رغم أن الإنترنت أصبح من أساسيات الحياة والاستغناء عنه بات مستحيلًا في ظل تحول كل شيء في حياتنا إلى الرقمنة، ورغم الزيادة الهائلة في أعداد مستخدمي الإنترنت حول العالم في السنوات القليلة الماضية، فإن الإحصاءات تخبرنا أن هناك ثلاثة مليارات من البشر ليس لديهم اتصال بشبكة الإنترنت رغم أن الأمم المتحدة أصبحت تعتبر ذلك حقًا من حقوق الإنسان وخصوصًا في البلدان النامية، حيث سيوفر الاتصال بشبكة الإنترنت بها الملايين من فرص العمل.
حسب إحصائية لموقع internetworldstats فإن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم يقترب من 4.2 مليار مستخدم وتزيد هذه النسبة سنويًا بسبب التوسع في استخدام الهواتف الذكية وانتشار شبكات الإنترنت عريضة النطاق من الجيلين الثالث والرابع، فضلًا عن الدعم المقدم من عدة شركات تقنية كبرى لمحاولة تقديم إنترنت مجاني يغطي الأماكن التي لا تحظى بوصول دائم لشبكة الإنترنت.
مشاريع الإنترنت المجاني حول العالم
من بين المشاريع الرائدة لتأمين خدمة الاتصال بالإنترنت في المناطق النائية والبلدان النامية كان مشروع جوجل Project Loon الذي أطلقته عام 2016، حيث سعت لإطلاق مناطيد يمكنها العمل كنقاط ساخنة Hotspot فوق العديد من المناطق حول العالم، حيث ستحلق على ارتفاع 20 كيلومترًا لتوصل خدمات الإنترنت للمناطق التي تخلو من الاتصال بالإنترنت.
تعمل مناطيد جوجل بالطاقة الشمسية ويمكنها البقاء في الطبقات العليا للجو لمدة 100 يوم، حيث ستبث الإنترنت بتقنية LTE وبسرعة تصل إلى 22 ميجابايت في الثانية لهوائيات الاستقبال و5 ميجابايت في الثانية للهواتف المحمولة، كما يمكن للأماكن التي تبعد عن هذه المناطيد 40 كيلومترًا استقبال البث.
منذ عام 2016 بدأت جوجل بالفعل في العمل على هذا المشروع، واستطاعت تطبيقه بنجاح في عدة أماكن مثل البرازيل ونيوزلندا وعدة مناطق أخرى جنوب خط الاستواء، وذلك رغم العقبات العديدة التي واجهتها وسنعود لذكرها لاحقًا.
في أغسطس 2013 أطلقت شركة فيسبوك مشروع internet.org وهو مشروع طموح يهدف لإيصال الإنترنت إلى المناطق المحرومة من الاتصال بالشبكة العالمية بواسطة الأقمار الصناعية ومن خلال شراكات مع عدة شركات تقنية كبرى مثل سامسونج وإريكسون وأوبرا ونوكيا وكوالكوم وميدياتك.
يعتمد المشروع في تشغيله على ثلاث تقنيات: أولها توصيل عدة أقمار قريبة مع بعضها البعض ونقل البيانات من خلال أشعة الليزر ولكن يعاب على هذه التقنية حاجتها لعدة أطباق تتبع لمنع ضعف الإشارة، أما التقنية الثانية فهي الأقمار الصناعية ذات المدارات البعيدة ولكن هذه التقنية يلزمها وقت طويل للتطور وحل المشاكل التي قد تعتريها، لذلك كان الحل في التقنية الثالثة التي تم اعتمادها وهي عبارة عن طائرات دون طيار تعمل بالطاقة الشمسية وتطير على ارتفاع 20 كيلومترًا، حيث تدور في مساحات واسعة حتى تستطيع توصيل الخدمة إليك بكفاءة عالية.
يعتمد المشروع على الأقمارالصناعية المختصة بنقل الصوت والصورة
مشروع Lantern لتوصيل الإنترنت المجاني للمناطق النائية بدأ كفكرة على موقع التمويل الجماعي Indiegogo، وفكرة المشروع تتلخص في بث الإنترنت من الفضاء عبر جهاز استقبال صغير الحجم ورخيص التكلفة يعمل على نقل البيانات عبر الأقمار الصناعية لإيصالها للأماكن التي لا تتوافر بها الخدمة.
يعمل المشروع من خلال متصفحات الهواتف الذكية أو الحواسيب، فيتم من خلالها استقبال صفحات الويب والأخبار والموسيقى والفيديو، حيث يسعى المشروع لعمل مكتبة ضخمة للتراث الإنساني مثل العلوم وتاريخ البشر وكل المعارف الإنسانية وبثها من الفضاء، ليستطيع أي إنسان الاطلاع عليها والدخول إليها من أي مكان.
يهدف المشروع لإيصال الإنترنت لكل الأماكن في العالم بما في ذلك الأماكن النائية ومناطق الصراعات والكوارث التي يصعب على سكانها الحصول على المعرفة الإنسانية، ويعتمد على الأقمارالصناعية المختصة بنقل الصوت والصورة، وحسب المسؤولين عن المشروع فإنهم سيسعون في المستقبل للحصول على قمر صناعي خاص بهم.
عقبات مشاريع الإنترنت المجاني
رغم أن مشاريع الإنترنت المجاني تبدو في الظاهر محاولة لإيصال المعرفة البشرية إلى كل إنسان على وجه الأرض من خلال مساعدتهم على الولوج لشبكة الإنترنت العالمية، وكذلك المساهمة في إيجاد فرص عمل للمناطق الأكثر فقرًا في عالمنا، فإن هذه المحاولات لاقت الكثير من الصعوبات والمعوقات التي تحول دون تنفيذها وتحقيق أهدافها، ولعل أهم هذه المعوقات التمويل، فحتى ينطلق المشروع بكامل قوته لا بد من التمويل خاصة أن هذه المشروعات تعتمد على بث الإنترنت من الفضاء الخارجي وتحتاج للكثير من الأقمار الصناعية ومحطات بث واستقبال خدمات الإنترنت، ولعل منظمة MDIF التي تطور مشروع Lantern خير مثال على ذلك، فهذه المنظمة خيرية غير هادفة للربح.
المعوقات السياسية أيضًا لها دور في الحد من نجاح مشاريع الإنترنت المجانية، فالكثير من الدول تمنع مواطنيها من الدخول على خدمة إنترنت مجانية لا تتحكم بها الحكومات بالكامل، ولعل هذا تحديدًا كان السبب في توقف مشروع Google Loon، فالكثير من دول الشرق الأوسط عارضت دخول مناطيد جوجل لمجالها الجوي، كما أن شركات الإنترنت المحلية التي أنفقت المليارات في تطوير البنية التحتية بالعديد من البلدان من أجل كسب الأموال من المستخدمين ساهمت في إفشال المشروع.
رغم فشل مشروعي جوجل وفيسبوك في الوصول للهدف المعلن وهو إيصال الإنترنت لأكبر عدد من المحرومين من الدخول لشبكة الإنترنت العالمية، فإن هناك العديد من المشاريع القائمة التي تسعى للتطور
مصير مشاريع الإنترنت المجاني
للأسباب التي ذكرناها سابقًا وغيرها أعلنت جوجل توقف مشروع Google Loon نهائيًا، وحسب جوجل فإن المشروع توقف بعد أن نجح خلال خمس سنوات في إيصال الإنترنت للكثير من البلدان والمناطق النائية حول العالم، ويبدو أن مشروع فيسبوك internet.org في طريقه للتوقف أيضًا، فمنذ إعلان الشركة مشروعها في العام 2013 لم تتوقف محاولات إيقاف المشروع من الحكومات والشركات ومنظمات حقوق الإنسان ودعاة الخصوصية ولكل منهم أسبابه لمعارضة المشروع.
كان مارك زوكربيرغ المتهم الرئيسي لمحاولة السيطرة على الإنترنت وجمع معلومات المستخدمين مما دفعه لتغيير اسم المشروع إلى Free Basics بدلًا من internet.org، ورغم ذلك ظلت دوافع زوكربيرغ مشكوكًا فيها خاصة في ظل السمعة السيئة التي تطارد منصة فيسبوك من محاباة الحكومات وانتهاك الخصوصية وجمع معلومات المستخدمين، فضلًا عن الاتهامات المتعلقة بعدم حياد الشركة، فحسب الاتهامات الموجهة للمشروع فإن الشركة تحاول بناء سور حول الإنترنت الذي تقدمه بحيث لا يستطيع المستخدم الذي يعتمد على الخدمة إلا الوصول لمجموعة من الخدمات غير الآمنة المعتمدة من فيسبوك وشركات الإنترنت المحلية ولا يمكنهم الوصول الحر لكامل شبكة الإنترنت.
رغم فشل مشروعي جوجل وفيسبوك في الوصول للهدف المعلن وهو إيصال الإنترنت لأكبر عدد من المحرومين من الدخول لشبكة الإنترنت العالمية، هناك العديد من المشاريع القائمة التي تسعى للتطور وتحقيق الهدف المتمثل في نشر الشبكة العنكبوتية في كل مناطق العالم، كما أن هناك مشاريع أخرى ستكون موجودة في المستقبل أيضًا لتحقيق نفس الهدف، ويعتمد نجاح المشروعات القائمة والقادمة على التعاون بين الشركات الكبرى والحكومات والاستفادة من الأخطاء التي أفشلت المشروعات القديمة وتسببت في إيقافها.