على مدار سنوات طويلة، كان الناس ينتظرون في شهر رمضان من كل عام، برنامج “الكاميرا الخفية” الذي يُعتبر واحدًا من أطول البرامج التليفزونية العربية وأكثرها شعبية، وكان يقدمه الفنان المصري إبراهيم نصر الذي رحل عن عالمنا أمس.
نعى الفنانون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي الفنان إبراهيم نصر، بعبارات لا تخلو من الشكر والحنين إلى ذكريات الماضي، ووصفوه بأنه “صانع الضحكة الحقيقية والبسيطة الراقية”، فمن منا لا يتذكر مقالب “زكية زكريا” أو “غباشي النقراشي” الخفيفة والمُضحكة؟
من هو إبراهيم نصر؟
ولد الفنان إبراهيم نصر في مدينة القاهرة عام 1950، لعائلة صعيدية مسيحية، وقد ظهرت موهبته الفنية في التقليد منذ العاشرة من عمره، حيث أصبح بالتدريج ممثل الكوميديا الخاص بالعائلة، كما أنه بدأ بتنمية موهبته عندما ترأس فرقة التمثيل في مدرسته، ثم حصل على ليسانس الآداب عام 1972، وترأس فرقة التمثيل في جامعته أيضًا وحصل على العديد من الجوائز حينها.
بدأ نصر حياته الفنية كمنولوجست (مُضحك)، يقلّد النجوم، وكذلك اشترك في تقديم برامج للأطفال، ولكن بدايته الحقيقية كانت عندما طلب منه الشاعر والمؤلف بخيت بيومي الذهاب معه إلى التليفزيون لكي يلعب دورًا دراميًا في إحدى حلقات برنامج “عزيزي المشاهد” الذي قدمته الإعلامية الراحلة أماني ناشد، ليضع نصر بصمته سريعًا.
وفي منتصف السبعينيات، قدم نصر العديد من الأدوار المساعدة في السينما والتليفزيون، حيث عمل مع كبار النجوم مثل فاتن حمامة في فيلم “لا عزاء للسيدات” وعادل إمام في فيلم “شمس الزناتي” وأحمد زكي في فيلم “الاحتياط واجب”، وشارك في العديد من المسلسلات الأخرى مثل: “حكاية لها العجب – قلوب خضراء – الزمن المر – على باب زويلة – مارد الجبل – رأفت الهجان – غباشى بتاع – هيمة شو – زوبة سات”.
تغير مسار إبراهيم نصر الفني عام 1991، عندما عرض عليه الإعلامي المصري عبد المنعم غالي إعداد برنامج كوميدي
ومع بداية الثمانينيات بدأ الراحل بمرحلة فنية جديدة، حيث بدأ يُطلب منه المشاركة للعب أدوار في المسرح الذي أكسبه قاعدة جماهيرية كبيرة أهلته للدخول في المرحلة التالية بمسيرته، وهي برامج الكاميرا الخفية التي أصبح أيقونتها، ومن المسرحيات التي شارك بها نصر: “عطشان يا صبايا – إحنا جدعان أوي – مصر بلدنا – نوار الخير – بسمة – عائلة عصرية جدًا – مطلوب مجرمين فورًا – زكية زكريا والعصابة المفترية”.
لكن من الجدير ذكره، أنه وعلى الرغم من مسيرته الطويلة في عالم الفن، لم يقدم دور البطولة في أعماله الدرامية سوى مرتين، الأولى عام 1989 في فيلم “أحلام العبيط” والثانية “زكية زكريا في البرلمان” إنتاج عام 2001 استثمارًا في نجاح شخصية زكية زكريا ببرامج الكاميرا الخفية.
إبراهيم نصر.. موهبة فنية غير مكتشفة
لا شك أن الجمهور يتذكر أعمال إبراهيم نصر في الكاميرا الخفية وأنه شخصية كوميدية، ولكنه أدى دورًا مختلفًا عما يألفه الجمهور في فيلم “إكس لارج” مع الفنان أحمد حلمي عام 2011، ووصف النقاد دوره بأنه من أفضل أدواره، بل علامة فارقة في تاريخه.
استعاد نصر بهذا الدور شعبية كبيرة، وأدى بعده دورين صغيرين في “الكهف” و”فوق السحاب” عام 2018، كما أنه شارك في بطولة فيلم “صاحب المقام” مع الفنانة يسرا هذا العام، وكان ينتظر موعد عرضه بالسينمات إلا أن أزمة فيروس كورونا المستجد تسببت في غلق السينمات وتأجيل جميع الأفلام التي كان من المفترض أن تطرح في موسم عيد الفطر.
وبخصوص موهبته التمثيلية، يرى الناقد السينمائي المصري المعروف طارق الشناوي أن: “الفنان الراحل إبراهيم نصر طاقة إبداعية لم يتم استغلالها وتقديمها بالمكانة اللائقة بها، ولم يحصل على المساحة التي يستحقها”.
إبراهيم نصر.. رائد الكاميرا الخفية العربية
تغير مسار إبراهيم نصر الفني عام 1991، عندما عرض عليه الإعلامي المصري عبد المنعم غالي إعداد برنامج كوميدي، ولكن نصر قدم له فكرة لبرنامج “الكاميرا الخفية”، حيث كانت الفكرة جديدة ومختلفة إلى حد كبير في ذلك الوقت، وقبل بها غالي.
وفي رمضان من ذلك العام، قدم نصر أول برنامج كاميرا خفية له اسمه “انسى الدنيا” الذي حقق جماهيرية كبيرة، حتى أصبح عادة سنوية رمضانية بعد ذلك لإبراهيم نصر، خصوصًا بعد أن تعاون نصر مع طارق نور صاحب شركة الدعاية والإعلان في ذلك الوقت، وطورا العمل الذي استمر لأكثر من 15 عامًا، حيث كان آخر برنامج كاميرا خفية قدمه نصر عام 2008.
تطور الكاميرا الخفية
ظهرت فكرة الكاميرا الخفية بالعالم في أربعينيات القرن الماضي بالولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1947 كان أول برنامج “مايكروفون خفي” في الراديو، ومن ثم تطور البرنامج ليصبح “الكاميرا الخفية” في التليفزيون الأمريكي عام 1948، وبعد ذلك تم عرض إصدارات مختلفة من البرنامج على كل شبكة رئيسية في أمريكا حتى عام 2004، وأُطلقت نسخ منه في أوروبا وأستراليا.
أما في الوطن العربي، فقد انتقلت فكرة الكاميرا الخفية إلى مصر عام 1983 عبر التليفزيون المصري، وكان من إنتاج طارق نور وإخراج إسماعيل يسري وتقديم الفنان فؤاد المهندس، وتم تقديم البرنامج بشرط أن يكون الضيف مواطنًا عاديًا وليس فنانًا.
وفي عام 1991، قدم الفنان إبراهيم نصر أول برنامج كاميرا خفية له، واستمر بعد ذلك لسنوات في تقديم حلقات وشخصيات مختلفة، ومن بعده بدأت القنوات التليفزيونية في إنتاج برامج كاميرا خفية، كـ”اديني عقلك” و”حيلهم بينهم”.
تتمثل الفكرة الأساسية التي بنيت عليها برامج الكاميرا الخفية، بأن يتم إيقاع الضحايا من الناس العادية في فخ المقالب البسيطة والطريفة، لا العنيفة والمؤذية، بهدف إدخال البسمة على المشاهدين، إضافة إلى أنه لا يتم إخبارهم بذلك إلا بعد انتهاء التصوير، وعندها تبقى لهم إمكانية التوقيع أو الموافقة على بث الحلقة وعرضها.
ولكن ماذا عن الكاميرا الخفية العربية اليوم؟
تغير مبدأ فكرة البساطة في الكاميرا الخفية خلال السنوات الأخيرة على يد رامز جلال، إلى برامج تحمل أفكارًا أكثر جرأة بسيناريوهات وميزانيات ضخمة، يتنافس عليها مشاهير الرياضة والفن والإعلام، فتحول البطل من المواطن العادي إلى المشاهير، على الرغم من أن الضيف تنهار أعصابه ويتعرض للتعذيب بدلًا من المزاح والاستفزاز العادي، ولكنه يرضى بذلك مقابل الأجر العالي الذي يتقاضاه.
في كل عام، تعلو موجات من الغضب على برنامج رامز جلال أو ما يُشابهه من برامج، ويتم مقارنة ما كان يُقدمه إبراهيم نصر من برامج راقية، مع ما يُقدمه جلال من برامج “مهينة”، ويرى نقاد أن هذه البرامج لا تمس الفن بشيء، ولا تخلو من التمثيل، وهي إهانة للضيوف الذين يتبادلون السباب والشتائم سنويًا، وهذا لا يتناسب أبدًا مع أجواء شهر رمضان المبارك ولا يلائم المشاهدة العائلية.
قبل أسبوع من وفاته، كشف الفنان إبراهيم نصر عن رأيه في برامج المقالب وخاصة رامز جلال الجديد “رامز مجنون رسمي” الذي يعرض في رمضان الحاليّ عبر شاشة MBC مصر في مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات المصرية، ووصف أن ما يحدث في تلك البرامح صعب للغاية.
وأضاف نصر: “يصعب عليا أني ألوي دراع زميل ليا، وهما قدراتهم كده”، مشيرًا إلى أن الجمهور يريد أن يشاهد فنًا جميلًا ويريد أن يضحك دون انزعاج وأن يشاهد أطفاله هذه البرامج دون هلع، وأضاف “هناك برامج أصابت الأطفال بشيزوفرينيا وأمراض خاصة وتخلف عقلي، الكاميرا الخفية لا بد أن يصحبها درجة من الإحساس والذوق والأدب كي تقدم شكلًا مناسبًا للكاميرا الخفية”.
وفي ختام احترام الجماهير العربية لما قدمه إبراهيم نصر من كاميرا خفية “نظيفة”، على حد تعبير الكثيرين، تداول النشطاء بشكل كبير نعي إبراهيم نصر نفسه بنفسه في فيلم “إكس لارج”، بقصيدة شعبية كتبها، تقول:
“زمايل عمري في الشركة.. مليش غير حبكم تركة.. في آخر عمري وحداني.. ومالي من الدموع بركة.. زمايل عمري في الرحلة.. بكل لغات الكون باي باي.. أنا هنا أهوه في مكان أحلى.. وشايفكم بتشتروا الطروماي.. ثانيًا.. مجدي حبيبي يا مغلبني.. خد بالك من نفسك يا بني.. إياك يا ابن أختي متنجحشي.. ركز في الدنيا متسرحشي.. العمر عدا ولا لمحته.. ابقوا افتكروني لو سمحتوا.. آه يا أندال.. أديكوا دفنتوا وروحتوا”.