وقعت كل من المملكة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ومصر والعراق والأردن ولبنان وقطر والكويت والبحرين والإمارات وسلطنة عمان بعد اجتماع عقد في مدينة جدة السعودية على اتفاق حول محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، بما في ذلك العمل على وقف تدفق الأموال والمقاتلين إلى التنظيم، وعلى “إعادة بناء المجتمعات التي روعها التنظيم بأعماله الوحشية”، على حد وصف البيان العربي الأمريكي المشترك.
تركيا خارج الاتفاق:
ورغم إن الاجتماع قدم على أنه “عربي أمريكي”، فإن تركيا كانت من بين المشاركين الرئيسيين فيه، ممثلة في وزير خارجيتها الجديد “مولود شاووش أوغلو”، ورغم حضورها ومشاركتها في النقاشات التي سبقت الإعلان عن وثيقة الاتفاق المعلن، فإن “شاووش أوغلو” بعد اتصاله بالعاصمة التركية أنقرة امتنع عن التوقيع على هذه الوثيقة فاتحًا الباب أمام تحليلات وتوقعات مختلفة.
وقد ذهب محللون أتراك إلى وصف الموقف التركي بالـ “الحمام البارد” لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، مشيرين إلى إن الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة لوجود تركيا في صف القوى الداعمة للاستراتيجية الأمريكية الجديدة للحرب على داعش ولم تتوقع هذا الموقف السلبي من اتفاق جدة، في حين قال محللون آخرون إن الموقف التركي مرتبط بوجود عدد من الرهائن الأتراك لدى تنظيم داعش في العراق، من بينهم القنصل التركي في مدينة الموصل؛ مما يجعل تركيا تمتنع عن الدخول في تحالف كهذا حتى لا تعرض حياة هؤلاء الرهائن للخطر.
وقلل محللون من تأثير ملف الرهائن الأتراك في العراق على الموقف التركي من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، مشيرين إلى أنباء – لم تنفى ولم تتأكد بصفة رسمية إلى الآن بسبب قرار القضاء التركي بمنع النشر في خصوص الرهائن إلى حين عودتهم – حول تسليم داعش لهؤلاء الرهائن لقيادة العشائر في الموصل لضمان سلامتهم إلى حين انتهاء المحادثات الجارية بين داعش والسلطات التركية.
ومن المتوقع أن الموقف التركي من الحرب الأمريكية الجديدة لن يختلف عن موقفها الرافض للغزو الأمريكي للعراق قبل عشر سنوات، خاصة مع استباق اللقاء المرتقب لجون كيري بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مساء اليوم الجمعة في أنقرة، بتصريحات لشخصيات بارزة في حزب العدالة والتنمية قالوا فيها إن تركيا حذرت المجتمع الدولي منذ أكثر من سنتين من أن الصمت الدولي على جرائم النظام السوري في حق المدنيين سيؤدي إلى انفلات مطابق لما وصل إليه المشهد اليوم، وإشارتهم إلى أن الاستراتيجية التي تقدمها أمريكا اليوم لا تمثل حلاً للوضع الأمني المنفجر في عدد من دول المنطقة.
وقد أكد أحد المسئولين الأتراك هذا التوجه في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، حيث قال إن بلاده “لن تشارك في أي عملية عسكرية في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وستركز كليًا على العمليات الإنسانية”، مشيرًا إلى إن أقصى ما يمكن أن تقدمه تركيا هو السماح باستخدام قاعدة أنجرليك في جنوب البلاد لأغراض لوجستية فقط.
السعودية تتصدر الاتفاق:
وفي مؤتمر صحفي منفصل عقب اجتماع جدة، حضره كل من وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، ووزير الخارجية الامريكي، جون كيري، أثنى الأمير سعود على “خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما وما حمله من مضامين وجدية في مكافحة الإرهاب بما في ذلك تأكيده على ملاحقة الإرهابيين أينما وجدوا”.
وأضاف الفيصل: “الاجتماع حرص على التعامل مع ظاهرة الإرهاب من منظور استراتيجي شامل لا يقتصر فقط على دولة واحدة بل يمتد إلى التعامل مع الإرهاب الذي يضرب بأطنابه في كل من ليبيا ولبنان وسورية والعراق واليمن التي أصبحت ملاذًا لهذه التنظيمات وشبكاتها وخصوصًا فيما يتعلق بتدفق السلاح والعتاد إليها وفيما بينها”.
وبدوره قال الوزير الأمريكي: “هذا الاجتماع لم يكن ليشمل على شركاء أفضل، كل دولة ممثلة هنا اليوم، ولاسيما على وجه الخصوص العراق الذي سيكون جزءًا مهمًا في جهد تدمير قدرة “داعش” على الإرهاب”، مثمنًا جهود سعود الفيصل وخاصة حرصه على توجيه الدعوة المباشرة للحكومة العراقية واعترافه بها فور تشكلها.
ويذكر أن مصادرًا في البيت الأبيض قد ذكرت أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في حربها على داعش ستشمل قيام السعودية بتدريب “المعارضة السورية” على أراضيها، وهو ما علقت عليه سارة ليا واطسون، مديرة الشرق الأوسط في منظمة “هيومن رايتس ووتش” لحقوق الإنسان، قائلة: “هل سيشمل التدريب في السعودية أيضًا عمليات قطع الرأس؟ من الذي قطع رءوسًا أكثر هذا العام؟ السعودية أم داعش؟”، مشيرة بذلك إلى أحكام الإعدام المطبقة بكثرة في المملكة، مضيفة: “السعودية تدرب المعارضين على الديمقراطية في حين تحكم على سعوديين طالبوا بالأمر نفسه بالسجن لمدى الحياة”.