًا في الرئة لدى مرضى كوفيدـ19 وهو الآن يصمم دراسة لتحديد العوامل التي قد تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لخطر التلف الدائم. ويظن غلامريزانيزاد أن وجود أي نوع من أمراض الرئة الكامنة، مثل الربو، أو حالات صحية أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم، قد يزيد من خطر الإصابة بمشاكل الرئة على المدى الطويل. كما يوضح أنه “كلما تقدمت في السن، ربما زادت فرص إصابتك بالتليف”. أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من تليف الرئة، قد تصبح الأنشطة العادية أكثر صعوبة. في هذا الصدد، بقول برينان: “إن الأشياء الروتينية، مثل صعود الدرج، ستسبب لهؤلاء الأشخاص صعوبة في التنفس”.
السكتة الدماغية والانسداد الرئوي وتخثر الدم
يعاني العديد من مرضى كوفيد-19 المقيمين في المستشفى من معدلات عالية بشكل غير متوقع من الجلطات الدموية، على الأرجح بسبب الاستجابات الالتهابية للعدوى. يمكن أن ينجر عن ذلك انسداد الرئة والسكتات الدماغية والنوبات القلبية ومضاعفات أخرى ذات تأثيرات خطيرة ودائمة.
إن جلطات الدم التي تتشكل في الدماغ أو تصل إليه يمكن أن تسبب سكتة دماغية. على الرغم من أن السكتات الدماغية غالبًا ما تصيب كبار السن، إلا أنه يتم الإبلاغ عن إصابة مرضى الكوفيد-19 الأصغر سنا بالسكتات الدماغية الآن. في ووهان الصينية، أصيب حوالي 5 في المئة من مرضى كوفيد-19 بالمستشفى بالسكتات الدماغية، وتم الإبلاغ عن نمط مماثل مع فيروس سارس.
تكون نسبة الوفيات لدى الشباب الذين يعانون من السكتات الدماغية منخفضة نسبيًا مقارنة بالأشخاص الأكبر سنًا، والعديد منهم يتعافون. لكن الدراسات تظهر أن ما بين 42 و53 بالمئة فقط قادرون على العودة إلى العمل.
يمكن لجلطات الدم أيضًا أن تقطع الدورة الدموية إلى جزء من الرئتين، وهي حالة تعرف باسم الانسداد الرئوي، الذي يمكن أن يكون مميتًا. في فرنسا، تشير دراستان إلى أن ما بين 23 و30 في المئة من الأشخاص المصابين بكوفيد-19 إصابة شديدة يعانون أيضًا من انسداد رئوي.
إن المرض الشديد، خاصة مع انخفاض مستويات الأكسجين، يضع ضغطًا إضافيًا على القلب
وجد أحد التحليلات أنه بعد الانسداد الرئوي، “يتم الإبلاغ عن الأعراض والقصور الوظيفي بشكل متكرر من قبل الناجين”. يشمل ذلك التعب وخفقان القلب وضيق التنفس وصعوبة ملحوظة في ممارسة النشاط البدني وعدم القدرة على ممارسة النشاط البدني بأريحية.
يمكن أن تسبب جلطات الدم مشاكل خطيرة في الأعضاء الرئيسية الأخرى. كان الفشل الكلوي تحديًا شائعًا لدى العديد من المرضى الأكثر تضررا من الكوفيد-19، وكان دم المرضى المتخثر يسد أجهزة غسيل الكلى. قد تكون بعض إصابات الكلى الحادة دائمةً، وتتطلب غسيل الكلى المستمر.
قد تكون الجلطات التي لا تستهدف الأعضاء خطيرة أيضًا. فعلى سبيل المثال، يحدث خثار الأوردة العميقة عندما تتكون جلطة دموية في الوريد وغالبًا في الساقين. نيك كورديرو، ممثل برودواي والممثل التلفزيوني، كان عليه مؤخرا بتر ساقه اليمنى بعد جلطات الدم المرتبطة بكوفيد-19.
يبدو أن تخثر الدم غير الطبيعي يحدث لدى الأشخاص بعد أن بدا أنهم يتعافون. فعلى سبيل المثال، بعد خروجها من المستشفى لمدة أسبوع، توفيت فجأة امرأة تبلغ من العمر 32 عامًا في شيكاغو بساق متورمة بشدة، وهي علامة على تجلط الأوردة العميقة. يروي راندل أيضا، وهو طبيب قلب يبلغ من العمر 49 عامًا من نيو جيرسي، والذي أُعلن أنه يمكنه العودة إلى العمل عقب تعافيه من كوفيد-19، إصابته بصداع شديد أكدت الأشعة المقطعية أن سببه جلطة دماغية.
رغم نقص البيانات، وجدت إحدى الدراسات أن قرابة 31 بالمئة من مرضى وحدة العناية المركزة المصابين بعدوى كوفيد-19 يعانون من مشاكل تخثر الدم. في غضون ذلك، أصدرت الجمعية الدولية المعنية بتخثر وتجلط الدم مبادئ توجيهية تفيد بأن مرضى كوفيد-19 الذين تعافوا يجب أن يستمروا في تناول مضادات التخثر حتى بعد خروجهم من المستشفى.
تعافت طبيبة في الأمراض الرئوية الحرجة في مستشفى ماونت سيناي في مدينة نيويورك من كوفيد-19، لكنها علمت بعد ذلك أنها قد طورت اعتلال عضلة القلب
فشل القلب
إن المرض الشديد، خاصة مع انخفاض مستويات الأكسجين، يضع ضغطًا إضافيًا على القلب. لكن الأطباء يعتقدون الآن أنه بالنسبة لمرضى كوفيد-19، يمكن للجسيمات الفيروسية أن تسبب التهابا في عضلة القلب على وجه الخصوص.
يقول ميتشل إلكيند، رئيس جمعية القلب الأمريكية وأستاذ علم الأعصاب وعلم الأوبئة في جامعة كولومبيا: “لاحظ الأطباء في الصين أن بعض الأشخاص الذين يأتون إلينا يعانون من آلام في الصدر. لقد أصيبوا بنوبة قلبية، ثم ظهرت عليهم أعراض مرض كوفيد-19 أو ثبتت إصابتهم بعد ذلك”.
وجدت دراسة من ووهان في كانون الثاني/ يناير أن 12 في المئة من مرضى الفيروس المستجد لديهم علامات تلف في القلب والأوعية الدموية. كان لدى هؤلاء المرضى مستويات أعلى من التروبونين، وهو بروتين يطلق في الدم بواسطة عضلة قلب مصابة. منذ ذلك الحين، تشير تقارير أخرى إلى أن الفيروس قد يتسبب بشكل مباشر في التهاب عضلة القلب الحاد وفشل القلب. (كما لوحظ فشل القلب مع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية ومن المعروف أنه مرتبط حتى بالإنفلونزا الموسمية.)
في آذار/ مارس، وجدت دراسة أخرى شملت 416 مريضا في المستشفيات مصابين بكوفيد-19 أن 19 بالمئة كانت لديهم علامات تلف القلب. يحذر باحثو مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس من أن الفيروس قد يتسبب في تلف القلب المستمر للذين تماثلوا للشفاء منه، بالإضافة إلى جعل مشاكل القلب والأوعية الدموية الحالية أسوأ، مما يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية.
فعلى سبيل المثال، تعافت طبيبة في الأمراض الرئوية الحرجة في مستشفى ماونت سيناي في مدينة نيويورك من كوفيد-19، لكنها علمت بعد ذلك أنها قد طورت اعتلال عضلة القلب، وهي حالة يعاني فيها قلبك من صعوبة في نقل الدم حول جسمك. على الرغم من أنها كانت في السابق بصحة جيدة، عندما عادت إلى العمل، قالت لأن بي سي: “لم أتمكن من الجري كما أفعل دائمًا”.
قد تختلف العواقب المحددة اعتمادًا على كيفية إصابة القلب. فقد ارتبط كوفيد-19 بالتهاب عضلة القلب، وهي حالة يضعف فيها الالتهاب القلب، وتخلق أنسجة متليفة، وتجعلها تعمل بجهد أكبر لإيصال الأكسجين لكامل الجسم. توصي مؤسسة عضلة القلب هؤلاء المرضى بتجنب السجائر والكحول، والابتعاد عن ممارسة الأنشطة الرياضة المكثفة حتى يوافق عليها طبيبهم.
إذا نظرنا إلى فيروس سارس وميرس، يبدو أن مرضى كوفيد-19 قد يكون لديهم تأخير طفيف في ظهور التأثيرات العصبية
تأثيراته الأعصاب والصحة العقلية
يبدو أن كوفيد-19 يؤثر أيضًا على الجهاز العصبي المركزي، مع عواقب محتملة طويلة الأمد. تُبين إحدى الدراسات من الصين أن أكثر من ثلث 214 شخصًا مصاب كوفيد-19 وتم إدخالهم إلى المستشفى لديهم أعراض عصبية، بما في ذلك الدوخة والصداع وضعف الوعي والرؤية وضعف الذوق/ الشم وآلام الأعصاب أثناء المرض.
كانت هذه الأعراض أكثر شيوعًا بين المرضى الذين وضعهم حرج، حيث زاد معدل الإصابة بها إلى 46.5 في المئة. وجدت دراسة أخرى في فرنسا خصائص عصبية لدى 58 من أصل 64 مريضًا يعانون من كوفيد-19. مع استمرار الوباء، تقول إلكيند، “نحن بحاجة إلى أن نكون منتبهين للمشكلات المعرفية العصبية طويلة المدى”.
إذا نظرنا إلى فيروس سارس وميرس، يبدو أن مرضى كوفيد-19 قد يكون لديهم تأخير طفيف في ظهور التأثيرات العصبية. كتب أندرو جوزيفسون، وهو طبيب في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية أنه: “على الرغم من أن وباء سارس قد اقتصر على حوالي ثمانية آلاف مريض في جميع أنحاء العالم، فقد كانت هناك بعض التقارير المحدودة عن المضاعفات العصبية للسارس التي ظهرت لدى المرضى في الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع من المرض”. وشملت هذه المضاعفات ضعف العضلات وحرق أو وخز وخدر وتحلل أنسجة العضلات في الدم. بالنسبة لمرضى متلازمة الشرق الأوسط التنفسية على إصابات عصبية، فقد لوحط أن لديهم ضعفا في التوازن والتنسيق والارتباك إلى جانب الغيبوبة.
يمكن أن تتضمن مضاعفات فيروس كوفيد-19 على المدى الطويل، سواء كان سببها الفيروس نفسه أو الالتهاب الذي يسببه – نقص الانتباه والتركيز وضعف الذاكرة، بالإضافة إلى خلل في الأعصاب المحيطية، وهي وفقا لإلكيند “تلك الأعصاب التي تربط الدماغ بذراعيك وساقيك وأصابع اليدين والقدمين”.
هناك انعكاسات معرفية أخرى بالنسبة للأشخاص الذين يتلقون العلاج المكثف في المستشفيات. فعلى سبيل المثال، يؤثر الهذيان – وهو حالة اضطراب عقلي شديدة يمكن أن تؤدي إلى الارتباك ورؤية أو سماع أشياء غير موجودة – على حوالي ثلثي المرضى في وحدات العناية المركزة، وتقترح الأبحاث أن الهذيان أثناء الإصابة بمرض شديد يتنبأ بتدهور معرفي طويل المدى في المستقبل.
غالبًا ما ارتفعت معدلات الاكتئاب والقلق لدى المتعافين من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة
بشكل عام، يمكن أن توفر البحوث السابقة حول متلازمة الضائقة التنفسية الحادة أدلة على المشاكل العصبية التي يمكن للمصابين بفيروس كوفيد-19 ذوي الحالات الحرجة أن يشهدوها بعد مغادرة المستشفى. تظهر الأبحاث أن واحدًا من كل خمسة متعافين من فيروس سارس يعانون من اختلال معرفي طويل الأمد حتى بعد خمس سنوات من خروجهم من المستشفى. يمكن أن تشمل الإعاقات المستمرة مشاكل في الذاكرة قصيرة الأجل وصعوبة في التعلم والتحكم المعرفي. ويمكن أن يتسبب ذلك في مواجهة الشخص لتحديات مثل صعوبة العمل أو عدم التمكن من إدارة الأموال بشكل صحيح أو صعوبة أداء المهام اليومية.
غالبًا ما ارتفعت معدلات الاكتئاب والقلق لدى المتعافين من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، ويعاني العديد منهم من إجهاد ما بعد الصدمة. وعلى الرغم من أنه لا يزال الوقت مبكرا للغاية للحصول على الكثير من البيانات حول كوفيد-19، إلا أن مرضى المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة السابقين عانوا من ضيق التنفس والإجهاد لمدة سنة على الأقل بعد تفشي المرض. حيال هذا الشأن، تقول نيكولز عن معركتها مع كوفيد-19: “لقد شعرت بأنني مسجونة داخل جسدي ومنزلي، وتجاهلني الناس بشكل كبير وأساءوا فهمي، حتى المقربين مني. أشعر بالوحدة بشكل لا يصدق”.
أصيبت جين، التي تفضل استخدام اسم مستعار لأنها تخشى تلقي عقاب في المستشفى حيث تعمل، بفيروس كوفيد-19 منذ أكثر من شهر، وهي لا تزال تعاني إلى حد الآن من الحمى ومشاكل القلب والمشاكل العصبية. ولكن وفقا لها، يتمثل الجزء الأكثر صعوبة في أنها سئمت من “معاملة الناس لها وكأنها قنبلة لا يعرف أحد كيفية إبطال مفعولها”.
تقول جين، وهي ممرضة كانت تعتني بمرضى الإيدز خلال التسعينيات، “هذا بالضبط ما مر به هؤلاء الأشخاص. هناك وصمة عار فظيعة”. بالإضافة إلى وصمة العار، زاد عدم يقين جين من ثقل العبء الملقى على صحتها العقلية. حيال هذا الشأن، تقول: “يحتاج الناس إلى معرفة أن هذا المرض قادر على الاستمرار وتدمير حياتك وصحتك، ولا أحد يعرف كيفية علاجنا”.
لازلنا في بداية المشوار لاكتشاف ما يمكن أن تفعله هذه العدوى المعقدة لأجهزة الجسم العضوية الأخرى، وقدرتها على التعافي منها.
الالتهاب لدى الأطفال، والعقم عند الذكور، وغير ذلك من الآثار الدائمة المحتملة
يواصل فيروس كورونا المستجد إحباط العلماء والمرضى على حد سواء بسبب ألغازه. ويتمثل أحد هذه الألغاز في ظهور أعراض غريبة لعدد صغير ولكن متزايد من الأطفال الذين زاروا مؤخرًا مكاتب الأطباء في بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، بما في ذلك الطفح الجلدي والحمى المرتفعة والتهاب القلب.
في الرابع من أيار/ مايو، لاحظت وزارة الصحة في مدينة نيويورك أن ما لا يقل عن 15 طفلًا من الذين يعانون من هذه الأعراض نُقلوا إلى المستشفى هناك أيضًا. والواقع أن هذه الحالات تظهر كرد فعل مناعي شديد يسمى داء كاواساكي، حيث يمكن أن تبدأ الأوعية الدموية في التوسع، وتتراكم السوائل في الرئتين والأعضاء الرئيسية الأخرى. على الرغم من أنه لم تثبت سوى إصابة بعض هؤلاء الأطفال بكوفيد-19، إلا أن رئيس الكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل، راسل فينر أخبر صحيفة “نيويورك تايمز” بأن “الفرضية المعقولة هي أن هذه الحالة مرتبطة بكوفيد-19”.
يمكن أن يعاني الأطفال الذين نجوا من حالات تشبه داء كاواساكي من مضاعفات عضلة القلب والأوعية الدموية في مرحلة البلوغ. لكن لا يزال الوقت مبكرا على معرفة كيف ستتطور الحالات المتعلقة بفيروس كورونا. تجدر الإشارة إلى أنه يبدو أن الكثير من الحالات القليلة المبلغ عنها يستجيبون بشكل جيد للعلاج.
يقترح باحثون آخرون أن كوفيد-19 قد يطرح مشاكل خاصة للرجال، تتجاوز معدلات وفاتهم المفرطة الناجمة عن المرض. فقد أوضح علي رابع في رسالة أخيرة إلى صحيفة “ذا وورلد جورنال أوف يورولوجي” أن الخصيتين تحتويان على عدد كبير من مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2، و”هناك احتمال نظري بأن كوفيد-19 قادر على التسبب في العقم عند الرجال”.
وجدت دراسة أخرى فحصت 38 مريضًا عانوا من حالة حرجة من كوفيد-19 في الصين أنه خلال مرضهم كان 15 منهم يحملون الحمض النووي الريبوزي للفيروس في عينات السائل المنوي، بالإضافة إلى اثنين من 23 مريضًا تعافوا. (لا يشير وجود الحمض النووي الريبوزي الفيروسي بالضرورة إلى القدرة على نشر العدوى).
تظهر كل هذه البحوث الأولية أننا مازلنا في بداية فهم تأثيرات فيروس كوفيدـ19 للعدد المتزايد من الناجين منه، وخاصة فيما يتعلق بالأعراض التي قد يتوقعونها
كما أظهرت دراسة حديثة أخرى أنه من بين 81 رجلاً مصابين بكوفيد-19، كانت نسب الهرمونات الذكورية منخفضة، مما قد يشير إلى مشاكل في الخصوبة. لذلك دعا مؤلفو الدراسة إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لهذه المسألة، ولا سيما “الرجال في سن الإنجاب”. من جهة أخرى، ذكر مقال نُشر في مجلة “نيتشر” في 20 نيسان/ أبريل أنه “بعد التعافي من كوفيد-19، يجب على الشباب الراغبين في إنجاب الأطفال الحصول على استشارة بشأن خصوبتهم”.
لازلنا في بداية المشوار لاكتشاف ما يمكن أن تفعله هذه العدوى المعقدة لأجهزة الجسم العضوية الأخرى، وقدرتها على التعافي منها. فعلى سبيل المثال، فحصت وثيقة حديثة سبق طبعها لأطباء صينيين دماء 34 متعاف من كوفيد-19. وعلى الرغم من أن الباحثين لاحظوا فرقا بين الحالات الشديدة والمعتدلة، إلا أنهم وجدوا أنه بغض النظر عن شدة المرض، فإن العديد من المقاييس البيولوجية لدى المرضى الذين شُفيوا بعد خروجهم من المستشفى،”فشلت في العودة إلى وضعها الطبيعي”. وتضم أبرز هذه المقاييس اضطراب وظائف الكبد المستمر.
ماذا يعني كل هذا بالنسبة للناجين والباحثين
تظهر كل هذه البحوث الأولية أننا مازلنا في بداية فهم تأثيرات فيروس كوفيدـ19 للعدد المتزايد من الناجين منه، وخاصة فيما يتعلق بالأعراض التي قد يتوقعونها والوقت الذي يستغرقهم للعودة إلى حالتهم الصحية الطبيعية والاحتياطات التي قد يحتاجون إلى اتخاذها.
في الحقيقة، إن العديد من الناس لا يتلقون معلومات كافية حول الوقت المناسب لإنهاء العزلة الذاتية. في هذا الصدد، أفادت نيكولز والناجون الآخرون بأنهم يشعرون بتحسن يوما، ثم يعودون إلى معاناتهم في اليوم التالي. وفي خضم حالة الفوضى التي خلقها فيروس كوفيدـ19 في الأنظمة الطبية، يقول الناجون إنه من الصعب أن تحظى صراعاتهم المستمرة بانتباه أعوان الصحة. وصرحت نيكولز: “لا يوجد دعم ووعي كافيان. نحن نعيش في دوامة من الأعراض، حيث أن كل يوم جديد يخبئ لنا الكثير من الأشياء المجهولة. فقد أكون في حالة صحية أفضل في أحد الأيام، ولكن قد أشعر بالعجز والألم في اليوم التالي”.
المصدر: فوكس