بعد فضيحتي “إن إم سي” و”فينيكس”.. القطاع المصرفي الإماراتي في صدمة

المصرف المركزي الإماراتي

يتلقى القطاع المصرفي في الإمارات ضربة تلو الأخرى، الأمر الذي انعكس على معدلات أدائه العام وتراجعه بصورة غير مسبوقة منذ عقود طويلة، حيث شهد خلال الأشهر القليلة الماضية منذ تفشي فيروس كورونا المستجد العديد من الصدمات الموجعة.

خلال اليومين الماضين كشفت وكالة “رويترز” وثيقة تشير إلى خضوع شركة “فينيكس كوموديتيز بي. في. تي” المتخصصة في تجارة المنتجات الزراعية، ولديها مكاتب في دبي، إلى عملية تصفية، وذلك بعد الخسائر التي تراكمت عليها وتجاوزت الـ400 مليون دولار.

الوثيقة التي أعدها المصفون واطلعت عليها الوكالة الإخبارية أشارت إلى أن الشركة لديها تسهيلات من بنوك إماراتية وبنوك أخرى بنحو 1.6 مليار دولار، وهو ما يزيد من الضغوط على المصارف الإماراتية في ظل نقص السيولة جراء الغلق الاقتصادي على خلفية مواجهة الوباء.

ومن المؤشرات التي تعكس حجم الأزمة مغادرة المساهم الرئيسي بفينيكس، جوراف داوان، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي للمجموعة التجارية – دبي، متوجهًا نحو لندن، حسبما قال مصدران لرويترز، ما يعيد للأذهان سيناريو الملياردير الهندي الهارب من الإمارات بي آر شيتي بأكثر من 6 مليارات دولار من البنوك الإماراتية.

وتعمل مجموعة فينيكس مع نحو مئة شركة من مختلف أنحاء العالم، تأسست قبل 20 عامًا، وبلغت إيراداتها 3 مليارات دولار في 2019، وتتاجر في الحبوب والفحم والمعادن ومنتجات أخرى، لكنها تعرضت لهزة عنيفة بعد القيود الاقتصادية التي فرضت مؤخرًا منذ تفشي كوفيد 19.

تأتي صدمة فينيكس بعد ثلاثة أشهر من الضربة المالية التي تعرض لها القطاع المصرفي الإماراتي إثر تعثر شركة “إن. إم. سي” للرعاية الصحية التي أسسها الملياردير الهندي الهارب، بعد أن خدع نحو 80 بنكًا إماراتيًا وإقليميًا ودوليًا.

وقد أحدثت تلك الفضيحة جدلًا كبيرًا داخل قطاع البنوك في البلاد تزامن ذلك مع تصاعد حالة الغضب والانتقادات التي تعرضت لها المؤسسات المصرفية الإماراتية التي منحت شيتي تسهيلات كبيرة دون ضمانات مقارنة بما هو متبع مع المواطنين العاديين.

العديد من الشواهد التي رافقت تلك الأزمة ألقت بظلالها القاتمة على المشهد برمته، لتعكس حجم أزمة التعثر التي تعاني منها البنوك الإماراتية، ففي 29 من أبريل الماضي كشفت شرطة دبي انتحار رجل أعمال هندي بإلقاء نفسه من الطابق الـ14 من إحدى البنايات في العاصمة، فيما أرجعت تقارير انتحاره إلى تعرضه لأزمة مالية مؤخرًا.

مجموعة فينيكس

البنوك في مأزق

مع إعلان تصفية فينيكس أفصحت عدد من البنوك الإماراتية عن انكشافها (منحها لقروض) على المجموعة وفروعها، كان في مقدمتها بنك أبو ظبي الأول، أكبر بنوك الدولة، حيث أعلن أمس انكشافه بمبلغ 73.2 مليون دولار على فينيكس كوموديتيز لتجارة السلع الزراعية وكيانات متصلة بها.

كما أعلن بنك الإمارات دبي الوطني، أحد أكبر بنوك العاصمة، قبل يومين، انكشافه بقيمة 23.66 مليون دولار على فينيكس، مضيفًا في بيان قدمه للبورصة أن انكشافه يشمل 7.7 مليون دولار على فينيكس كوموديتيز ضمن قرض مشترك مع بنوك أخرى، هذا بخلاف 55.3 مليون دولار على هيئة قروض ثنائية ومشتركة لبعض فروع المجموعة منها، جلوبال دي. إم. سي. سي وإس. إم. إي. جي ودي. إم. سي. سي.

بنك أبو ظبي الأول انضم هو الآخر لقائمة البنوك التي أعلنت انكشافها على المجموعة المصفاة، منوهًا إلى أن قيمة انكشافه بلغت 10.2 مليون دولار على هيئة قروض ثنائية، مضيفًا أنه تم تأمين القروض عبر مجموعة من آليات الضمان، لكنه لم يحدد بعد كيف يمكنه استرداد هذه المبالغ حال التصفية.

أما بنك المشرق، فأعلن أن لديه انكشافًا بقيمة 43.06 مليون درهم (11.73 مليون دولار) على الشركة الفرعية ذاتها، هذا في الوقت الذي أشارت فيه 8 بنوك مدرجة في سوقي أبو ظبي ودبي للأوراق المالية إلى عدم انكشافها على فينيكس أو أي من الكيانات ذات الصلة بها.

تقلصت الوظائف في بنك “الإمارات دبي” بصورة لم يشهدها منذ عشر سنوات، هذا بخلاف توقف الكثير من الأعمال والأنشطة التي كان مخططًا لها قبل ذلك

إجراءات تقشفية

لم تكن القروض المليارية التي منحتها البنوك الإماراتية لمجموعة فينيكس المصفاة ولا شركة “إن. إم. سي” المتعثرة هي المأزق الوحيد الذي تواجهه، إذ تفاقم الوضع بصورة كبيرة بفعل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها الدولة منذ سنوات على أكثر من قطاع.

الضغوط التي تعرض لها القطاع المصرفي دفعته لاعتماد عدد من إستراتيجيات التقشف للتعايش مع الوضع الحاليّ وضمان الحد الأدني من الحضور قبل أن تصل الأمور إلى مستوى أكثر انهيارًا، وهو ما يمكن كشفه بسهولة من خلال عدد من المؤشرات.

البداية كانت مع “مصرف أبوظبي الإسلامي” ADIB، الذي قرّر – نتيجة الوضع الاقتصادي الحاليّ – تخفيض نفقاته وتكاليفه من خلال تقليص الوظائف وإغلاق عدد من فروعه، وذلك وفق ما نقل موقع “إمارات ليكس” في تقرير له نقلًا عن شبكة “بلومبيرج”.

الشبكة الأمريكية المتخصصة بالشأن الاقتصادي كشفت أن البنك يسعى من خلال تدابيره تلك لتوفير نحو 136 مليون دولار، كما نقلت عن بعض المصادر على مقربة من الأمر نية البنك غلق فروع له محلية وخارجية.

لم يكن “أبو ظبي الإسلامي” البنك الوحيد الذي وجد نفسه مضطرًا لاتخاذ إجراءات تقشفية للتعايش مع الوضع، إذ سبقه في ذلك العديد من البنوك الأخرى التي لجأت إلى سياسة خفض الوظائف وتقليل النفقات من بينها “بنك أبوظبي الأول” و”بنك الإمارات دبي الوطني” Emirates NBD.

تحديات كبيرة أمام العديد من القطاعات الاقتصادية التي تعتمد عليها الدولة الإماراتية بجانب النفط في تحسين صورتها الاقتصادية عالميًا، حيث كشف فيروس كورونا حجم التصدع الذي أصاب جدران تلك القطاعات على رأسها قطاع البنوك

وبحسب التقرير تقلصت الوظائف في بنك “الإمارات دبي” بصورة لم يشهدها منذ عشر سنوات، هذا بخلاف توقف الكثير من الأعمال والأنشطة التي كان مخططًا لها قبل ذلك، يتزامن ذلك مع الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها إمارة دبي خلال السنوات الأخيرة.

يذكرأن سياسة الاندماج التي اتبعتها بعض المصارف الإماراتية مؤخرًا أسفرت عن الإطاحة بآلاف الوظائف وفرص العمل، ولعل ما فعله “بنك أبو ظبي الأول” من شطب وإلغاء لبعض الوظائف وفصل عدد كبير من الموظفين هو الأحدث بين المصارف الإماراتية في ظل أعباء التمويل جراء تباطؤ النمو.

ونتيجة للوضع الصعب الذي باتت فيه البنوك الإماراتية، قرر المصرف المركزي للبلاد، الشهر الماضي، خفض نسبة الاحتیاطي من الودائع في البنوك بمقدار 50%، تزامن ذلك مع قرار تأجيل معرض “إكسبو 2020” الدولي، الذي كان مقررًا أن تستضيفه دبي لمدة عام، وهو ما يعد صدمة جديدة لقطاع السياحة والعقارات للإمارة التي تعاني من أزمات طاحنة بسبب الديون.

تحديات كبيرة أمام العديد من القطاعات الاقتصادية التي تعتمد عليها الدولة الإماراتية بجانب النفط في تحسين صورتها الاقتصادية عالميًا، حيث كشف فيروس كورونا حجم التصدع الذي أصاب جدران تلك القطاعات على رأسها قطاع البنوك والعقارات والسياحة، وقد تعززت تلك التحديات بالانهيار الذي أصاب أسعار النفط العالمية، ليدخل الاقتصاد الإماراتي نفقًا من الغموض المشوب بالترقب في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة.