يعد الاقتصاد العراقي من أكثر الاقتصادات العالمية التي تعتمد على النفط في موازنته العامة بنسبة تصل إلى 93%، وفي ظل انهيار أسعار النفط إلى ما دون 27 دولارًا للخام النفطي العراقي وفق موقع oil price نتيجة تفشي جائحة كورونا وإغلاق معظم دول العالم اقتصاداتها، بات الاقتصاد العراقي رهينة الطلب العالمي على النفط الذي يبدو أنه لن يتعافى قريبًا.
الأسطر التالية لـ”نون بوست” تقرأ في خيارات العراق وحكومته الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي لتجنب الانهيار الاقتصادي الذي يحذر منه الكثير من الخبراء ويكاد يكون وشيكًا.
صعوبات كبيرة
رغم موزانات العراق الانفجارية على مدى الأعوام الـ17 الماضية، لم تفلح الحكومات العراقية في بناء اقتصاد متنوع ومتعدد للبلاد، إذ لا يزال العراق يعتمد على النفط مصدرًا رئيسيًا ووحيدًا في موازناته السنوية.
تقول صحيفة “إلبوست” الإيطالية في تقرير لها إنه في الأشهر الأخيرة، انخفضت أسعار النفط بشكل كبير بسبب الإغلاق العالمي الذي أعقب تفشي فيروس كورونا المستجد، وتضيف الصحيفة أنه ونتيجة لاعتماد العراق على النفط في رفد موازنته، فإن الحكومة تبدو عاجزة عن دفع أجور الموظفين والمتقاعدين.
ويشير تقرير حديث لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه ومع ازدياد التوقعات المالية سوءًا يومًا بعد يوم، تدرس الحكومة العراقية والبرلمان إمكانية اقتطاع جزء غير محدد من الرواتب العامة التي وصفتها الوكالة بـ”الضخمة”، في خطوة ستلقى رفضًا شعبيًا وقد تجدّد موجة الاحتجاجات مع تولي حكومة الكاظمي مهامها.
وبحسب الوكالة، فإنه يُتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 9.7% العام الحاليّ، ما قد يضاعف معدلات الفقر بحسب توقعات البنك الدولي، الأمر الذي سيؤدي بالعراق إلى أن يشهد أسوأ أداء اقتصادي سنوي منذ الغزو الأمريكي عام 2003.
بلغت إيرادات العراق من النفط الشهر الماضي 1.4 مليار دولار فقط، بما معناه أقل من ثلث مبلغ الـ4.5 مليار دولار التي تحتاجها البلاد شهريًا لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام والتعويضات والتكاليف الحكومية.
أما عن الحلول المقترحة، فتؤكد الوكالة وفق حديثها مع مسؤول عراقي أن تخفيضات الرواتب التي تدرس الآن تشمل خفض مخصصات الموظفين العامين الرفيعي المستوى بأكثر من النصف، فضلًا عن نصف مخصصات الموظفين من ذوي الدرجات المتوسطة و30% من مخصصات الموظفين ذوي الدرجات الوظيفية الدنيا.
كما تضيف الوكالة أن الإجراءات المالية ستشمل تجميد التوظيف والترقية الوظيفية، فضلًا عن خفض الإنفاق العسكري ووقف صيانة المباني الحكومية لتوفير المزيد من الأموال، وتختتم الوكالة تقريرها بالإشارة إلى احتمالية إقدام الحكومة على طبع العملة محليًا لدفع الرواتب، ما سيجبر البنك المركزي العراقي على استخدام احتياطاته النقدية الأجنبية البالغة 60 مليار دولار لدعم سعر صرف الدينار في مقابل الدولار في الأسواق المحلية.
حلول مقترحة
يشير بعض الخبراء إلى حلول طارئة للتقليل من آثار الأزمة الاقتصادية المالية التي يشهدها العراق منذ أشهر، إذ يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن المشهداني إن العراق شهد 4 أزمات مالية خلال العقدين الماضيين وجميعها مرتبطة بانخفاض أسعار النفط، الأمر الذي يستدعي مجموعة من الخيارات لمواجهة الأزمة الحاليّة.
ويكشف المشهداني أن أمام الحكومة العراقية عدة خيارات من بينها الموازنة التقشفية، إذ إن موازنة 2020 لم تناقش حتى الآن في مجلس الوزراء ولم ترسل إلى البرلمان، وبالتالي يجب أن يعاد النظر في مسودة تلك الموازنة بعد مرور نصف العام المالي الحاليّ، إذ لا بد من إعادة صياغتها وفق المعطيات الجديدة وانهيار أسعار النفط وانخفاض الإيرادات والأزمة الاقتصادية العالمية وجائحة كورونا، معتقدًا أن المتبقي من عمر الموازنة لا بد أن يقتصر على تأمين الرواتب والأجور ومخصصات الصحة ويتم معه تقليص النفقات وإلغاء الموازنة الاستثمارية المعمول بها في جميع الموازنات السابقة.
ويضيف المشهداني أن لغة الأرقام تتحدث عن أن قراءات الوضع المالي الحاليّ والقادم تبين أن ما يتأتى من إيرادات النفط حال وصوله واستقرار سعر البرميل عند 30 دولارًا، الذي يقارب 25 مليار دولار سنويًا، بجانب اقتراض الحكومة الحاليّة 20 مليار دولار من البنك المركزي ومن المؤسسات المصرفية التجارية، إلى جانب المتبقي من موازنتي 2018 و2019، فإن تلك الموارد ستساعد الحكومة وستكون كافية لتسيير أمور البلاد إلى العام القادم، مع الإشارة إلى وجوب التفاوض بشأن الدين الداخلي والخارجي ومستحقات الشركات النفطية.
ويشير الخبير الاقتصادي قاسم العبيدي في حديثه لـ”نون بوست” إلى أنه ومع تزايد العجز المالي للحكومة العراقية كل شهر، فإن أي إجراءات ستتخذها الحكومة لمعالجة الأزمة ستكون متأخرة جدًا ومؤلمة للعراقيين.
وأضاف العبيدي أن الاقتراض الداخلي للحكومة قد يكون صعبًا للغاية، خاصة أن المديونية الداخلية للعراق تبلغ 35 مليار دولار، وبالتالي لم يعد باستطاعة المؤسسات المصرفية العامة والخاصة أن تقرض الحكومة مبالغ قد تصل إلى 20 مليار دولار أخرى.
مؤكدًا أن الحكومة السابقة لعادل عبد المهدي كبلت الاقتصاد العراقي من خلال إضافة نصف مليون موظف للقطاع العام، في خطوة جاءت لاحتواء التظاهرات الشعبية الواسعة التي انطلقت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبالتالي فإن تأمين رواتب الموظفين بات يؤرق الحكومة خشية اندلاع تظاهرات شعبية جديدة تكون نواتها شريحة الموظفين الذين يبلغ عددهم نحو 4.5 مليون موظف بما في ذلك العقود المؤقتة في مختلف الوزارات.
وعن الحلول الممكنة لاستدامة الوضع الاقتصادي وعدم انهياره كليًا، يرى العبيدي أن لا حل أمام الحكومة إلا في السيطرة على الاقتصاد الداخلي وتفعيل القوانين الاقتصادية التي أُقرت عام 2010 وهي التعرفة الجمركية وعدم الإغراق السلعي وغيرها، فهذه القوانين حال تفعيلها، ستوفر على العراق مليارات الدولارات التي يستنزفها الاستيراد المفرط، بما قد يؤدي إلى توفير فرص عمل كبيرة في مجال الصناعة والزراعة وصناعة التحويلات.
هي خيارات صعبة أمام العراق خلال الأشهر القادمة، وأي حل بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية قد تصطدم بمصالح الأحزاب والفصائل المسلحة.