شكلت التغريدة التي نشرها موقع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على موقع تويتر السبت الماضي، أحد أبرز المواقف السياسية الإيرانية حيال التعاطي مع الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، وجاء في سياق هذه التغريدة “أعتقد أن الإمام الحسن المجتبى، أشجع شخصية في تاريخ الإسلام، فقد استعد أن يضحي بنفسه وباسمه بين أصحابه المقربين، لأجل المصلحة الحقيقية، وجنح للسلم، لحمایة الإسلام والحفاظ على القرآن وتوجيه الأجيال اللاحق”، وهي من المرات القليلة التي يلوح فيها خامنئي بالجانب الناعم من سياسته الخارجية.
لا يختلف أحد على أن إيران تحركها عقليتان: عقلية الدولة وعقلية اللادولة، وظل خامنئي بصفته أعلى شخصية سياسية في إيران يمتطي هذين الجوادين، ما وفر له هامش مناورة سياسية حيال التعاطي مع ملفات السياسة الخارجية، وهو هامش لا تحظى به أي شخصية سياسية في إيران، وإن كان الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني قد حظي بهذه الميزة، على حساب الشخصية الضعيفة لخامنئي أمامه، إلا أن الرؤوساء الآخرين ظلوا بين تابع أو موازن لمواقف خامنئي، وعلى هذا الأساس الموقف الأخير لخامنئي يشير إلى تحول جديد قد يطرأ على سياسة إيران الخارجية في المستقبل القريب.
إن موقف خامنئي يبدو أنه مرتبط بحسابات إقليمية جديدة، فالانسحاب الإيراني من مدينة حلب وبعض المناطق الأخرى في شرق سوريا، قابله انسحاب جزئي أمريكي من المملكة العربية السعودية، فضلًا عن إعلان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي يوم الأحد أن إيران تعبر عن استعدادها لتبادل جميع السجناء مع الولايات المتحدة من دون شروط مسبقة، وأضاف “قلنا منذ فترة إننا على استعداد لتبادل جميع السجناء الإيرانيين والأمريكيين، يبدو الآن أن أمريكا أكثر استعدادًا من قبل لإنهاء هذا الوضع”، مشيرًا إلى أن إيران تنتظر ردًا.
وقال موقع “إيران إنترناشونال” إن خامنئي ذكر بهذه التغريدة جزءًا من خطابه قبل 5 عقود عن “صلح الإمام الحسن”، الذي استشهد فيه عام 2013، من أجل السماح بإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة، وعبر عنه حينها بـ”المرونة البطولية”، إذ ذكر خامنئي لأول مرة يوم 5 من سبتمبر 2013، خلال اجتماع مع رئيس وأعضاء مجلس الخبراء، أن “المرونة وفن المناورة البطولية في جميع المجالات السياسية مهمة مطلوبة ومقبولة”، لكن “هذه المناورة لا تعني تجاوز الخطوط الحمراء، أو التراجع عن الإستراتيجيات الأساسية، أو عدم الاهتمام بالمثل العليا”.
وفي خطاب آخر موجه لقادة الحرس الثوري، يوم 17 من سبتمبر 2013، قال خامنئي: “عالم الدبلوماسية هو عالم من الابتسامات، ونحن لا نعارض الحركات الصحيحة والمنطقية والدبلوماسية، سواء في عالم الدبلوماسية أم في عالم السياسات الخارجية”، وكان خامنئي قد أشار في عام 2014، وفي بداية المفاوضات النووية التي أدت إلى الاتفاق النووي، إلى خطابه عام 1973، والكتاب الذي كتبه عن “صلح الإمام الحسن”، وآثار سياسة “المرونة البطولية”، قائلًا: “المرونة ضرورية جدًا في بعض المواقف”.
أرسل وزير الخارجية ظريف، خطابًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يعلن فيه استعداد إيران للانخراط في أي مستوى من المحادثات، حرصًا على تطبيق بنود الاتفاق النووي بأكملها
وبعد خطاب خامنئي أمام قادة الحرس الثوري، ألقى الرئيس حسن روحاني كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 من سبتمبر 2013، التي حظيت باهتمام كبير من وسائل الإعلام العالمية، إذ أكد أن “إيران تريد التعامل البناء مع الآخرين، وفي هذا الإطار لا تسعى للتصعيد مع الولايات المتحدة”، الأمر لم يقف عند تصريحات روحاني وتلميحات خامنئي، بل في نفس اليوم الذي تحدث فيه الرئيس الإيراني بالأروقة الدولية، تم خلف الكواليس أول لقاء بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأمريكي جون كيري.
اليوم تواجه طهران ظروفًا اقتصادية أصعب بكثير مما كانت عليه قبل عام 2013، التي دفعتها آنذاك إلى التفاوض، حيث تشهد إيران حاليًّا اتساع رقعة الفقر والبطالة من جهة، ووقف تصدير النفط – المصدر الرئيسي للميزانية الإيرانية – من جهة أخرى، ولهذا السبب فقد أثارت تغريدة المرشد الأعلى عن “صلح الحسن مع معاوية”، تكهنات بشأن إمكانية لجوء طهران إلى “المرونة الشجاعة” مرة أخرى، والقبول بالمحادثات مع الولايات المتحدة تحت وطأة العقوبات.
سبق تغريدة خامنئي، تحرك من وزير الخارجية ظريف، إذ أرسل خطابًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يعلن فيه استعداد إيران للانخراط في “أي مستوى من المحادثات، حرصًا على تطبيق بنود الاتفاق النووي بأكملها”، وهاجم ظريف في خطابه الذي أرسله الجمعة، الخطوات أحادية الجانب للولايات المتحدة، سواء بالانسحاب من الاتفاق النووي أم تمديد الحصار على الأسلحة المقرر انتهاؤه في أكتوبر القادم، وفقًا لنص الخطاب الذي نقله موقع راديو فردا الإيراني، وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد قال: “الولايات المتحدة لا تزال جزءًا من قرار مجلس الأمن، مما يجعلها تسير في اتجاه تمديد الحظر المفروض على الإسلحة في إيران”.