ترجمة وتحرير نون بوست
في الشهر الماضي بينما كان غالبية السودانيين يركزون على ارتفاع أعداد حالات فيروس كورونا مع إعلان الاستعداد لإغلاق كامل في الخرطوم، تسلل المتظاهرون أنصار الرئيس المخلوع عمر البشير إلى الساحة أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة.
كانت المسيرة – التي طالبت الجيش بالتدخل لعزل الحكومة المدنية – هي المرة الأولى التي يصل فيها المتظاهرون لمنطقة القيادة المركزية للجيش منذ يونيو الماضي عندما تم تفريق الاعتصام بشكل دموي.
أظهر مقطع فيديو انتشر بشكل واسع في السوادن أحد أنصار البشير وهو يتحدث مع جنرال في الجيش كان يحاول تفريق المتظاهرين أمام مقر الجيش قائلًا له: “لم أخبرتونا أن نأتي رغم أنكم لن تستقبلوننا”.
بالإضافة إلى التقارير التي تقول بإحباط الجيش لانقلاب عسكري في الشهر نفسه، تنامى انعدام الثقة بين العسكريين والمدنيين الذين يتشاركون السلطة في أثناء فترة الحكم الانتقالية للبلاد، يخشى بعض المدنيين من محاولة بعض فصائل الجيش تكرار نفس السيناريو الذي أطاح بالبشير في أبريل العام الماضي عندما خلع الجيش الرئيس السابق بعد اعتصام مئات آلاف المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية أمام نفس مقر الجيش.
خلايا نائمة
من المقرر أن يحكم مجلس السيادة السوداني – الذي بدأ يحكم البلاد في أغسطس ويضم 5 عسكريين و6 ممثلين مدنيين – البلاد حتى انتخابات نوفمبر 2022، واعترف الفريق عبد الفتاح البرهان – رئيس الجيش والرئيس الحاليّ لمجلس السيادة – بتسلل بعض عناصر حكومة البشير للجيش.
شدد العقيد عامر محمد الحسن على التزام الجيش الكامل بحماية التحول الديمقراطي ودعم الفترة الانتقالية في البلاد
قال المجلس الانتقالي العسكري برئاسة البرهان الذي حكم من أبريل 2019 حتى أغسطس، إنه أحبط عددًا من الانقلابات العسكرية التي خططت لها عناصر للحزب الحاكم في الجيش، ومع ذلك ففي مقابلة تليفزيونية الشهر الماضي قال البرهان إن الجيش لن يكرر سيناريو مصر في 2013 ويستولي على السلطة بالقوة.
وأضاف البرهان: “تمتلك العديد من الأحزاب السياسية خلايا نائمة في الجيش الوطني وهذا هو السبب في العديد من الانقلابات العسكرية في الماضي، إن تسييس الجيش سيؤدي إلى عواقب سلبية، لذا نحن نناشد جميع الأحزاب السياسية بالابتعاد عن الجيش”.
في الوقت نفسه ندد العقيد عامر محمد الحسن – المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني – بتقارير الانقلاب المخطط، وشدد على التزام الجيش الكامل بحماية التحول الديمقراطي ودعم الفترة الانتقالية في البلاد، قال الحسن إن الجيش جزء من الثورة التي حدثت العام الماضي وانتهت بخلع البشير وحكومته لذا فهو يرغب في حماية تلك الإنجازات.
وأضاف: “الجيش الوطني مثل بقية المؤسسات جزء من القوى الثورية ويرغب بشدة في مواصلة الفترة الانتقالية حتى تنتهي بانتخابات عامة بعد فترة الانتداب (39 شهرًا) الممنوحة للحكومة الانتقالية بما فيها الجيش”.
غضب الحاكم
في الوقت نفسه وردت أنباء عن توترات بين السلطات المدنية والجيش بشأن إجراءات الإغلاق المفروضة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، ففي الشهر الماضي عزل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك العقيد أحمد عبدون حمد حاكم ولاية الخرطوم بعد أن رفض إلغاء صلوات الجماعة في العاصمة الخرطوم.
أكد فيصل محمد صالح وزير المعلومات والمتحدث الرسمي باسم الحكومة وجود خلاف بشأن منع صلاة الجماعة، لكنه قال إن بعض وسائل الإعلام ضخمت الأمر، وقال إن حمد اشتكى من قرار حمدوك بفصله دون إخطار سابق، لكن القرار اتُخذ بالتنسيق بين حمدوك والبرهان، لكن الأمر لا يتعلق بانقلاب عسكري أو انشقاق داخل الجيش.
هناك انعدام ثقة بين كلا الجانبين بسبب الانتهاكات التي وقعت في أثناء حكم الجيش المباشر بعد عزل البشير بما في ذلك التفريق العنيف للاعتصام أمام مقر الجيش في 3 من يونيو
وأضاف صالح: “قرار عزل حاكم الخرطوم بسبب مقاومته لحظر صلاة الجماعة كجزء من إجراءات مكافحة فيروس كورورنا تم بسلاسة بالتنسيق بين حمدوك والبرهان، لكن الحاكم شكا بأنه رأى خبر عزله في وسائل الإعلام لأول مرة دون إخطار مسبق، لكن الأمر تم تسويته مع الحاكم وانتهت المشكلة في وقت قصير”.
وكلاء النظام القديم
أكد عضو بارز في قوى الحرية والتغيير – الائتلاف الحاكم لأحزاب المعارضة” – أن الشراكة السياسية بين الجيش والمدنيين تسير على ما يرام، واتهم وكلاء الحزب الحاكم السابق للبشير بإثارة شائعات وقوع انقلاب لإفساد العلاقات بين الجيش والمدنيين.
قال المصدر الذي رفض كشف اسمه أن هناك انعدام ثقة بين كلا الجانبين بسبب الانتهاكات التي وقعت في أثناء حكم الجيش المباشر بعد عزل البشير بما في ذلك التفريق العنيف للاعتصام أمام مقر الجيش في 3 من يونيو.
ومع ذلك ستحقق لجنة تحقيق مستقلة في المذبحة التي قُتل بها عشرات المتظاهرين وستعلن النتائج، وأضاف: “يرغب وكلاء النظام السابق في إخفاء فضائح الفساد التي تم كشفها مؤخرًا بعد تفكيك مؤسساتهم المالية والكيانات القوية الأخرى، وذلك بإثارة الشائعات والدعايا الكاذبة”.
معارضة أكثر خبرة
من الناحية التاريخية، تم تقويض محاولة تأسيس سودان ديموقراطي من خلال انقلابات عسكرية، مما يثير تساؤلات عن التزام الأحزاب السياسية وكذلك تدخل الجيش في الحياة السياسية، فقد انتهت الانتفاضة الشعبية في أكتوبر 1964 بانقلاب الجنرال جعفر نميري عام 1969، كما أطيح بالنميري نفسه في انقلاب عسكري عام 1985، بينما وصل البشير للسلطة بعد 4 سنوات عن طريق انقلاب عسكري مدعوم من الإسلاميين السودانيين.
اكتسبت الحركة الشعبية السودانية خبرةً واسعةً مؤخرًا من خلال الإضراب العام والعصيان وغيرهم من أشكال النضال التي أجبرت الجيش على توقيع اتفاقية لتشكيل حكومة انتقالية
في مقال نشرته مجلة “Le Monde Diplomatique” بداية هذا الشهر، قال البروفيسور جلبير الأشقر إن تكرار استيلاء الجيش على السلطة السياسية أمر صعب نظرًا لقوة الحركة الشعبية في السودان.
قال الأشقر أستاذ الدراسات التنموية والعلاقات الدولية بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن: “الموجة الثانية من الربيع العربي في السودان والجزائر تعلمت من التجربة المصرية”، ويعتقد البروفيسور أن الثورات السودانية والجزائرية أكثر حصانة ضد التدخل العسكري في السياسية عن الموجة الأولى للربيع العربي عام 2011.
وأضاف: “يعلم الجزائريون والسودانيون جيدًا أن الإشراف العسكري على الحكومة هو حجر زاوية النظام الذي يرغب الشعب في إسقاطه، يعد الجيش مؤسسة سياسية أساسية في مصر والسودان والجزائر، ومن الواضح أن التغييرات عالية المستوى في الدولة المصرية عام 2011 لم تغير أسس النظام، لذا عادت الديكتاتورية بانتقام بعد 3 سنوات”.
هذا الأمر جعل الحركات الشعبية في الجزائر والسودان حذرة، فقد واصلوا الاحتجاج بقوة بعد عزل رؤسائهم، مطالبين بحكومة مدنية ذات سلطات تنفيذية كاملة، يعتقد الأشقر أنه ستحدث مواجهات واسعة إذا حاول الجيش الاستيلاء على السلطة في السودان.
يقول الأشقر: “رغم أن الوضع لا يمكن التنبوء به، فإن الحركة الشعبية السودانية اكتسبت خبرةً واسعةً مؤخرًا من خلال الإضراب العام والعصيان وغيرهم من أشكال النضال التي أجبرت الجيش على توقيع اتفاقية لتشكيل حكومة انتقالية، وهذه الأدوات ما زالت متاحة لاستخدامها إذا رغب الجيش في الاستيلاء على السلطة بنفسه”.
المصدر: ميدل إيست آي