تم نشر فريق من المرتزقة الغربيين المرتبطين بشركتين في دبي لفترة قصيرة في ليبيا لمساعدة خليفة حفتر المدعوم من قبل روسيا في هجومه الذي كان يستهدف الاستيلاء على طرابلس، وذلك بحسب ما ورد في تقرير سري للأمم المتحدة يسلط الضوء على ما آلت إليه أوضاع الحرب التي تدور رحاها بالوكالة داخل البلد، والتي أصبحت مغنطيسا يجذب البنادق المستأجرة
يقول التقرير إن المرتزقة كانوا ينتمون إلى شركة لانكستر 6 دي إم سي سي وشركة أوبس كابيتول أسيت ليمتد إف زيد إي، وكلتاهما مسجلة في المناطق الحرة في الإمارات العربية المتحدة، وإنهم سافروا إلى ليبيا في يونيو/ حزيران 2019 “ضمن عملية جيدة التمويل تنفذها شركة عسكرية خاصة” لدعم حفتر، الذي يقاتل بهدف الإطاحة بالحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة.
قامت الشركتان بتمويل وإدارة عملية، الغرض منها تزويد قوات حفتر بالطائرات العمودية والطائرات المسيرة والقدرات السيبرانية، وذلك من خلال شبكة معقدة من الشركات الوهمية، وذلك بحسب ما صرح به دبلوماسيان في حديث مع بلومبيرغ حول محتوى تقرير هيئة الخبراء التابعة للأمم المتحدة تم تقديمه للجنة العقوبات في مجلس الأمن الدولي في شهر فبراير/ شباط.
كما أطلع الخبراء موقع بلومبيرغ على مقتطفات من التقرير. لكن المسؤولين في الأمم المتحدة رفضوا التعليق على الموضوع؛ نظرا لأن التقرير غير معلن.
يذكر أن الفريق المكون من عشرين عنصرا بقيادة ستيف لودج، وهو من مواطني جنوب أفريقيا، وصل إلى ليبيا في أواخر يونيو/ حزيران 2019، ثم ما لبث سريعا أن انسحب بعد أيام قليلة من هذا البلد الشمال أفريقي على متن قاربين أبحرا نحو مالطا. يقول محققو الأمم المتحدة في التقرير إنهم لم يتمكنوا من تحديد لماذا انسحب الفريق، إلا أنهم قالوا إن التفسيرات التي قدمها المحامون الممثلون لهم -بأنهم إنما كانوا يقدمون خدمات تتعلق بالنفط والغاز- لم تكن مقنعة.
رفض لودج التعليق على الموضوع، بينما صرح محاميه بأن الاتهامات التي وجهها له تقرير الأمم المتحدة كانت باطلة.
قال الدبلوماسيان إن التقرير لم يذكر من هي الحكومة أو الوكالة التي تقف من خلف المشروع، لكن المرتزقة كانوا يدعمون حفتر الذي يتلقى الدعم من الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا – بينما تساند الحكومات الغربية الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة. ليس مطلوبا من مجلس الأمن الدولي اتخاذ إجراء معين بناء على التقرير، ولكن بإمكان الدول الأعضاء إحالة الأمر إلى التحقيق داخل بلدانهم.
يقود شركة لانكستر 6 طيار سلاح الجو الأسترالي السابق كريستيان دورانت، الذي عمل كما يذكر موقع الشركة على الإنترنت لصالح فرونتير سيرفيسز غروب (مجموعة خدمات الجبهة) حتى عام 2016، وهي المجموعة التي كان قد أسسها إريك برينس، الرئيس السابق لشركة بلاكووتر العالمية. لا توجد إشارة ضمن التقرير إلى أن برينس أو أي شركة كان له ارتباط بها قد لعبوا أي دور في المهمة التي قام بتنفيذها موظفه السابق.
وعلى الرغم من أن المهمة لم تدم طويلا، إلا أن عملية الانتشار، كما يصفها تقرير الأمم المتحدة، تظهر كيف تطورت معركة حفتر للسيطرة على طرابلس إلى صراع دولي على النفوذ داخل البلد المقسم، والذي يربض على أضخم احتياطي نفطي مثبت في أفريقيا.
وكان حفتر قد شن هجومه على طرابلس قبل عام، لكنه ظل منذ ذلك الحين معرقلا في أكناف العاصمة، بينما توجهت الحكومة المدعومة من قبل الأمم المتحدة إلى تركيا، وطلبت منها المساعدة العسكرية؛ حتى تتمكن من إحباط الهجوم.
كان المرتزقة الغربيون سينضمون إلى ساحة باتت مزدحمة داخل ليبيا، التي ما لبثت غارقة في العنف منذ عام 2011، عندما أفضى التمرد المدعوم من قبل حلف شمال الأطلسي إلى قتل الزعيم المخضرم معمر القذافي، ما أثار القلق في أوروبا من أن البلد قد يتحول إلى معبر للمهاجرين والمسلحين. وبينما ازداد الصراع تعقيدا، وتورطت فيه حكومات مختلفة، تم نشر الآلاف من المرتزقة الروس والسوريين والسودانيين في ليبيا للقتال إلى جانب الأطراف المتصارعة.
ولكن على النقيض من المقاتلين الذين يتلقون في العادة أجورا زهيدة، ويزودون بأسلحة متواضعة، تعهد المرتزقة الغربيون الذين يرد ذكرهم في التقرير بالقيام بعمليات بالغة التعقيد؛ بهدف منع وصول شحنات السلاح من تركيا إلى الحكومة في طرابلس باستخدام القوارب والطائرات العمودية، وذلك بحسب ما صرح به الدبلوماسيان.
ويقول التقرير إن ست طائرات عمودية عسكرية سابقة تم الحصول عليها وإرسالها إلى ليبيا من أجل المشروع فيما وصفه عدم التزام بقرار الأمم المتحدة فرض حظر على تصدير السلاح إلى ليبيا.
ويقول التقرير إن العملية تطلبت “خلية استهداف”، وهي مجموعة مسؤولة عن الطائرات المسيرة، وطائرة عمودية هجومية، ولكن لم يتسن معرفة ما إذا تم المضي قدما في تنفيذ هذه المخططات.
تذكر شركة لانكستر 6 في موقعها على الإنترنت أنها تعمل على “تخفيض العنف”، وأنها مختصة في عمليات “البحث والإنقاذ” ضمن خدمات أخرى تقدمها، بما في ذلك تقديم الخدمات الفنية في حقول النفط والاستشارات الحكومية.
يرأس شركة أوبس كابيتول أسيت ليمتد أماندا بيري، وهي مواطنة بريطانية مقيمة في دبي.
أنصاف الحقائق
ينفي خطاب وجهه فينس غوردون، المحامي الذي يمثل كلا من لودج ودورانت وبيري، الاتهامات الواردة في التقرير، وينقل عن دورانت قوله: “إن المزاعم الواردة حول نشاطات غير مشروعة تقوم بها شركتا أوبس ولانكستر 6 في ليبيا إنما هي مزاعم عارية عن الصحة، ويتم نشرها اعتمادا على أساس من أنصاف الحقائق”.
ويقول الخطاب إنهم تعاونوا مع تحقيق الأمم المتحدة، وأعربوا عدة مرات عن استعدادهم للقاء الهيئة التي أعدت التقرير، وجاء في الخطاب: “ينوي موكلونا الدفاع بقوة عن أنفسهم وعن مدرائهم وموظفيهم لدحض المزاعم الباطلة والمضللة”.
في مالطا، وجهت السلطات تهما لتاجر محلي، اسمه جيمز فينش، يعمل في مجال توفير السلاح والخدمات اللوجستية، بانتهاك الحظر؛ لأنه قام بتوفير قاربين استخدما من قبل المرتزقة، كما ورد في الصحافة المالطية نقلا عن تصريح صادر عن الشرطة. قال فينيش في رسالة إيميل بعث بها إلى موقع بلومبرغ إن ما قام به لم يزد عن تأجير القاربين، دون طواقم، ليكونا “على أهبة الاستعداد لأغراض الإجلاء.”
وجاء في تصريح صادر عن شركته، التي تسمى سافرين تشارترز، أن واحدا وعشرين مقاولا، يحملون جوازات سفر بريطانية وأمريكية وفرنسية وأسترالية وجنوب أفريقية استأجروا القاربين لمدة تسعين يوما، لكنهم عادوا إلى مالطا بعد فترة قصيرة من الزمن، وسمح لهم بالمغادرة جوا.
المصدر: بلومبيرغ